انتهى مسلسل سعاد حسني الذي تابعنا حلقاته القصيرة والمقطعة بالإعلانات على أكثر من قناة فضائية في شهر رمضان 2006، ولم ينته شغفنا، ولم نتوصل إلى عمق شخصية السندريلا، لقد تركنا العمل في حيرة، كما الحيرة التي تركتنا عليها صاحبة هذه التجربة المتشابكة!. لا بد أن نقول الحقيقة: بأن العمل كان ركيكا، بدليل أنه لم يثن عليه أحد لا من المتابعين العاديين ولا من نقاد الفن، ولا حتى من البسطاء حين يشتركون بحديث عن الأعمال الدرامية التي تدفقت علينا بغزارة من خلال الشاشة الفضية في شهر رمضان الفائت . من هي سعاد حسني؟ لا زال السؤال معلقا، وهل ماتت قتلا أم انتحارا؟ لأن أي خيار آخر مستحيل.

كان لا بد للعمل أن يشير ولو بشكل رمزي وذكي إلى نهاية سعاد حسني على تلك الشاكلة، كان لا بد أن يدس فيما بين الأحداث_ من المنتفع من موت سعاد حسني قبل أن تفتح فمها وتتكلم؟ لا أنسى أبدا جملة الفنانة quot;يسراquot; في الأيام الأولى لرحيل سعاد حسني حين قالت في حديث ضمن مقابلات خاطفة مع الفنانين إنهم quot;قتلوهاquot; فمن هم الذين قتلوها؟ وما مصلحتهم؟ بل أن كل أفراد أسرة الراحلة والوسط الفني اتفق على أن سعاد قتلت!؟.

هناك أيضا إشاعة مفادها أن سعاد حسني كانت قد سجلت مذكراتها أو دونتها وأن هذه المذكرات اختفت على حد قول الكثيرين! إذن ما الذي كتبته سعاد حسني في مذكراتها؟ ومن هم المتضررون الذين ارتكبوا جريمة من أجل أن لا يفتضح أمرهم!؟ وما هو أمرهم؟!.

هل كانت لسعاد رحمها الله علاقات لا تمت بصلة إلى الوسط الفني أو إلى الفن مثلا؟ وما طبيعة هذه العلاقات وهل كانت سعاد مستفيدة من هذه العلاقات أم مستغلة؟ وإلى أي درجة استغلت؟ كل هذه الأسئلة تزاحمت علينا ونحن العاشقون لهذه الفنانة الخارقة في موهبتها، الجميلة، والتي أعطت الكثير للسينما العربية ولم تحصد سوى الحسرة والندم.

قدم العمل سعاد حسني من الخارج ولم يتغلغل إلى أعماقها، ففنانة مثل سعاد حسني سواء كانت قد قتلت أو انتحرت هي في النهاية شخصية تستوقفنا في الكثير من تفاصيلها المعقدة وتستحق أن يتوقف عندها الدارس ويتمعن جيدا في يومياتها التي لم تهدأ، بل لم يصل العمل حتى إلى عينيها وهي الأكثر فضحا للإنسان مهما حاول أن يبعد الناس عما يشعر به، والحق أن عيني سعاد في السنوات الأخيرة كانت تبوح بالكثير.

ترى أين العلة؟ هل في النص؟ أم الإخراج؟ أم اختيار الشخصيات؟ وخصوصا شخصية سعاد حسني الدور الذي أسند للفنانة الشابة quot;منى زكيquot; والتي لم تكن سيئة لهذه الدرجة، بل بالعكس حاولت أن تدخل في الشخصية والدور قدر استطاعتها ويشفع لها مشهد موت الصديق الحميم لسعاد حسني quot;الشاعر صلاح جاهينquot; ومشاهد أخرى كثيرة، أما دور عبد الحليم الذي قام به الفنان مدحت صالح فلن نتطرق إليه لأن خطأ اختياره لا يغتفر وظهر مدحت صالح بشكل كاريكاتيري.

إذن العلة ربما في النص فلم يكن مقنعا للمشاهد حين يغيب اسم نجاة الصغيرة ويتحول إلى نجوى الصغيرة! فنجاة لا زالت على قيد الحياة ولا زالت أغانيها بيننا كل يوم وان حاولت بعض الإذاعات تغييب هذا الصوت وأصوات أخرى لصالح النهيق الذي يخدش أسماعنا طوال ساعات الليل والنهار.

