ينعكس عدم الاستقرار السياسي في لبنان والفشل في تشكيل الحكومة الجديدة مزيدا من التدهور في الأوضاع الحياتية والاقتصادية. وتتصاعد أصوات أصحاب المؤسسات وممثلي الاتحادات النقابية والمواطنين العاديين، حيال التراجع المتواصل، والركود الذي يصيب مختلف القطاعات الاقتصادية، منذ حوالى الاربعة أشهر، إثر الازمة السياسية التي نشأت، بسبب إسقاط ما يسمى حكومة quot;الوحدة الوطنيةquot; برئاسة سعد الحريري، وتسمية الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي من قبل أكثرية 8 آذار الجديدة بتأليف الحكومة العتيدة .


بيروت: تتجلى مظاهر الأزمة بالدعوة إلى العديد من الإضرابات والاعتصامات، ذات الطابع المطلبي من أجل تخفيف الاعباء المعيشية، وتأمين الخدمات للمواطنين والتي تلامس في الكثير من الأحيان السياسة من باب الدعوة للاسراع في تأليف الحكومة الجديدة. سألت quot;ايلاف quot; الخبير الاقتصادي د. ايلي يشوعي اذا ما كانت الأولوية في أسباب الازمة الحياتية التي تعيشها الاغلبية الساحقة من اللبنانيين اقتصادية أم سياسية، ومستوى التراجع الذي اصاب الاقتصاد اللبناني، وسبل الخروج من الازمة والتخفيف من الاعباء المعيشية التي تثقل كاهل اللبنانيين.

يرى يشوعي ان اسباب الازمة اقتصادية قبل ان تكون سياسية، بسبب الممارسات الاقتصادية والمالية للحكومات اللبنانية المتعاقبة، منذ بداية تسعينات القرن الماضي وحتى الآن. وجرى اعتماد سياسة نقدية ومالية، قامت على الاستدانة بكلفة عالية، وتثبيت سعر صرف الليرة، ما حول لبنان الى اكثر دول الشرق الاوسط مديونية، بعد ان بلغت نسبة الدين العام للناتج المحلي 150 بالمئة، ودون تحقيق ولو جزء بسيط من توفير الخدمات العامة والتنمية وتوفير فرص العمل للشباب .

ويقدر يشوعي حجم الدين العام المتراكم اذا ما اضيفت اليه المستحقات المتوجبة على الدولة بمبلغ 60 مليار دولار اميركي، وهو ما يعتبر جريمة كبرى اذا ما قورن بالناتج المحلي الذي يقارب 30 مليار دولار أميركي، وبالتالي فإن الازمة الحالية تتمثل في عدم قدرة الاقتصاد اللبناني على خدمة الدين دون عجز، بعد أن بلغت حوالى 4 مليارات دولار كفوائد، واستفادت من هذه السياسة المصارف وكبار المتمولين فقط، وحرمان الاستثمارات المفيدة من تلك الاموال، ما يعني حرمان البلاد من موردها المالي المتاح لها .

ويضيف يشوعي قائلا : quot;ان موجودات مصرف لبنان تتوزع بين ما يقارب 11 مليار دولار كثمن للذهب الموجود في المصرف، واحتياط نقدي بالعملات الاجنبية يتخطى قيمة 30 مليار دولار، ما يعني عمليا بان الاحتياط يعود للبنوك التجارية، وقد باتت الخزينة اللبنانية مدينة للمصرف المركزي والقطاع المصرفي وكبار المتمولين والضمان الاجتماعي وصناديق العالم وحكوماته، وما يساعد على عدم انفجار ثورة اجتماعية في لبنان، هي تحويلات اللبنانيين من الخارج وخصوصا الخليج العربي والتي تتراوح بين 7 و 8 مليارات دولارquot; .

ويؤكد يشوعي ان الاساس في مواجهة الأزمة الاقتصادية القائمة، يستند الى الاقلاع عن سياسة الاستدانة والهدر. ويقترح سلسلة من الخطوات التي تبدأ بإشراك القطاع الخاص في ادارة القطاع العام وليس بيعه (المياه، الكهرباء، مصافي النفط...) وذلك بواسطة عروض واضحة ومحددة وشفافة، تراعي المعايير الدولية، وحيث تتحول الوزارات المعنية الى وزارات وصاية ومراقبة، واعداد الموازنة العامة بعد 5 سنوات من عدم انجازها، الامر الذي يسمح بالتخلي عن سياسة الانفاق على القاعدة الاثني عشرية التي لا يمكن الاستمرار باعتمادها، نتيجة التضخم وارتفاع الاسعار، ولانها وضعت للانفاق خلال سنة واحدة، ووقف الانفاق الاستثماري من خارج الموازنة (قروض من الصناديق العالمية والعربية) واعادة تأهيل الجهاز الاداري للدولة، بما يجعلها اكثر انتاجية، خصوصا وانها تتعلق مباشرة بشؤون الناس والاستثمار، واصلاح القضاء لانه لا يجوز الانتظار لسنوات من اجل فض نزاع تجاري أو غيره . ويختم يشوعي بالقول إن المواجهة الحقيقية للاعباء المالية المستحقة على الخزينة العامة، لا بد ان تكون وفق خطة تسمح بتخفيض الانفاق، وزيادة الاستثمارات طويلة المدى ( مصانع، زراعة، سياحة، تكنولوجيا متطورة، وانتاج فكري، ... )