توقع الخبير الاقتصادي الألماني البروفسور برت روروب عدم وصول الاقتصاد الأوروبي خلال السنوات المقبلة إلى معدلات النمو التي كان يحققها خلال العقدين الماضيين، بل سيكون النمو الاقتصادي دومًا أقل مما كان.


توقعات بتراجع دور أوروبا اقتصاديًا، وفي الإطار العلوي برت روروب

برن: أوضح الخبير الاقتصادي الألماني البروفسور برت روروب في مداخلة له أمام منتدى quot;أوروبا-لوتسرنquot; السويسري الليلة الماضية في مدينة quot;لوتسرنquot; في وسط سويسرا quot;ان تغيرات القوى الاقتصادية في العالم سوف تؤدي إلى تراجع حصة الولايات المتحدة الأميركية في السوق العالمية من 23.3 % في عام 2010 إلى 15.5 % مع حلول عام 2030، كما ستهبط حصة الاتحاد الأوروبي من 25.9 % إلى 16.5 % خلال الفترة نفسهاquot;.

في المقابل، أوضح أن حصة دول مجموعة quot;بريكquot;، التي تضم البرازيل والصين وروسيا والهند، سوف ترتفع من 17.4 إلى 26 %، كما سترتفع حصة بقية دول العالم في الاقتصاد الدولي من 33.4 % إلى 42 %، وذلك في الفترة من عام 2010 إلى عام 2030.

واستند البروفسور روروب في توقعاته إلى بيانات أعلنها صندوق النقد والبنك الدوليان أخيرًا، والمؤشرات التي أعلنها العديد من المؤسسات الاقتصادية الأوروبية والدولية حول تطور معدلات النمو الاقتصادي عالميًا. في الوقت عينه، انتقد الخبير الاقتصادي quot;حرص القوى الأوروبية على وضع الاهتمام السياسي قبل الاهتمام الاقتصاديquot;، مؤكدًا أنه هذا التوجه كان واضحًا منذ انطلاق نواة الاتحاد الأوروبي قبل نصف قرن.

وشدد الخبير الاقتصادي على أن تدشين العملة الأوروبية الموحدة (يورو) كان في الأساس فكرة سياسية قبل أن يكون هدفًا اقتصاديًا على أسس واثقة، مشيرًا إلى وجود quot;حقائق تاريخية معروفة تثبت ان اعلان العمل بالعملة الاوروبية الموحدة كان مكافأة على إعادة توحيد إلمانيا وسعيًا إلى ادماج الدول الأوروبية دون المستوى الاقتصادي الجيد طمعًا في الوصول الى ولايات متحدة اوروبيةquot;.

وأوضح أن ما تعيشه أوروبا منذ اكثر من 18 شهرًا ليس أزمة يونانية، وانما هي ازمة العملة الأوروبية الموحدة (يورو) بشكل عام، وتزامنت مع توأمة أزمة الديون السيادية مع ضعف البنوك، اذ اثقلت الأولى كاهل الدول بديون غير عادية، بينما لم تكن الثانية مؤهلة لمواجهة الصدمات، وليس لديها رأس مال الكافي.

ولفت الى ان الازمة المالية والاقتصادية التي تعيشها اوروبا الآن ليست وليدة مشكلة واحدة، بل مشكلات تجمعت، لكن الرأي العام يميل الى القاء اللوم والذنب على طرف واحد، مشيرا الى ان تفكيك اليورو، ان حدث، فلن يكون بسبب الازمة، بل بسبب فشل هيكلة العملة الاوروبية الموحدة.

في الوقت نفسه انتقد بشدة تحويل سندات بنك quot;ليمان برازرquot; الى سندات حكومية موزعة على عدد من دول الاتحاد الاوروبي، ملقيا باللوم على فشل الساسة في التعامل مع الأزمة، ما يدعو الى ضرورة عدم الإفراط في التفاؤل في ما يتعلق بتجاوز الأزمة، مؤكدا ان التغلب عليها تمامًا هو موضوع آخر بالغ التعقيد.

كما اعرب عن شكوكه في ما تعلنه بعض الحكومات الاوروبية من إصلاحات، لأنها أتت فقط عندما شعر الساسة بأنهم يفتقدون حلولاً أخرى.
وكانت الدورة الـ21 لمنتدى quot;اوروبا-لوتسرنquot; السويسري تناولت أبعاد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وسبل الخروج منها وما يمكن ان تحمله من تبعات على الاقتصاد العالمي.

