الى قم، بالضرورة

أنا الفزعُ والخرابُ، وأنتِ الطيرانُ.
ينبغي أنْ أنـظـّفَ فوضاي، أن أنـيـرَ أعماقَ الشمعةِ،
وأنْ أحلـقَ لحيةَ حرّيتي،
لأننى الآن لستُ ناصعَ البياضِ، كما جوهركِ.

أخافُ عليكِ من اليأسِ،
الذي نصبتُ، بين ضواحيه، خيمتي.
من الريح
التي سأكونها،
لواهتـزّتْ سعفتي بين عيدان مشطكِ.
أخافُ
أنْ يخطف رعبُي غبطتـَكِ بالمطرِ،
نشوتـَكِ عندما يصدح الصباحُ في حنجرة بلبل،
و من مرآتي أخافُ أنْ تكسرَ جَـمالك ِ.

ماكنتُ هكذا لأن ألله خلقني من أربع جهات:
وجعلني صافيا كقلب الجمرةِ.
ماكنتُ أشعثَ القلبِ مثل باقة شوكٍ،
ولاحافي الروح يرتدي جسدا مفخخا بالكهوف،
لكنهم
أعطوني من التاريخ الصحراءَ والسيفَ،
وأخذوا الوردة َ.

أيتها المرأة الحمامة،
لم يعلّـموني كيف أرسم ريشكِ في المدرسةِ:
مسحوا هديلَـكِ المكتوب على سبـّورة الصف،
عندما كان العالمُ بريئا،
ورسموا بدلا منه الحرابَ على زجاج النوافذِ.
كانوا كلما كسروا نافذةً بنشاز أناشيدهم،
قالوا: لم نخسر الحربَ بعد، لقد خسرنا معركةً،
حتى، ذات يوم، ألبسوني خوذةً،
لئلا تحلّق هواجسي بالقرب من أشواقكِ.
وكما لو كنتُ قد خرجتُ من رحم دبابةٍ،
أجبروني أنْ أرتدي المعدنَ.
صاحوا وهم يطلقونني كالوحش في البراري:
إطـل ِ قلبَـكَ بالطينِ لئلا تراكَ المرأة ُ.
قالوا: هنا نقطة ضعفـكَ،
وهم ينقبون فيه عن بصيص دفئكِ،
لأنهم رأوني أحلم.
أحلم بأني أُحبكِ، قبل أنْ أُولد، فأعود بشرا.
أما الثكنات فقد لقنتني أنكِ كائن ناقص العقلِ،
وأنَّ عليّ أنْ أفترسَ حدودَ تحليقـكِ بعينيْ نسرٍ،
فقد تكونين عدوّا متخفيا.

صرتُ أخافـكِ.
أخافُ حدودكِ لأنكِ حدودُ حنان الامهاتِ الذي لايـُحدّ.
لأن كمشةً من ترابكِ تقود العميانَ الى نورهم.
أخافكِ صرتُ.
كنتُ أحشو بندقيتي بالمواعظ ِ
ومسدسي بالحكمةِ.
مع ذلك لم أنتصر، ولو مرة، في حياتي،
لأنكِ الطيرانُ، وأنا الفزعُ والخرائبُ..

كنتُ أعرفُ أنَّ ظلـّكِ هو الموجةُ،
وأنَّ الله خلقني كي أعومَ في حوض حنانكِ.
كنت أدركُ أنَّ في تقاسيم وجهكِ بلاغة الحزنِ،
وفي دموعكِ اختصار العصورِ.
كنتُ أرى في خطوط راحتيكِ بيتَ المساكينِ،
وفي صدركِ الجداولَ التي في مجراها يلبط ُ الأمانُ.
كنتُ أشكُ بيقين نصاعتي
لأنَّ الظلام بكامل قيافته كان يتجوّل في داخلي.
لكنهم درّبوني
على أنْ أُجرجركِ الى حصة الرملِ،
التي من أجلها صرتُ ساخنا، كالغبارِ.

كلما رأيتُ قمرا أطلقتُ عليه الرصاصَ،
وهيأتُ المائدة ليقاسمني الليلُ غنيمتي من السُخامِ.
كلما ومضتْ نجمةٌ في طريقي
أطلقتُ صقرا ليلاحقها مجرّة بعد اخرى.
طاردتـُكِ من ضوءٍ الى ضوء ٍ،
الى أنْ نفدتْ النجوم في المجرّات،
ولم يعد هناك شيئا اسمه الشمس أو القمر،
لكنكِ لبثتِ مشعـّة في الأرض
حتى انكشفتْ لي نفسي، ورأيتُ كم هي موحلة،
فتقيأتـُها دفعةً واحدة ً.

لم أنظف بعد.
ولأن الروحَ من فحم لم يعد ممكنا أنْ ألمسَ الدرَّ،
كما أنني صرتُ أخاف أنْ أجرّكِ الى هاويتي.
أخافُ
أنْ اُجفـّف مياهكِ.
أنْ أتسلى بتحوير أمواجكِ الى صفعات،
و رعاة تلالكِ الى جواسيس.
أخافُ
أنْ احوّل الناي الى ناظور، والاغنية الى نشيد حرب.
أنْ أدوس بأقدامي أرضَ روحكِ،
كما لو كنتِ ساحةَ معركة:
كما لو كنتِ قريةً أسدّ عليها الممرات، وأشنق الهواءَ.

ها أنتِ في القصيدة،
وها أني أجهلُ في أي جملة اخبـئـكِ،
لأن هناك عبوُة ناسفة، نسيتُ تحت أي سطر دفنتـُها، ستنفجر فجأة.
أخافُ
أخافُ أنْ أعيشكِ كما عشتُ في اللاعيش وفي الملاجيء.
أخافُ أنْ أخون غيابكِ،
فأخسرقسمتي الوحيدة من الأمل،
أو
نصيبي القليل من النصاعةِ.

كم اريد أنْ ألوذَ بوجهكِ، وهو ينفجر
كينبوع دفء في جليد مخيلتي،
كم أريد أنْ أغتسلَ بقيعان نومكِ،
أنْ أطيرَ في هوائك الطلق مثل ريشة من دخانٍ،
لكنني أرتجفُ من الذعر كلما نظرتُ الى بهائكِ في المرآة،
فالجمال يصير مرعبا إنْ ماتَ في الكائن قلبُـه.

أخافُ
أنْ أقول: اُحبكِ، وبين أسناني فتيلُ قنبلةٍ.
أنْ أقود أقدامكِ وعلى الرصيف ترنيمةُ تحتضر،
أنْ أنام على سريركِ،
ومن مسام جسدي تشع أبواقُ الثكنات.
اُريد
أنْ أعودَ سليمَ القلبِ، كما في الطفولةِ،
فلستُ جميلا كما ينبغي.
لااريد
أنْ تحبينني وأنا محشوُّ بالقتلى:
أخافُ، أخافُ
أنْ
تحملي مني وحشا..

[email protected]