في ظل سيطرة الإسلاميين على البرلمان بات الكثير من التساؤلات يطرح حول إمكانية أسلمة الاقتصاد المصري، وبخاصة في ظل العديد من المؤشرات والتصريحات التي تشير إلى هذه الإحتمالية، لكن محللين وخبراء تحدثوا لـquot;ايلافquot; انتقدوا هذا السيناريو واعتبروه اقرب إلى الهزال.


الاسلاميون سيطروا على غالبية مقاعد مجلس الشعب المصري

القاهرة: بعد فوز الإخوان والسلفيين بالأغلبية البرلمانية، بات من الواضح أن مصر تتجه نحو الحكم الإسلامي، لاسيما بعد إطلاق قيادات ورموز التيار الإسلامي الذي سيطر على مجلس الشعب العديد من التصريحات والفتاوى التي تؤشر إلى أنهم عازمون على quot;أسلمةquot; كل مناحي الحياة في مصر، انطلاقاً من الحياة الاجتماعية، مروراً بالسياسة، وانتهاء بالاقتصاد، وحاز الأخير على قدر واسع من فتاوى وتصريحات هؤلاء الرموز، وخاصة قطاعي السياحة والبنوك.

وينظر حزبا الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والنور الذراع السياسية للسلفيين إلى قطاعي السياحة والبنوك في شكليهما الحالي على أنهما يتضمنان الكثير من المحرمات الشرعية، فالسياحة تعني الخمور والعري والدعارة، والبنوك تعني الربا، حسب وجهة نظرهم.

أسلمة الاقتصاد

وطرحت التيارات الإسلامية برامج اقتصادية تهدف إلى أسلمة الاقتصاد المصري، ومنها إلغاء السياحة التي تعتمد على الشواطئ والخمور، وإلزام السائحين بعدم التعري أو ارتداء ملابس محتشمة أثناء زيارة مصر، أو الإعتماد بشكل أكبر على سياحة المؤتمرات والعلاج، ومن المتوقع إلغاء الخمور وتحريم ارتداء البكيني على الشواطئ.

وفي ما يخص البنوك طرحت الأحزاب الإسلامية الفائزة بالأغلبية في البرلمان فكرة لإلغاء العمل بالنظام الحالي، واستبداله بنظام البنوك الإسلامية، التي لا تعتمد على الفائدة، بل المشاركة، أو تحويلها إلى مؤسسات استثمارية، على غرار شركات توظيف الأموال،وإلغاء الضرائب والاعتماد على الزكاة.

ووفقاً للدكتور محمود عبد العزيز أستاذ الاقتصاد جامعة الأزهر، فإن الدول الغربية بما فيها دول أوروبا وأميركا بدأت في تطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي، وأصبحت البنوك الإسلامية تنتشر في بريطانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية.

وأَضاف لـquot;إيلافquot; أن الاقتصاد الإسلامي ذاتي، أي أنه يعتمد على نفسه من دون اللجوء للاقتراض من الدول الخارجية والخضوع لشروط مجحفة تمسّ السيادة الوطنية للدول، مشيراً إلى أن الاقتصاد الإسلامي يعتمد على عدة عناصر أو موارد أساسية، أبرزها زكاة المال وتحريم الربا وكافة المعاملات التي تؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل كما أنه يطبق التكافل الاجتماعي.

الاقتصاد الإسلامي ينتشر في الغرب

وأضاف أن النظام الإسلامي في البنوك يبعد الناس عن الربا المحرم في جميع الأديان السماوية، وليس الإسلام فقط، ويعتمد نظاماً يقوم على الشراكة بين المودع والبنك، ويمكن تحويل تلك البنوك إلى مؤسسات استثمارية للأموال تقوم أيضاً على الشراكة. لافتاً إلى أن هناك زيادة في الإقبال الجماهيري على البنوك الإسلامية، في دول الخليج العربي وأوروبا، ما يؤكد تزايد الثقة في الاقتصاد الإسلامي.

وأوضح أن هناك 500 بنك ومؤسسة مالية إسلامية تقدم خدمات متنوعة، وأن نحو 300 بنك تقليدي افتتح فروعاً للمعاملات الإسلامية، وذلك في أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية وأجنبية على مستوى العالم.

وانتقد عبد العزيز السياحة في شكلها الحالي، وقال إن من يعتقدون أن السياحة تنحصر في الخمور والشواطئ فهم مخطئون، مشيراً إلى أن مصر تمتلك الكثير من المقومات السياحية الأخرى، منها السياحة العلاجية فلدينا شواطئ تتمتع برمال قادرة على العلاج من الصدفية، كما أن المزارات السياحية الإسلامية والقبطية لم تحصل على حقها من الترويج السياحي، بالإضافة إلى سياحة المؤتمرات.

