في الوقت الذي قررت فيه ألمانيا دعم اليونان بالمليارات من أجل إنقاذها من الإفلاس وحماية النقد الأوروبي الموحد quot;اليوروquot; من تداعيات خطرة نتيجة لذلك، لكون اليونان من بلدان محيط اليورو، قررت تخفيض المساعدات التي تقدمها سنوياً إلى البلدان النامية والفقيرة، ما يطرح السؤال حول مصير المشاريع النامية التي بدأت بها ألمانيا هناك، خاصة في أفريقيا السوداء وبلدان في الشرق الأوسط.

اعتدال سلامه من برلين: لن تفي ألمانيا هذا العام ولا في أعوام مقبلة بوعودها بدفع كامل المساعدات الإنمائية، بحسب تقرير المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والإنماء، لذا تراجعت من المرتبة الثانية إلى المرتبة الثالثة من بين البلدان المقدمة للمساعدات الإنمائية، وعلى هذا الأساس سوف تدفع 12.4 مليار دولار، تتبعها فرنسا، بينما تظل الولايات المتحدة الأميركية على رأس القائمة، وتصل المساعدات الإنمائية التي تقدمها إلى 28.7 مليار دولار.

وتشير البيانات المتوافرة إلى أن ألمانيا قدمت حتى الآن 0.51 % من إنتاجها القومي على شكل مساعدات إلى البلدان الفقيرة والنامية، عبر تمويل مشاريع حيوية فيها، لكن النسبة تراجعت هذا العام إلى 0.4 %، مع أن القرار الذي اتخذ في السابق يلزمها، كما بلدان أوروبية أخرى بدفع 0.51 % على الأقل من إنتاجها القومي، ما يطرح علامة استفهام حول مصير المشاريع التي كان من المفترض أن تباشر بها، خاصة في قطاع المياه والزراعة والتأهيل المهني والطبابة وإنشاء مستشفيات.

هذا السؤال طرحته quot;إيلافquot; على ديرك نيبل وزير الإنماء والتعاون الاقتصادي الألماني خلال لقاء له مع عدد من الصحافيين الأجانب، فذكر أن حكومة بلاده تفي بكل وعودها الإنمائية منذ عقود طويلة، وما قدمته العام الماضي وصل إلى 8.83 مليارات يورو (حوالي 12 مليار دولار) إلى البلدان الفقيرة والنامية، ما يعادل قرابة 0.35 % من الناتج القومي، وبغضّ النظر عن الأزمة المالية التي انعكست سلباً على الاقتصاد وقطاع المال الألمانيين، سوف تحافظ على وعودها بمنح العون المالي، كما تم الاتفاق عليها في المحافل الدولية. في الوقت نفسه، أكد أن النسبة سوف ترتفع حتى عام 2015 إلى 0.7 %، وهذا يشكل تحدياً كبيراً لألمانيا.

كما نوّه أيضاً بأن وزارته رفعت حجم المساعدات لهذا العام إلى 256 مليون يورو عمداً، كي لا يكون تأثير الخفض كبيراً، ومع أنه مبلغ بسيط، لكنه يعتبر في هذا الظرف المالي الصعب إنجازاً مهماً في سياسة البلاد الإنمائية.

لكن ماذا لو قررت دول في الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار ألمانيا نفسه المتمثل في تقليص حجم مساعداتها الإنمائية للبلدان النامية، بحجة أنها تريد قبل كل شيء تدعيم بيتها الداخلي، وتفادي المزيد من انعكاسات الأزمة المالية العالمية، عن هذا التساؤل يرد الوزير موضحاً quot;لقد حدد الاتحاد الأوروبي أهدافه المتعلقة بالسياسة الإنمائية على المدى البعيد، لكن لا أحد يستطيع أن يؤكد التزام كل الدول الأعضاء في الاتحاد بهذه السياسة مستقبلاً.

إلا أن الحزب الاشتراكي المعارض انتقد الوزير بالقول إنه يعمل جاهداً، كي توضع علامة استفهام على مدى تحمل ألمانيا مسؤوليات دولية. كما أكدت وزيرة الإنماء السابقة الاشتراكية آنا ماري فتشوريك تسويل على أن دعم البلدان النامية والفقيرة من الأمور التي يجب أن تلتزم بها ألمانيا بشكل خاص، وذكّرت بما قالته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في خطابها الذي ألقته في مجلس النواب الاتحادي، عقب الأزمة المالية العالمية، وهذا ما أكدت عليه أيضاً خلال دورة الدوحة، التي شاركت فيها، لذا من الخطأ الآن بالتحديد تقليص هذا الدعم، إذ إنه ليس من مصلحة العولمة، ولا من مصلحة الدول الصناعية تدهور الأوضاع الاقتصادية في البدان النامية.

