حذر خبراء إقتصاديون من لجوء الحكومة التونسية إلى المزيد من الإقتراض من أجل تلبية الطلبات الإجتماعية المتزايدة، بعد أن إرتفعت نسبة الديون إلى أكثر من 43% من الناتج المحلي في ظل وضع إقتصادي متردّ.


تونس: بحسب تقرير لصندوق النقد الدولي لشهر سبتمبر 2010، ارتفع حجم الدين الخارجي لتونس إلى 19,9 مليار دولار وسيبلغ 20,2 مليار دولار نهاية سنة 2011، وقد ربط الخبراء الإقتصاديون التونسيون قضية المديونية بنمو الإقتصاد التونسي وأكدوا أنّ الديون تمثل عائقاً كبيراً ومشكلة دائمة وتبدو الطرق التي تعالج بها الديون غير ناجعة وهو ما يتطلب من تونس أن تلازم الحذر في عملية طلب التداين والإقتراض الخارجي.

الخبير المالي محمد شوقي عبيد أكد ضرورة العمل على القيام بعملية تشخيص معمّق للوضع الحالي للديون التونسية والعمل جديا على إعادة هيكلتها وتعبئة الموارد الداخلية من أجل العمل على تغطية حاجيات التمويل والهدف من ذلك هو الإبتعاد عن التداين الخارجي.

وركز الخبير التونسي على ضرورة جرد الموارد الجمركية للوقف على المدخرات غير المستغلة وأضاف أن هذه العملية تسمح بتقليص نفقات الدولة وتخفيض حجم الواردات غير الضرورية وبالتالي المضي في إصلاحات جوهرية عبر الرفع في نسبة الأداء على المؤسسات، وبالتالي تحسين المعالم الجمركية و من ثم الإيرادات.

من جانبه أشار الخبير الإقتصادي محمد المبروك إلى ضرورة التحكم في الواردات إلى جانب التحكم في الرأسمال القادم إلى تونس من خلال التشجيع على الإستثمارات الخارجية التي تزيد من قوة الإقتصاد وترفع من الصادرات إلى الخارج ورفض الإستثمارات التي تهدف إلى الربح وتستثني التشغيل.

من ناحيته أوضح الخبير الإقتصاي رضا شكندالي أن عملية التداين لا تمثل خطرا إذا تم استغلال الأموال في مشاريع منتجة، وقال: quot;الموضوع ليس التداين ولكن كيف نتداين وماذا نفعل بالتداين .. هل نتداين بنسبة فائدة مرتفعة أو منحفضة .. هل نتداين من الدول أم من الأسواق العالمية والسؤال الرئيس والمهم هو كيف نتصرف في هذا الدين.

بالنسبة إلى تونس، أصل الديون تقريبا في حدود 50% ونسبة الفائدة على الدين تقريبا تصل إلى 50% وهذا يعني أن المشكلة المطروحة هي حول نسبة الفائدة بمعنى كأننا نستلف من دولة لتعيد الدين إلى دولة أخرى وهذا يجرنا إلى التفكير في المستقبل خاصة أن وضع الإقتصاد المحلي والعالمي حالياً لا يشجع على التداين بنسبة فائدة مرتفعة بسبب وضع الدول التي نتداين منها والتخفيض السيادي لأميركا واليونان والدول الأوروبية التي توجه أموالها حاليا لإنقاذ اليونان من الإفلاس، كما أن فرنسا وإيطاليا تطبقان الان سياسة التقشف خوفا من وصول مشكلة المديونية لها، ومن ناحية الوضع المحلي فإن التخفيض السيادي التونسي قد نزل مرتين فأصبحت تونس بالتالي بلدا مشكوكا في قدرته على تسديد ديونه وبالتالي الدول المانحة ستزيد في نسبة الفائدة لضمان التسديد وإذا أردنا أن نتداين في المستقبل علينا أن نفكر جيدا قبل الإقبال على التداين quot;.

وأكد شكندالي ضرورة التفكير في هيكلة جديدة لتمويل التنمية التي ترتكز على التمويل الخارجي غير المصحوب بفائدة وهو التمويل الخارجي المباشر إلى جانب التمويلات الجديدة على غرار البنوك الإسلامية والصكوك الإسلامية التي يمكن لها أن تمنحنا نوعا من الراحة للتحفيض من التداين المصحوب بفائدة quot;.

