هناك أربعمائة ألف مهاجر غير شرعي يدخلون منطقة شنغن سنويًا، كما يفيد تقرير للمفوضية الأوروبية، ويشير إلى أن مليونين حتى أربعة ملايين مهاجر بدون أوراق يقيمون في فضاء شينغن. معطيات كانت كافية لأن تصيب اليمين المتطرف في فرنسا بالسعار، إلا أن ساركوزي سارع في سباق انتخابي بطرحه وللمرة الأولىإمكانية إعادة النظر في المعاهدة التي تؤطره، فيما يؤكد المتخصصون أن الأمر ليس بالهين وأن اقتراحالرئيس المرشح هو فقط للاستهلاك الانتخابي.


أوروبا في حاجة إلى المهاجرين أمام شيخوخة ساكنتها

باريس:أوضحت نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية الفرنسية أن اليمين المتطرف يشكل اليوم قوة سياسية لا يمكن لمرشح اليمين، خصوصًا نيكولا ساركوزي، أن يتعاطى معها كمعطى عادي، إن أراد فعلاً أنيفوز في سباقالدور الثاني من هذه المحطة السياسية.

موضوع الهجرة القريب من قلب اليمين المتطرف هو البوابة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن ينفذ ساركوزي إلى أفئدة ناخبي هذا الصف السياسي، وبذلك حاول أن يتناول موضوعها من زوايا مختلفة، لعله يستميل نحو اسمه أصوات أنصار الجبهة الوطنية.

فضاء شنغن كان من الأسئلة الكبرى التي اختارها الرئيس المرشح بأن يعطي لمن لديهم حساسية خاصة، بل ومفرطة في بعض الأحيان، تجاه الهجرة، إن لم نقل عداء صريحًا ضدها، يعطي الانطباع بأنه جاد في احتواء مشكل الهجرة، وحتى وإن كانت نتائج عُهدته بهذا الخصوص لا تقنع اليمين المتطرف عامة، كما إن القوى التقدمية الفرنسية أعابت عليه طيلة الحملة الانتخابية أن خطابه السياسي انزلق كثيرًا نحو أقصى اليمين.

كما إن تعهده بمراجعة معاهدة شينغن في حالة فوزه للمرة الثانية في سباق الإليزيه، لم ينظر إليه المراقبون بعين عادية، لأن توجّه مثل هذا قد يهزّ الكيان الأوروبي، الذي يوجد اليوم في وضعية غير مريحة بالنظر إلى عدد من الإشكالات الاقتصادية و الاجتماعية وحتى السياسية.

وجدت باريس نفسها وحيدة إلى جانب برلين أوروبيًا بعدما وضعت ميركل يدها في يد ساركوزي بهدف إعطاء معنى جديد إلى مفهوم الحدود بين البلدان الموقعة على المعاهدة، إلا أن موقف الطرفين لا يشكل الغالبية في مجموع دول فضاء شنغن.

وجاء الدعم من قبل بلدين يتواجد فيهما اليمين المتطرف في السلطة، ويتعلق الأمر بكل من هنغاريا والنمسا. ويعرف المتخصصون في الشأن الأوروبي فضاء شنغن بكونه quot;يسمح بتنقل الأشخاص والبضائع على امتداده، وبطاقة التعريف بالنسبة إلى مواطني البلدان الموقعة عليه، تكفي في مجموع دوله للإدلاء بها أمام السلطات المحلية عند الحاجة، كما يجيز لهم العمل فيها، فيما تقوى مراقبة حدوده بريًا وبحريًا وجويًا بالشكل المتعارف عليهquot;.

مراجعة معاهدة شينغن أو المهمة الصعبة

يقول الباحث في العلوم السياسية كريم أملال quot;لا أعتقد أنه يمكن تعديل هذه المعاهدة كما يتوخى ذلك ساركوزي. فكلود غيون أرجع ذلك إلى سعي الحكومة الفرنسية إلى وقف تدفق المهاجرين. وألمانيا شأنها شأن باريس يتوحدان حول الموقف نفسه. لكن يبقى رأي أقلية، لأن هذه المعاهدة التي وُقع أول اتفاق بشأنها سنة 85 يستدعي تعديلها موافقة مجموعة من الدول الأوروبيةquot;.

ويتابع أملال متحدثًا لـquot;إيلافquot; quot;حتى وإن كان الموقف الفرنسي الألماني بخصوص المعاهدة مدعمًا من طرف كل من هنغاريا والنمسا، فباقي الدول الأوروبية لا تقاسمها الرأي نفسه،بل عدد من الدول هي ضد كل تعديل، على الأقل بالطريقة التي يتصورها الجانبان، خصوصًا سويسرا، وإن كانت هي بدورها لا تتساهل مع قضايا الهجرةquot;.

كما يؤكد محدثنا quot;أن تعديل هذه المعاهدة سيكون له أثر على مستقبل أوروبا. ففضاء شنغن يوجد على المحك اليوم، لأن هذا يعني شيء واحد: النهاية التدريجية لهذا الفضاء وأكثر من ذلك لعنصر مهم في البناء الأوروبي. لكن فوز فرانسوا هولاند سيغير بطبيعة الحال الأشياءquot;.

الحل ليس في غلق الحدود

الخبير الاقتصادي كمال ساري يتحدث عن quot;منطق معروف لدى الاقتصاديين في النظرية الاقتصادية يقول: عندما نقيم سوقًا مشتركة فهذا يعني وجود منطقة نقدية مثلى تتوافر فيها حرية تنقل السلع والأشخاص، لأنه إن أردنا منطقة حرة لا يمكن أن نفضل تنقل السلع على حساب تنقل الأشخاص أو العكس زيادة على رؤوس الأموالquot;.

ويضيف ساري في تصريح لإيلاف، quot;المشكل أنه تبين أن هناك دولاً تتساهل تجاه الهجرة خصوصًا مع استفحال ظاهرة الغجر وقضية المهاجرين السريين التونسيين في إيطاليا. وتصريح ساركوزي لتعديل المعاهدة هو مغازلة لناخبي اليمين المتطرف أكثر من أي شيء آخر، لأنه من الصعب إعادة النظر فيها من طرف بلد واحد أو بلدين. وحتى في حالة إعادة انتخابه سيطالب بتقوية الحدودquot;.

بالنسبة إليه، quot;طرح هذا النقاش في حملة انتخابية، ليس إلا طريقة أخرى لمواجهة طروحات الجبهة الوطنية، لأن ساركوزي إنسان ذكي، ويعرف أنه ليس فضاء شنغن هو المشكل ولا حتى الهجرة. هناك مشاكل اقتصادية أكبر بذلك بكثير، وأوروبا في حاجة إلى المهاجرين أمام شيخوخة ساكنتها، وخصوصًا ألمانياquot;.

ويزيد مدققًا وجهة نظره كخبير اقتصادي أن quot;الحل ليس في غلق الحدود الداخلية للبلدان، وإنما هو التعاون التنموي مع الدول النامية، وأنا شخصيًا أومن بذلك، لأن الذين ينزحون من أفريقيا نحو أوروبا في غالبيتهم أناس ينتمون إلى قرى صحراوية تضررت كثيرًا بفعل سنوات الجفافquot;.