لا وجود للاقتصاد الإسلامي

ويعتبر الدكتور صلاح جودة، رئيس مركز الدراسات الاقتصادية، من أشد المعارضين لهذا النهج، ويقول لـquot;إيلافquot; إنه لا وجود لما يسمى بالاقتصاد الإسلامي، مشيراً إلى أنه في حالة وجود اقتصاد إسلامي، فلابد أن يكون هناك اقتصاد مسيحي واقتصاد يهودي واقتصاد بوذي، مشيراً إلى أن هناك فقها للمعاملات الإسلامية. وأضاف جودة أن النظام البنكي عالمي، ويعمل وفق آليات محددة، ليس من ضمنها فقه المعاملات الإسلامية.

ولفت جودة إلى أن جميع بنوك العالم تقوم على النظام التجاري، وان جميع الأموال في البنوك المصرية تؤول أخيرا إلى البنوك العالمية العشرة الكبار، لإعادة تشغيلها وإعطاء الفوائد عليها.

ونبه إلى أن النظام العالمي البنكي لا يعطي الحق لأي نظام بنكي آخر للخروج على أسعار الفائدة سواء الإيداع أو الإقراض إلا بنسب محددة سلفاً، وبالتالي فإنه في حالة إصرار التيار السياسي الإسلامي على إنهاء عمل البنوك التجارية، فإن مصر ستخسر معظم الأموال ومعظم المعاملات، ولن يتم إقراض مصر من الخارج، لاسيما المؤسسات الدولية.

إفلاس مصر

وفجر جودة مفاجأة بالقول إن مصر عليها مديونية خارجية تقدر بـ 36 مليار دولار، بما يعادل 216 مليار جنيه مصري، وان هذه المديونية يستحق عليها فوائد سنوية، لافتاً إلى أن مصر لديها احتياطي نقدي حاليًا حوالى 20 مليار دولار، وهو مودع في البنوك العالمية، ويتم استثمار الجزء الأكبر منه في سندات خزانة وأذون حكومية عالمية.

وتساءل: كيف يكون الحال في حالة إقرار ما يسمونه بquot;البنوك الإسلاميةquot;؟ وأجاب أنه في حالة أسلمة البنوك على سبيل المثال فإن مصر سوف تخسر احتياطها النقد ويتم تجميده لصالح سداد الديون الخارجية، وبالتالي إعلان إفلاسها.

عودة للحياة البدوية

وحسب وجهة نظر الدكتور سامي محيي الدين، الخبير في مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، فإن الدعوات إلى تعميم النظام الإسلامي على البنوك والمؤسسات الاقتصادية أقرب إلى الهزل منه إلى الجد، وقال لـquot;إيلافquot; إنه في حالة الإصرار على تطبيق هذا النوع من التوجه سيجر مصر إلى المهالك، لاسيما في ظل عدم وضوح الرؤية لدى الأحزاب المنادية بما يسمى quot;أسلمة الاقتصاد المصريquot;، كما أنه ليست هناك تجارب ناجحة في هذا المجال.

ووصف تلك الدعوات بأنها أشبه ما يكون بالعودة إلي عصر البداوة، رغم أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، والعالم أصبح أكثر انفتاحاً، وتحكمه منظمة التجارة العالمية، وشركات متعددة الجنسيات وعابرة للقارات وترفض وضع أية قيود على النظم الاقتصادية وحركة التجارة العالمية.

كوارث

وأشار محيي الدين إلى أن المملكة العربية السعودية التي تعتبر مركز الإسلام والمعاملات الإسلامية لا تطبق نظام الاقتصاد الإسلامي، وجميع البنوك التي تعمل تحت اسم بنوك إسلامية، تتعامل بآليات عمل البنوك التجارية العالمية نفسها .

و يؤكد محيي الدين أن البنك في النظام الإسلامي تاجر حقيقي وصانع ومزارع، وليس وسيطاً، أي أنه لابد أن يمتلك مصانع وأراضي زراعية وشركات تجارية، وهذا غير ممكن، وأوضح أن هذا النمط يعني عودة تجربة شركات توظيف الأموال بشكل أو بآخر، وهي تجربة فشلت في مصر، معتبراً أن الإصرار على أسلمة الاقتصاد المصري سيجلب عليه المزيد من الكوارث.