الخروج من الأزمة ليس سهلاً والتعافي سيستغرق سنوات
إلى ذلك اكد منتدى quot;اوروبا-لوتسرنquot; السويسري في ختام دورته الـ21 ان الخروج من الازمة المالية والاقتصادية العالمية ليس سهلاً، ولن ينتهي بمجرد اتخاذ اجراءات اصلاحية ومساهمات مالية ضخمة، بل سيستغرق التعافي منها وقتا طويلاً. واوضحت مداخلات الخبراء والمتخصصين امام المنتدى، الذي اختتم اعماله الليلة الماضية في مدينة لوتسرن في وسط سويسرا أن الأجيال المقبلة ستتحمل عبء أخطاء الماضي وتكاليف اصلاحات الحاضر، التي تتطلب وقتًا كي تثبت مفعولها، لكن اوروبا لن تصبح رائدة اقتصادية كما كانت.

وقد تناول المنتدى طيلة يوم كامل اسباب الازمة المالية والاقتصادية العالمية واحتمالات تطوراتها، سواء من خلال النظر الى الازمات العالمية السابقة او بالنظر الى السياق الذي تحدث فيه الآن مع حدوث الكثير من المتغيرات الاقتصادية العالمية وظهور مراكز قوى جديدة في العالم.

واكد المشاركون في المنتدى ان هذه الدورة تكتسب اهمية قصوى بعد القلق الذي أصاب الرأي العام الاوروبي من عدم توصل قمة مجموعة العشرين في مدنية كان الفرنسية الى نتائج ملموسة لعلاج الأزمة فقدم المنتدى أسباب تعثر الحلول. كما اوضح محللون تابعوا فعالياته أن الابحاث الملقاة امام المنتدى اثبتت سوء تطبيق النظم الرأسمالية وضعف الاداء السياسي في الجوانب الاقتصادية وعدم تحمل المؤسسات المالية مسؤولياتها الكاملة، مستفيدة من ثغرات قانونية عديدة، حتى بات من الصعب إلقاء تهمة الإضرار الاقتصادي المتعمد بمن تسببوا في تلك الأزمة الحادة.

وطالب الخبراء بضرورة السعي إلى استعادة الثقة بين الحكومات والمؤسسات المالية والرأي العام والالتزام بالشفافية في التعاملات والخطط والبرامج والجدية في التنفيذ وعلاج الأخطاء بسرعة قبل ان تتفاقم.

وحدد المنتدى بعض أوجه علاج الأزمة، مثل ألا يتجاوز العجز في ميزانيات الدول ثلاثة بالمئة كحد اقصى للفرق بين عائدات الحكومة وبرامج انفاقها، ما يتطلب، اما زيادة العائدات من خلال التنشيط التجاري او ترشيد النفقات لتتناسب مع الموارد المالية المتاحة. كما تطرق بعض الباحثين الى ضرورة لجوء الاتحاد الاوروبي الى فرض عقوبات اقتصادية على الدول الاعضاء التي لا تحترم التزاماتها في الحفاظ على التوازن الاقتصادي مع ربط مسؤولية الدولة في وضع (ميزانية متوازنة) بالدستور، وذلك للحد من سقف الديون.

وأوصى المنتدى بضرورة وضع مكتب تابع للاتحاد الأوروبي يراقب خطط ميزانية كل دولة وتطبيقها على ان تخضع الدول غير الملتزمة أو التي على وشك الدخول في أزمة حادة إلى وضع ادارة مواردها تحت سلطة أوروبية نافذة لاتخاذ الإجراءات التي تعجز حكومة تلك الدولة عن اتخاذها قبل الدخول في نفق مخاطر الإفلاس ودوامة الديون.

ووضع المنتدى الحالة الأيرلندية كمثال على ما أدى اليه الإسراف في منح القروض لشراء العقارات والتسوق الاستهلاكي النهم من دون وجود اقتصاد انتاجي حقيقي، ما ادى إلى انفجار الأزمة هناك قبل أي بلد اوروبي آخر، فاضطر دافعو الضرائب الأيرلنديون إلى سداد 87 مليار دولار الى البنوك لإنقاذها من الانهيار التام، وتنازل المساهمون في البنوك الإيرلندية عن 83 مليارًا، واضطرت الدول الأوروبية والمؤسسات الدائنة للتنازل عن 69 مليارًا أخرى.

في المقابل، اوضحت التجربة أن تلك التحركات، وإن انقذت البنوك، إلا أنها أبقت ملايين الأسر مكبلة بأغلال الديون وقيود فوائدها المتراكمة، ما أدى إلى خلق نوع من عدم الثقة بالمستقبل وإشاعة أجواء من التشاؤم. وفي المثال اليوناني، أشار المنتدى إلى تفشي حالات الرشى والفساد الاداري كأحد الأسباب المهمة، التي أودت بالبلاد إلى جبل من الديون والوقوف على حافة هاوية الإفلاس.

حرص على المشاركة في المنتدى المتخصص في العلوم السياسية والاقتصادية ما لا يقل عن 1300، من بينهم بعض كبار صانعي القرار السياسي والاقتصادي في سويسرا وأوروبا، وعدد من المفكرين والباحثين والأكاديميين المتخصصين في العلوم السياسية والاقتصادية والدراسات الاجتماعية.