تونس من طارق عمارة: رغم مرور سبع سنوات على وفاته فإن شخصية الزعيم التونسي الحبيب بورقيبة أول رئيس للبلاد وابي الحداثة في تونس لاتزال مثار جدل واهتمام من جانب الدارسين. في quot;كتاب بورقيبة والمسألة الدينيةquot; تحاول الكاتبة التونسية امال موسى أن تعيد النظر في علاقة بورقيبة بالدين وتبرز كيف تعامل الخطاب السياسي في تونس مع الدين نصا وعقيدة وسلوكا طيلة فترة حكمه. ويتضمن الكتاب الذي يقع في 235 صفحة 23 خطابا لبورقيبة مثلت المادة الرئيسية لتحليل المضمون. وغطت غلاف الكتاب صورة لبورقيبة مرتديا لباس الاحرام في مكة. وانقسمت الخطب إلى ثلاثة انواع هي خطابات بورقيبة في مناسبات دينية وخطابات في مؤتمرات سياسية واخرى في رحلاته خارج البلاد.
وسادت علاقة بورقيبة بالدين طيلة فترة حكمه للجمهورية التونسية (1956- 1987) مد وجزر حتى إن البعض اتهمه بالالحاد وعداء الاسلام بينما اعتبره اخرون ابرز الساسة العرب التحديثين وأن لا مشكل له مع الدين سوى أنه يريد فصله عن السياسة. واستعانت امال موسى وهي أيضا صحفية بحوارات مع شخصيات سياسية عايشت بورقيبة على غرار محمد المزالي رئيس الوزراء الاسبق. كما قامت الباحثة بدراسة تحليلية لشخصية الحبيب بورقيبة وخلصت إلى ان بورقيبة تأثر بشدة بشخصية كمال اتاتورك الذي ارسى الدولة التركية الحديثة العلمانية وكذلك القائد القرطاجني حنبعل. واشارت الكاتبة إلى ان طبيعة المشروع البورقيبي هو سياسي حاول من خلاله ان يغالب المشروع الفكري مما جعل الخطاب السياسي البورقيبي تطغى عليه ظاهرة التناقض واعتبرت ذلك افراز طبيعي لما يسمى بالتوظيف السياسي لمسوغات دينية. ورأت في دعوة بورقيبة الشهيرة الناس في تونس للافطار خلال احد اشهر رمضان علامة بارزة لتوظيف الدين للسياسة حين قال بورقيبة ان ذلك بمثابة الجهاد الاكبر في معركة التقدم التي تخوضها البلاد.
وكان بورقيبة قد دعا خلال في بداية فترة الثمانيات التونسيين إلى الافطار حينما اشتد الحر في فصل الصيف في مسعى لحثهم على مضاعفة الجهود في العمل ووصف ذلك بانه جهاد في سبيل تقدم البلد.
واستشهد بورقيبة انذاك بان النبي محمد رسول العمل والجهاد وان الرسول اعطى الاولوية لشؤون الدولة عندما تكون في حاجة لمزيد القوة. وانتفض انذاك عديد من التونسيين خصوصا في مدينة القيروان على تلك الدعوة واعتبروها مخالفة لشريعتهم الاسلامية واتهموه بأنه عدو للاسلام. لكن موسى اشارت في كتابها ايضا ان بورقيبة اخضع السياسي لما هو ديني احيانا مثل اظهار اهتمامه بالدين الاسلامي وفتح الجامعة التونسية للطلاب للتفقه في الدين بدافع المرواغة والمناورة والتكتيك السياسي. حتى انها عزت خطاب بورقيبة quot;الاسلاميquot; لظهور معارضة دينية قوية منذ بداية فترة السبعينات.
وقالت في كتابها quot;تاكدت حاجة خطاب بورقيبة السياسي إلى تكثيف استعمال شكل اخر من المزايداة الانتمائية واظهار انبهاره بالقيم الاسلامية واشادته بتفوق الدين الاسلامي على بقية الاديان التوحيديةquot;. ويوصف بورقيبة بانه اب تونس الحديثة حيث كانت له الجرأة في اصدار اول مجلة للاحوال الشخصية في العالم العربي تقر منع تعدد الزوجات بعد ثلاثة اشهر فقط من اعلان استقلال تونس عن مستعمرتها السابقة فرنسا.
غير أن موسى اعتبرت الخطاب السياسي عند بورقيبة لا ينطلق من مواقف دينية ثابتة بل ان الموقف من المسألة الدينية قابل للتحول وللانقلاب عليه إن حتمت النفعية ذلك.
وتستدل موسى في كتابها بشهادة لرئيس الوزراء الاسبق محمد المزالي الذي اعتبر ان بورقيبة حاول توظيف الدين الاسلامي في المساواة في الارث بين الرجال والنساء لكنه لم يفلح. ونقلت موسى عن المزالي قوله quot;اراد بورقيبة أن يسوي الارث بين الرجل والمرأة فلم يجد أي اية قرانية واجابه رجال الدين بان القران صريح في هذه المسالةquot;.
ويضيف المزالي quot;لقد قال لي بورقيبة عد مرات بأن قضية المساواة في الارث بقيت في القلب وأنه رغم محاولاته لم يجد اية قرانية تمكنه من تحقيق حلمهquot;. وخلصت الكاتبة إلى ان تعاطي بورقيبة مع الدين يتصف بالنفعية وبالاسلوب الانتقائي. واعتبرت أن مثل هذه الاوصاف تعني بأن شروط تحقق الدولة العلمانية التي تفصل بين السلطة الروحية والسلطة السياسية غير متوفرة. واصدرت امال موسى ثلاثة مجموعات شعرية هي (انثى الماء) و(خجل الياقوت) و(يؤنثني مرتين). وترجمت مجموعاتها إلى عدة لغات. (رويترز)