أين الجلسات الحميمة بين سعاد وأسرتها؟ أين روحها؟ وهي المعروفة برقتها وحنانها وشغفها بالأسرة، أين حوارها مع نفسها؟ أين تلك الرومانسية التي أذهلتنا بها؟ هل من المعقول أن تكون سعاد حسني شخصية دنيوية؟ لا تستطيع أن تؤمن لا بمتغيرات الزمان ولا بمتغيرات الجسد ولا بقدرة الخالق على تغييب الأصدقاء والأحبة والطيبين؟ فاستسلمت لرياح اليأس وسمحت له أن يلتهم عمرها وهي لا زالت في عز الشباب؟

سعاد حسني ولدت في عام 1943 هذا يعني أنها لو كانت على قيد الحياة لكانت الآن بعمر الثالثة والستين وهو العمر الذي عليه أغلب بنات جيلها وربما أكبر منها عمرا مثل نادية الجندي ونبيلة عبيد وغيرهن، وهن الآن يتمتعن بحضور طيب وبأشكال مقبولة بل لا زلن يقدمن أعمالا سينمائية وتلفزيونية لها حضورها، وهنا نتذكر آخر أعمال الفنانة نادية الجندي حيث ظهرت وكأنها ابنة الثلاثين في quot;مشوار إمرأةquot; المسلسل الذي قدم في رمضان 2004، ولا ننسى بأن نادية الجندي ظهرت مع سعاد في فيلم quot;صغيرة على الحبquot; وكانت بعمر سعاد ولو إنني أميل على أنها تكبرها قليلاًً، حتى إذا استسلمنا لفكرة خضوعهن لعمليات تجميلية فهذه العمليات في النهاية بداياتها ونهاياتها معروفة ومحدودة ولا يمكن أن تصلح الروح ولا النشاط ولا الحيوية التي فارقت quot;أخت القمرquot; مبكرا، هذا عدا عمر نجاة الصغيرة أختها التي رافقتها المشوار الفني والتي تكبرها بعشر سنوات إذا لم يكن أكثر كما هو مبين في المسلسل، فسعاد كانت طفلة في الخامسة في حين نجاة ظهرت في السابعة عشرة من عمرها أو الخامسة عشرة، ومع ذلك شاخت سعاد قبل الجميع!.

سعاد حسني قدمت فيلم الراعي والنساء في العام 1991 أي قبل موتها قبل بعشر سنوات تقريبا يعني أنها كانت في السابعة والأربعين من عمرها، وهو عمر الورد بالنسبة للكثير من النجمات، بل أن الكثير من النساء العاديات واللواتي ليس لهن أي علاقة بالنجومية يتزوجن بهذا العمر ويفكرن بالإنجاب، ومع ذلك ظهرت سعاد حسني رحمها الله مرهقة متعبة مغمومة مهمومة لا تقوى حتى على الكلام، وهذا يعني أنها كانت تعيش حياة مؤلمة ومشاكل صحية ووحدة ويأس لا حدود له، وبدت وكأنها في الستين! ومع ذلك تابعنا بشغف فيلم الراعي والنساء لأن سعاد حسني تدور في فلكه ولأننا يعنينا عودة أخت القمر.

إذن سعاد كانت شخصية حساسة وذات مشاعر مرهفة ومتألمة ومنقادة إلى اليأس والألم، وهذا ما أغفله العمل، همش العمل حياة سعاد الخاصة واهتم بأحاديثها العادية وأفلامها التي توالت عليها الواحد بعد الآخر وزيجاتها الغير مدروسة وانفصالاتها المتسرعة، والحق أن سعاد ظهرت أيضا كمجاملة أكثر مما يجب وعلى حساب راحتها وقناعاتها، ترى إلى أي مدى خالفت سعاد حسني قناعاتها الشخصية لدرجة أنها اسقطت نفسها في العديد من الأفلام والعلاقات التي لا تتناسب وتطلعها الفني؟! أظهر العمل سعاد حسني على أنها تريد أن تتشبث بكل الحلو وترفض المر! وهذا أمر خطير لا بد أن يجر صاحبه ليس فقط لقتل النفس بل لنسفها.

ظلم العمل سعاد حسني بعد موتها، كما ظلمت نفسها وهي على قيد الحياة، مرة أخرى ترمى سعاد حسني ولكن هذه المرة من الطابق المائة وليس من الطابق الرابع، فهل نمني النفس بعمل آخر يتغلغل إلى روح سعاد حسني لإنصافها وإظهارها بروحها الجميلة دائما في ضميرنا؟ أم سيكتفي الوسط الفني المصري بهذا العمل الذي لا يرتقي بعقولنا ولا بحياة الراحلة سعاد حسني رحمها الله ولا حتى يشكل إضافة لتاريخ الفن المصري؟.

كاتبة وإعلامية