يترقب خبراء إستراتيجون واقتصاديون ومواطنون سعوديون ما ستتخذه الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الأيام القادمة وذلك من إجراءات وعقوبات بحق من يثبت تورّطه في الفساد الإداري والمالي، كما طالب مختصون في الشأن الاقتصادي في حديث لـquot;إيلافquot; بمشاركة شعبية في العمل على مكافحة الفساد إضافة إلى مساندة الاعلام المحلي في كشف الحقائق وذلك من مبدأ الوضوح والشفافية مشيرين إلى أن المشاركة الإعلامية ستسهم بشكل كبير في الحد من تمادي البعض في عمليات الفساد الإداري والمالي في عدد من الجهات الخدمية.

الرياض: لاقى قرار تأسيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد،الذي أعلن عنه ضمن حزمة من القرارات الملكية التي أصدرها العاهل السعودي مؤخرا، صدى شعبيًا كبيرًا.فمنذ ساعة الإعلان عن القرار، سارعت مجموعة من السعوديين من مواطنين ومتخصصين في الاقتصاد بإطلاقحملات إلكترونية على الموقع الاجتماعي الفيسبوك إضافة إلى أن أحد السعوديين أطلق موقعًا إلكترونيًا يُعنىبنشر أيملفات ومستندات لدى مواطنين تثبت تورط أشخاص بقضايا لها علاقة بالفساد الإداري والمالي .

ويشير محللون اقتصاديون إلىأن جزءاً من القرارات جاء حاملاً حلولاً عاجلة آنية، وجزءاً آخر أكبر وزناً حمل حلولاً إستراتيجية طويلة الأجل، وهذه الأخيرة التي برأي الكثير من المراقبين سيكون لها أثر كبير جداً في إعادة رسم خريطة الاقتصاد الوطني بصورةٍ تدعو إلى التفاؤل الكبير.

كما يرى مراقبونأن تأسيس الهيئةهي اعتراف بوجود فساد إداري وفي الوقت نفسهمحاولة جادة لمكافحته ولعل أبرز صور هذا الفساد الواسطة والرشاوى، وسرقة المال العام من ميزانية القطاع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مشيرين إلى أن هناك نشاطات حكومية وصرف مبالغ طائلة من الدولة على خدمات أساسية للمواطن و في المقابل نجد خدمات دون المستوى المطلوب وفي تراجع للأسوأ ومنها أنشطة لها علاقة بالمواطن مباشرة مثل الصحة والتعليم وانتشار ظاهرة الفقر، الأمر الذي يؤكدوجود خلل من وجهة نظر مراقبين في طريقة صرف الأموال على النواحي الخدمية للمواطن من قبل الجهات المعنية فهي لا تذهب في الوجه الصحيح من المسؤولين في إدارة الجهات الحكومية مؤكدين أهمية دورالمساءلة مع أي شخص أياً كان منصبه و على وجه السرعة أمر مهم حتى لا تتفاقم القضية ، كما يرون أن مساندة الاعلام المحلي في كشف الحقائق هو أمر من مبدأ الوضوح والشفافية، وسيسهم في الحد من تمادي البعض خصوصا في جهات أساسية ذات علاقة بالمواطن.

وفي هذا الإطار يشير الدكتور سليمان بن علي العريني ndash; خبير التخطيط الإستراتيجي والمشاريع في حديث لـ quot; إيـلاف quot; إلى أن مجموعة الحزم التنموية التي أعلنها الملك عبدالله تمثل مبادرات ومشاريع تتعامل مع الاحتياجات الأساسية للمواطن ndash; السكن والصحة وضمان الحد الأدنى في الدخل وإيجاد فرص وظيفية حقيقية في القطاعين العام والخاص، مشاريع رصد لها من خارج الميزانية أكثر من 500 مليار تضاف إلى المشاريع الأخرى الحالية والمستقبلية، لتصل إلى أكثر من (2) تريليون للسنوات الخمس القادمة. ولضمان الحصول على أكبر عائد ممكن من هذه الإستثمارات، كما يرى العريني أن من الضروري إعادة النظر في طريقة متابعة ومراقبةتنفيذ المشاريع وذلك لضمان تحقق الأهداف المرسومة لها وخلال المدة المحددة لها، فلكل ريال يتم صرفه لا بد من الحصول على ما فائدته على الأقل ريال للمصلحة العامة. وهذا العمل المؤسساتي يتطلب العمل على ما يلي:إنشاء هيئة عامة للمشاريع تتبع المقام السامي وتتولى مسؤولية الإشراف الفني ومراقبة ومتابعة هذه المشاريع وكل المشاريع الإستراتيجية قبل وأثناء التنفيذ، وذلك لسدّ الفراغ التنظيمي الذي تعانيه دورة ومراحل المشاريع في القطاعات الحكومية، حيث لا يوجد جهة حكومية حالياً تقوم بهذه المهمة في ظل قيام كل جهة حكومية بتخطيط وتنفيذ مشروعاتها كل على حدة، تطوير مؤشرات أداء للمبادرات والمشاريع الناتجة من القرارات الملكية الكريمة إضافة إلى المشاريع الحالية، فلكل مشروع يمكن تحديد مؤشر يمثل الوضع الحالي على أن يحدث دورياً (شهرياً أو أسبوعياً)، فمثلاً يمكن تحديد المؤشر الحالي لنسبة البطالة في المملكة وتحديثها بشكل شهري وعرضها على المقام السامي بشكل فوري ودقيق، أسلوب يطبق في أغلب الدول المتقدمة ومنها الولايات المتحدة، والمملكة ومليكها أحق وأولى بتقديم مثل هذه المعلومات. وميزة هذه المؤشرات أنها تقدم حافزاً إيجابياً لجميع الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بالعمل على تحقيق أهداف المشاريع، وهذا الحافز يتمثل في معرفة هذه الجهات بمتابعة وإطلاع المقام السامي على مؤشرات الأداء للمشاريع.

