رغم كل التحديات التي تواجهها اليونان في محاولتها اليائسة التي تسعى من ورائها للإيفاء بالتزاماتها تجاه المقرضين، لا تزال المشكلات التي تواجهها القارة الأوروبية قائمة.


القاهرة: نظراً للخطوات العديدة والإضافية التي اتخذها المسؤولون الأوروبيون طوال فترة الثلاث سنوات تقريباً التي عصفت فيها أزمة الديون بالقارة العجوز وكانت بدايتها في اليونان، فإن حدة الأزمة قد بدأت تهدأ بصورة كبيرة خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك المخاوف التي تحدثت عن احتمالية انهيار الاتحاد الخاص بعملة اليورو بصورة مفاجئة.

غير أن الأزمة بدأت تكشف عن واقع مرير بالنسبة لأوروبا : هو ذلك المتعلق باحتمالية مواجهتها لركود اقتصادي، وبالنسبة لجزء كبير من القارة خطر التعرض لموجة هبوط أخرى بعد أقل من ثلاث سنوات من انتهاء آخر موجة ركود. ولفتت في هذا السياق اليوم صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية إلى أن القادة اليونانيين وافقوا يوم أمس على مجموعة جديدة من تدابير التقشف الصارمة، على أمل الحصول على حزمة مساعدات جديدة قيمتها 130 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، هدفها تجنب العجز عن دفع الديون في آذار ( مارس ).

ورغم أن هذا الاتفاق يبدو في بعض النواحي كصورة مصغرة للمعضلة الأوسع في النطاق التي تواجهها القارة، إلا أنها مثل تدابير مشابهة يتم انتهاجها من جانب دول أخرى مثقلة بالديون في بلدان الاتحاد الذي يعمل باليورو، بما في ذلك البرتغال وأيرلندا.

وأوضح كثير من المحللين أن سياسة تشديد الحزام قد تدفع فقط بتلك الدول وغيرها للمضي بشكل أكبر صوب الركود واستنزاف اقتصاديات شركائها التجاريين في أوروبا، وعدم فعل شيء يذكر لمواجهة نقاط الضعف النظامية التي تعاني منها البنوك الأوروبية.

وقال هنا كارل وينبيرغ، كبير الخبراء الاقتصاديين لدى هاي فريكوانسي ايكونوميكس في نيويورك :quot; أخذنا ثمة مشكلة واحدة فقط من على الطاولة خلال الوقت الراهن. وهو ما جعلنا مازال يتعين علينا التعامل مع الدمار الكبير الذي حدث للثروةquot;.

بعدها مضت الصحيفة تشير إلى أن الأسواق بدأت تتعامل خلال الآونة الأخيرة من منظور ايجابي مع ايطاليا واسبانيا ndash; وهي الدول التي لطالما أثيرت مخاوف بشأن احتمالية انتقال العدوى من اليونان إليها في أي وقت، في ظل التداعيات الوخيمة إقليمياً.

كما انخفضت مؤخراً تكاليف الاقتراض الخاصة بكلتا الحكومتين، حتى وصلت إلى مستويات أكثر استدامة. وفي ظل القيادة السياسية الجديدة هناك، بدأت تمضي روما ومدريد قدماً في خطط خاصة بإعادة الهيكلة هدفها خفض مستويات العجز والديون المرتفعة وإرساء الأسس في الوقت ذاته لاستعادة النمو الاقتصادي في نهاية المطاف.
وبدأ يشعر المستثمرون كذلك بحالة من الطمأنينة على خلفية الخطوات التي اتخذها البنك الأوروبي المركزي لخفض أسعار الفائدة وفتح صنابير الأموال لحماية البنوك. ونقلت الصحيفة في تلك الجزئية عن ستيفان شنايدر، كبير الاقتصاديين الدوليين في دويتشه بنك في فرانكفورت، قوله :quot; لا أرى في الأفق ما الذي يمكن أن يعرقل ذلك. فنحن لم نعد في بيئة تسعى فيها الأسواق لسلخ اليونان ثم المضي لبلد آخرquot;.

وأضاف نيكولاس فيرون، الزميل البارز بمعهد بروغل للبحوث الاقتصادية في بروكسل، أن ذلك يعني أن أوروبا قد تكون قادرة على تنفس الصعداء بشكل أسهل، لبعض الوقت على الأقل. لكنه تابع quot; وهذا لا يعني أن المشاكل قد تم حلها. وإنما يعني ذلك أنه قد تم التخلص من جزء من الضغوطات قصيرة الأجل، ويمكن خلق حلقة حميدةquot;.
وتبقى الأمور معلقة، بحسب الصحيفة، استناداً لما ستؤول إليه الأوضاع الاقتصادية في منطقة اليورو خلال الأشهر والسنوات المقبلة، خاصة في ظل تقلب الأوضاع، وعدم اتضاح الرؤية بصورة كافية بشأن ما يمكن أن يحدث مستقبلاً، مع العلم أن الاقتصاديات الضعيفة ستظل مرتكزة على أوروبا خلال بضع سنوات قادمة.

وهي إذ تساعد بالفعل الآن في إضعاف النمو بألمانيا وغيرها من الدول التي كانت تحظي بقوة مثل فرنسا، وهما الدولتان اللتان تواجهان الآن مشكلات في صادراتهما لباقي الدول الأوروبية. وعاود هنا فيرون ليقول :quot; ستحدث عدوى في عموم القارة مرة أخرى إذا لم تتجدد المحادثات بشأن إيجاد مخرج للأزمة في اليونان. وهو الأمر الذي سيحظي بأهمية كبرى تجعله محل متابعة خلال الأشهر المقبلةquot;.