وسبق أن خفضت ألمانيا قبل عام ونصف عام عدد البلدان التي تقدم لها مساعدات إنمائية مباشرة من 70 إلى 40 دولة، وأصاب ذلك في الدرجة الأولى البلدان الأفريقية، مثل مالي، التي لم تعد على قائمة الدول التي تتلقى المساعدة. وتقدم المساعدات حالياً إلى الجزائر وأريتريا ولوزوتو وتشاد، عبر مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو المنظمات غير الحكومية.

كما خلت لائحة وزارة التعاون الإنمائي من أسماء بلدان يجري معها تعاون وعمل إنمائي مشترك مباشر، وتعتبر حتى الآن دولاً شريكة، مثل ساحل العاج والأردن وتونس وغينيا وجمهورية الدومينكان وكوبا وباراغواي وكوستاريكا، لكن ألمانيا ستبقي على مساندتها لها في مجالات معينة، كإدارة الأزمات والمشاكل.

ولن يطرأ تغيير على شكل التعاون الإنمائي والعمل المشترك الألماني مع الصين والهند، فيما وضعت كل من أنغولا والكونغو والسودان على لائحة البلدان التي تريد ألمانيا مباشرة التعاون الإنمائي معها، وكانت في السابق دولا شريكة وذات قدرات.

وحسب تبرير وزارة التعاون الإنمائي، تم الاتفاق على لائحة البلدان بشكلها الجديد، بعد مناقشاتها مع البلدان الأعضاء في منظمة التعاون والإنماء في أوروبا، والهدف منها التقليل من أعباء المصاريف الإدارية التي تتحملها البلدان النامية أو على عتبة التطور، وهذا يعني أيضاً تركيز كل دولة مانحة على مساعدة بلدان معينة، ما يسمح لها اختيار نوع المساعدة التي ستقدمها وحجمها.

والهدف أيضاً من هذه الاستراتيجية الجديدة تفادي تقديم عون مضاعف لبلد واحد، يحصل على مساعدات من الاتحاد الأوروبي، وهذا يساعد على تقوية الدعم الذي يقدمه كل بلد مانح. وسينخفض عدد دول ما يسمى بالدول التي أحدثت إصلاحات داخلية لديها من 83 إلى 56، وتحصل على مساعدات مباشرة من ألمانيا، لأنها أحرزت تقدماً في هيكليتها الاقتصادية والقضائية، منها جمهورية كيرغيستان وطادشكستان ومولدافيا وجورجيا وأرمينيا وأزربيجان والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وكوسوفو وكرواتيا.

وتشير معلومات إلى أن الاتحاد الأوروبي قد خصص هذا العام نصف مليار يورو كمساعدات للبلدان الأكثر فقراً من أجل مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية، والمساهمة في برنامج الأمم المتحدة للألفية الثالثة، الداعي إلى تخفيض الفقر في العالم إلى النصف، وسوف تصرف هذه الأموال من صندوق التنمية التابع للاتحاد الأوروبي حتى عام 2013، وتساهم ألمانيا بالخمس تقريباً. إلا أن خبراء في السياسة الإنمائية يقولون إن هذا المبلغ زهيد جداً، من أجل التغلب على مشاكل البلدان الفقيرة، التي تتطلب المليارات، نتيجة انعكاس الأزمة المالية حالياً، التي قذفت باقتصاد دول نامية كثيرة إلى الوراء سنوات عدة.

وبعكس ألمانيا، فإن الكثير من بلدان الاتحاد الأوروبي وصلت نسبة مساعداتها الإنمائية إلى 0.7 % من إنتاجها القومي، فالسويد مثلاً قررت هذا العام تقديم 1.01 %، وإمارة لوكسمبورغ 1 %، والدانمارك 0.83 %، وهولندا 0.8 %، وبلجيكا 0.7 %. في المقابل، تراجع حجم المساهمات الإنمائية من إيطاليا وأيرلندا والنمسا، ما أثّر بشكل ملموسفي بلدان أفريقية.