عضو جمعية الاقتصاد السعودي عبد الحميد العمري يرى أن وجود هيئة وطنية لمكافحة الفساد ستمنح الاقتصاد فرصاً أوسع من النجاح وخياراتٍ أكثر للاستفادة القصوى من الإمكانات الكبيرة في السعودية و التي يُشكّل الشباب فيها نحو ثلاثة أرباع، وقال حينما نمعن النظر على مستوى أعلى في عناوين تلك الأوامر الملكية ستلاحظ جيداً الرابط المشترك فيها أنه (الإنسان، الأسرة، المجتمع على مختلف المجالات التنموية والاجتماعية والصحية والتربوية والتعليمية، وعلى مستوى توفير فرص العمل، وتحسين مستويات الدخل، وحماية الشرائح الاجتماعية المعوزة (المرأة، الطفل، كبار السن، الأرامل، الفقراء، العجزة.)

ويضيف العمري إقرار تأسيس (هيئة مكافحة الفساد) كواحدٍ من أهم القرارات التي تنتمي إلى سلّة الحلول الإستراتيجية طويلة الأجل، والتي ستُحدث فاعليتها أثراً إيجابياً بالغاً في حماية مقدرات الاقتصاد الوطني، وتركيز جهودهعلى النمو والاستقرار الاقتصادي، وعلى الارتقاء بمستويات التنمية وفتح المجال أمامها لتشمل أكبر قدرٍ ممكن من مناطق المملكة والمجتمع. علماً أن أمرها ليس بحديث العهد في بلادنا فقد سبق وأن أقرًّ مجلس الوزراء الموقر إستراتيجيتها العامّة في 19 فبراير 2007م، تضمنت في ثناياها ستة أهداف رئيسة وضعتها الدولة وجاءت على النحو الآتي: أولاً - حماية النزاهة ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره. ثانياً - تحصين المجتمع السعودي ضد الفساد بالقيم الدينية والأخلاقية والتربوية. ثالثاً - توجيه المواطن والمقيم نحو التحلّي بالسلوك واحترام النصوص الشرعية والنظامية. رابعاً - توفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، ولاسيما الاقتصادية والاجتماعية منها. خامساً - الإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي والعربي والدولي في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد. سادساً - تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع. واقترحت الإستراتيجية في رؤيتها من أجل تحقيق تلك الأهداف النهائية سبع وسائل عامّة (تضمنتْ 46 وسيلة تفصيلية)، جاءت على النحو الآتي: تشخيص مشكلة الفساد في المملكة. قيام الأجهزة الحكومية المعنية بحماية النزاهة ومكافحة الفساد بممارسة اختصاصاتها، وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك. إقرار مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة. مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد. توعية الجمهور وتعزيز السلوك الأخلاقي. تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية. و تعزيز التعاون العربي والإقليمي والدولي.

ويختم العمري حديثه بمناشدة كل ذي علاقة بمنح ومساندة (الإعلام المحلي) بموجب الوسيلة الثالثة من الوسائل التي أقرّتها الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، المتمثلة في (إقرار مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة)، أؤكد ضرورة مساندته في مجال توضيح إجراءات عقود مشتريات الحكومة والمؤسسات العامة والشركات المساهمة، وإعطاء الجمهور والمؤسسات المدنية ووسائل الإعلام حق الإطلاع عليها ونقدها، وكفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عامة الجمهور ووسائل الإعلام، وهو واجبٌ وطني دأب الإعلام المحلي ممثلاً في جميع وسائله على المبادرة بأدائه على خير وجه، والكرة الآن في ملعب جميع (الإعلاميين) ليبادروا بدورهم وواجبهم الوطني تجاه وطنهم ومجتمعهم.