وشرح شكندالي المعاملات الجديدة قائلا :quot; المعاملات الجديدة من البنوك الإسلامية تسمى المعاملات المشاركة أي أن البنك الإسلامي يبعث مشروعا إلى تونس ويشارك في الربح كما في الخسارة أي أنه يتحصل على نسبة من الأرباح إذا ربح المشروع ولكنه لا يحصل على شيء إذا خسر المشروع وبالتالي لا بد من الإستئناس بالتمويل الخارجي لهذه البنوك الإسلامية الكبرى لتمويل المشاريع الكبرى التي تتطلب تمويلات بهذا الحجمquot;.

أما من ناحية الإستثمار الأجنبي المباشر، فقال الخبير الإقتصادي شكندالي : quot; الإستثمار الأجنبي المباشر هو تمويل أجنبي ولكنه غير مصحوب بفائدة وغير مصحوب بدين أصلا وهو يتطلب إرساء حوكمة رشيدة وبنية تحتية قادرة على جلب الإستثمار الأجنبي المباشر وخاصة أن لنا اليد العاملة الكفوءة والتي تتمثل في أصحاب الشهادات العليا وهو ما نبحث عنه كما في أوروبا الشرقية، والآن وإذا كانت كل من فرنسا و إيطاليا وألمانيا قد استثمرت في بلادنا باستعمال يد عاملة غير مدربة وبالتالي رخيصة حان الوقت الآن لتنويع شراكتنا والإتجاه نحو دول مثل أميركا التي تستثمر في القطاعات ذات المحتوى المعرفي المرتفع التي تتطلب يد عاملة ذات كفاءة، وبهذه الطريقة يمكن أن نقلص من التمويل الخارجي المصحوب بفائدة والذي يمثل أكبر المشاكل التي تهدد أوروبا وأميركا فالأزمة المالية العالمية بدأت أسبابها عندما تم التخفيض في نسبة الفائدة من طرف بوش إلى نسبة 1% ليشجع الأميركيين على امتلاك الشقق ولكن بعد ثلاث سنوات عاد ليضاعف نسبة الفائدة أربع مرات لتصبح 4% وهو ما جعل الأميركيين البسطاء يعجزون عن تسديد الديون ومن هنا انطلقت الأزمة المالية العالمية وكذلك في اليونان حيث خفض الإتحاد الأوروبي أخيرا من نسبة الفائدة على الدين لليونانيين بنسبة 50%، لأن الإشكال هو في نسبة الفائدة ففي اليابان والصين نسبة الفائدة ضعيفة وتقارب الصفر في المائة وبالتالي فإن نسبة الفائدة تمثل السوس الذي ينخر الإقتصاديات المتداينة وهي سبب الأزمة المالية العالمية وسبب المديونية quot;.

وأكد فتحي الشامخي أنّ الرئيس السابق بن علي ولمدة 23 سنة اقترض المليارات باسم الشعب التونسي الذي لم يجن منها غير المزيد من الفقر والظلم في الوقت الذي كانت تجبره الديكتاتورية على تحمّل أعباء هذه الديون الطائلة quot;.

وأضاف :quot; أمّا اليوم، وبعد أن طرد الشعب التونسي الدكتاتور، فبأي حقّ يُجبر على مواصلة تحمّل مسؤوليّة ديونه؟ ألا يحقّ لهذا الشعب أن يتحرّر أيضا من تركة ديون الدكتاتور؟ أليس من المشروع ومن العدل أن تستعمل اليوم أموال الشعب لتضميد الجراح التي خلّفها النظام الدكتاتوري ولتلبية احتياجاته الأساسيّة الملحّة والمتراكمة، حتى تتمكن تونس من تأسيس استقرارها على أسس سليمة لتضمن شروط بناء مستقبل أفضل ؟ .quot;

وتساءل قائلا : quot;من الأوْلى بهذه الأموال الطائلة : الدّائنون الأغنياء الذين تعاملوا مع الدكتاتور وشاركوه مسؤوليّة جرائمه ضد الشعب التونسي، أم الشعب الذي حرمه هذا النظام الجائر من الحريّة ومن مقوّمات العيش الكريم؟ . لقد جاء جواب حكومة السبسي واضحا ولا لُبس فيه، حيث أقدم محافظ البنك المركزي، في أواخر شهر أبريل المُنقضي، على تسديد ما يناهز 1000 مليون دينار بعنوان ديون بن علي. وليس هذا المبلغ الضخم إلاّ القسط الأول من مجموع فاتورة سنة 2011، حيث هناك جزء ثانٍ ولا يخفى أنّ سيرورة النزيف ستتواصل إلى ما لا نهاية له. وهكذا فإنّ لعنة المديونية أبدية ستستمرّ وترتهن على مستقبلنا ما لم نضع لها حدّا. فلا خلاص لتونس ولا تحرّر لها من آفة المديونية إلاّ بكسر قيودهاquot;.