إرتفاع أسعار البضائع المستوردة في إيران

تجسدت أجواء القلق العميق التي تهيمن على المجتمع الايراني في تلك الأثناء في تلك التعاملات اليومية الحذرة التي يقوم بها كثيرون في شارع مانوشهري، بقلب العاصمة الإيرانية طهران، على غرار تجار المخدرات، بغية بيع وشراء دولارات أميركية.


القاهرة: قامت الحكومة الإيرانية برفع سعر الصرف الرسمي وكلفت الشرطة في الشوارع بالتصدي للمتعاملين في السوق السوداء. لكنه ونتيجة لاستمرار انهيار الثقة في الريال الايراني يوماً بعد الآخر، تتواصل التجارة غير المشروعة في هذا الخصوص.

ونقلت في هذا الصدد اليوم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية عن مهندس بناء يدعى حامد، وهو يقف وسط حشد من تجار العملات غير الشرعيين، قوله: quot;هل أنا خائف من الشرطة ؟ بالتأكيد، لكنني بحاجة للأموال. فأسعار الأطعمة الغذائية آخذة في الازدياد، ومرتبي الذي أتقاضاه لا يكفيquot;. ثم أضاف، وهو ينظر من حوله بعصبية، أنه حوَّل كل ما كان يمتلكه إلى دولارات.

ومثله مثل كثير من المواطنين الإيرانيين، أقدم أيضاً على تخزين أرز وسلع أساسية أخرى لكفاية حاجته على مدار أشهر.

واستبعدت الصحيفة أن يكون الانهيار الاقتصاد الفعلي هو السبب وراء تلك التجارة الجنونية، من منطلق أن الحظر الأوروبي الجديد على النفط الإيراني لم يلق بظلاله بعد، في ظل توافر الكثير من السلع الغذائية في البلاد حتى الآن، بل ذهبت إلى القول إن ذلك يرجع إلى تنامي الشعور بالذعر بشأن تطويق إيران، أو بمعنى آخر احتمالية الدخول في حرب وتوقع حدوث مزيد من المتاعب الاقتصادية في المستقبل.

وقد أعلن البيت الأبيض يوم أمس عن مزيد من التشديدات التي تهدف إلى تجميد الأصول الإيرانية وتقييد أنشطة المصرف المركزي الايراني. ولفت محللون في هذا السياق إلى أن الجولة الأخيرة من العقوبات التي تم فرضها على مصرف إيران المركزي قد بدأت تلحق أضراراً غير مسبوقة بالقطاع الخاص والتجار في إيران، وهو ما جعل من الصعب للغاية تحويل الأموال للخارج، لدرجة أن رجال الأعمال الأثرياء كانوا يضطرون في بعض الأحيان لتحميل طائرات بحقائب ممتلئة بدولارات أميركية.

غير أن هذا العبء الاقتصادي قد أثر بشكل كبير على الطبقة المتوسطة، وزاد من احتمالات تولد مزيد من السخط ضد الغرب، وعقَّد الجهود المبذولة لوقف برنامج إيران النووي، الذي يعد من أهم أولويات إدارة الرئيس أوباما في عام الانتخابات الحالي.

وقالت هنا موظفة تعمل في مصرف في طهران تدعى بارفانه وتبلغ من العمر 41 عاماً :quot; كان يأتينا عملاؤنا من رجال الأعمال طوال الأشهر القليلة الماضية ليخبرونا بأن زبائنهم يتوقفون عن التعامل معهم، لأنهم يعتقدون أنهم لن يتحصلوا على أموالquot;.

ومضت النيويورك تايمز تقول إن المتاعب الاقتصادية المتزايدة أوضحت، وربما كثفت، الانقسامات الحادة بين صفوف النخبة السياسية في إيران. وكان عدد من المطلعين على بواطن الأمور، بمن فيهم أعضاء من الحرس الثوري الايراني، قد بدأ ينتقد علانيةً الزعيم الأعلى الايراني آية الله علي خامنئي خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وقال جواد، 45 عاماً، مدير إحدى وكالات السفر في شمال طهران :quot; باتوا ينتقدون أحمدي نجاد وكذلك الزعيم الأعلى بالإسم الآن. وهو ما لم يكن يحدث من قبلquot;. وفي الوقت الذي تستورد فيه إيران الآن قدراً كبيراً من الأرز وغيره من السلع الغذائية، قد تصبح العقبات التجارية أكثر أهمية خلال الأشهر المقبلة. ويستبعد معظم التجار الإيرانيين احتمالية حدوث نقص حقيقي في الأطعمة، لافتين إلى أن إيران تعيد بالفعل توجيه تجارتها صوب الشرق وأنها دائماً ما كانت تفلت من العقوبات.

لكن مع إغلاق المزيد من الطرق في وجهها شهراً بعد الآخر، نوهت الصحيفة بأن تلك التدابير المراوغة من المحتمل أن تصبح مرهقة ومكلفة. وفي غضون ذلك، يشكو المواطنون العاديون من أن العقوبات تلحق بهم العديد من الأضرار، بينما لم يمس أي من أفراد طبقة الأثرياء. ولفتت الصحيفة كذلك إلى أن كثيرا من الإيرانيين الأثرياء قد حققوا أرباحاً ضخمةً خلال الأسابيع الأخيرة بإقدامهم على شراء الدولارات بالسعر الحكومي ( المتاح للعالمين ببواطن الأمور ) ومن ثم بيعها بسعر يكاد يقترب من الضعف، في الوقت الذي تتوافر فيه كثير من الريالات في السوق السوداء.

ويتفق بعض المحللين وأشخاص محسوبون على تيار المعارضة السياسية أن الرئيس محمود أحمدي نجاد قد فاقم بشكل متعمد أزمة العملات، وهو ما أتاح الفرصة للمقربين منه كي ينتفعوا ويحققوا أرباح. كما يميل الإيرانيون المعارضون لحكومتهم إلى اعتبار تلك المتاعب الاقتصادية المتزايدة أنها لفتة غير عادلة من غير المرجح أن تتمخض عن أية نتائج إيجابية، على حسب ما نقلت عنهم الصحيفة في الختام.