لا شك أن السيد نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي يقف حائرا اليوم أمام أعقد وأدق وأحرج أزمة مصيرية ومنعطف صعب في تاريخ العراق المعاصر المعقد و المليء بكل صور الفوضى والحروب و المجازر الشنيعة، وهو في موقف لا يحسده أحد عليه على الإطلاق وسط مظاهر الفوضى وأشلاء الجثث و الرؤوس المقطوعة وحملات التكفير و التصفية على الهوية الطائفية وضرب المساجد وأماكن العبادة وتهديم القبور و الأضرحة وكل مظاهر الحياة العادية، و الفشل الواضح و الصريح و المأساوي في تنفيذ البرنامج الحكومي المعلن وفي طليعته ذلك الوعد الذي ذهب مع الريح وتطاير مع الأشلاء العراقية المتطايرة وأعني به وعد تصفية وإنهاء الميليشيات المسلحة وهي المهمة المستحيلة التي يبدو أن دونها خرط القتاد !، وبطبيعة الحال فمن الصعب أن يوجه اللوم للسيد المالكي بمفرده لأن قضية فشل العملية السياسية في العراق أكبر من كل القوى السياسية التي تقف عاجزة عن تحقيق أي تقدم أمام المساحات الواسعة لقوى التخلف الطائفية ولفرق الموت الحزبية التي تعيث في الأرض فسادا وأعادت للملأ كل أمراض الطائفية البغيضة التي نتمنى لو أن الزمن قد تجاوزها ولكنه مجرد تمني ينتمي لعالم الأحلام الوردية! ثم أن هنالك قوى بعضها خفي وبعضها معروف يمارس لعبة شد الحبل الطائفية من خلال التصريحات غير المسؤولة و الإلتفاف على الحقائق، و البحث عن زعامات فارغة على أشلاء العراقيين المقطعة، وقد كانت الأحداث الأخيرة في قمة الكارثة و المأساة فمجازر مدينة الثورة البغدادية التي أتبعتها مجازر الأعظمية و الحرية وحرق المساجد و الناس جميعها أمور ترسم خارطة طريق مستقبلية عراقية سوداء وتؤكد أن عجز الحكومة العراقية بتشكيلتها الراهنة قد بات من الفجائع الواقعية، فالحكومة لا تخوض حربا ضد قوى المعارضة من تكفيرية أو بعثية أو من بعض دول الجوار فقط ؟ بل أنها تشهد حالة مفجعة من الحرب الداخلية الشرسة بين أطراف الإئتلاف الشيعي غير المؤتلف و الذي تشكل تحدياته واحدة من أصعب العقد أمام تحركات السيد المالكي الهادفة لنزع فتيل الأزمة، فجماعة ( مقتدى الصدر ) مثلا وهم التيار الذي يصرح تصريحات سوريالية و يتصرف بخفة عجيبة كان أحد أهم عناصر تأزيم الموقف، فميليشيا ( جيش المهدي ) هي إحدى الجماعات التي تنشر الموت وتبشر بالطائفية بشكلها الفج و تشكل مع ميليشيات الجماعات التكفيرية مثل ( جيش عمر ) و ( جيش الصحابة ) و ( جيش الطائفة المنصورة )!! الوصفة اللازمة و الناجعة لإدامة وإستمرار الحرب الأهلية بل و تطويرها بشكل مروع يحقق الحلم البعثي الخالد بتحويل العراق لخرابة كبرى و لوطن تسكنه الأشباح!! وهو ما تتحقق اليوم بعض فصوله للأسف بكل رشاقة وإنسيابية ويندفع جميع الفرقاء بتحقيقه في سادية عجيبة و غريبة ؟ أما الإبتزاز الأكبر لجماعة الصدر فهو في تهديدهم الدائم و المستمر بالإنسحاب من العملية السياسية وسحب وزرائهم وبرلمانييهم!! فيما لو إجتمع المالكي مع الرئيس الأمريكي ( جورج بوش ) في عمان!! وهو تهديد أخرق لأنه يمس شكل وصميم سيادة رئيس الوزراء و صلاحياته الدستورية و القانونية و البروتوكولية وسعيه الدائم و الواجب لحل المشاكل وفقا للأساليب الدبلوماسية المعروفة ؟ أما تدخل الجهلة والأغبياء و الموتورين في أعمال وتصرفات الدولة العراقية فهي من الأمور التخريبية الواضحة، وعلى ردود المالكي وكيفية تصرفاته خلال المراحل القادمة سيعتمد أو يتقرر مصير العراق و الكيان العراقي بأسره، فإما دولة حقيقية يرسم خارطة تحركها المتخصصون و الحريصون على وحدة الشعب و الوطن، أو ( حسينية ) ولطمية كبرى يقرر شؤونها جمع من مراهقي العمائم السياسية وأصحاب العقول الخفيفة، وأمام إبتزاز فرق الموت وعصابات الأطفال المشاكسين و السكاكين الطائفية المشهرة لتمزيق العراق يخوض المالكي وحكومته تحدي البقاء ؟ فهل ينجح المالكي في تقليم أظافر الضواري الطائفية التي تحوم حوله ؟ أم أنه سيدخل التاريخ بإعتباره آخر رئيس لوزراء دولة كان إسمها العراق ؟؟... ذلك هو التحدي الأعظم.
[email protected]