نشرت صحيفة الجارديان موضوعا بعنوان quot;من قتل بيير الجميل ومن المستفيد وكان أحد السيناريوهات المطروحة فيه هو أن تكون اسرائيل ضالعة في الجريمة؟ في السابق كان لدينا ايمان بأن كل شيء مؤامرة صهيوينة، واستخدمناهذه النظرية كشماعة للهرب من المسؤولية وتحميل الآخرين مسؤولية فشلنا وأخطائنا، لكن منذ حرب الخليج وتداعياتها وفقدان الثقة بين (الأشقاء ) العرب، أصبح موضوع المؤامرة قضية رجعية بل ومثارا للسخرية، وتحولنا من الاصرار على نظرية المؤامرة الى رفض كامل لها.بالنسبة لما يحدث في لبنان الآن هناك اتهام واضح وصريح لسوريا رغم أنه -شئنا أم أبينا -ليس لدينا دليلا كافيا وكاملا لذلك، وأولى الأبجديات التي تعلمناها أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته، وأنه في كل جريمة أول شيء نفعله هو: أن نفتش عن المستفيد.
ألا تلاحظون معي أن كل الذين قتلوا تفجيرا أو (تقويصا) في لبنان هم من أصحاب الكاريزما والجاذبية الشعبية، والذين لا يخدمون دمشق بغيابهم بقدر ما أن قتلهم سيضمن تأليب الرأي العام على دمشق؟فمن محبوب الشعب رفيق الحريري الذي بنى لبنان وعلّم أبناءها ومرورا بالوسيم سمير قصير الى النجم جبران تويني الى ضيفة اللبنانيين كل صباح مي شدياق وانتهاء بالوزير بيير الجميل الذي لم يتجاوز العقد الثالث من شبابه؟، جميع هؤلاء لهم ارتباط وجداني ما بالجماهير وقتلهم والباس دمشق الجريمة كاف كي يؤلب الرأي العام عليها وقد جاءت هذه الغضبة بنتائجها في انسحاب سوريا من لبنان، فما الذي استفادته سوريا؟
ثم لماذا تبرئة اسرائيل تماما قبل أن تظهر نتائج التحقيقات؟هل اسرائيل (قليلة شر)؟ وهل ستتورع عن القيام بأي شيء يخدم مصالحها ويضمن لها اضعاف المقاومة؟أنا هنا لا أقول أن اسرائيل هي التي نفذت هذه الجرائم (والعياذ بالله!) لكنني أدعو الى القليل من العقلانية والواقعية، فطالما أن لبنان يعيش كساندوتش بين سوريا واسرائيل ولن نستطيع أن ننقله ليعيش بين الكويت والسعودية، فعليه أن يعي هذا الواقع ويحتفظ بشعرة معاوية مع سوريا وأن يتعامل مع الواقع بنضج أكبر، وطالما أن اسرائيل مزروعة بيننا ولن تنتقل الى أوروبا كما اقترح عليها أحمدي نجاد فعلينا أن نتوقع(المؤامرات) بكل أنواعها وأشكالها وخبثها حتى تضمن لنفسها الأمن والاستقرار.
بيروقراطية
في كتاب (المعانقات) للكاتب ادواردو غاليانو يورد قصة طريفة عن ثكنة عسكرية يتوسطها كرسي عليه حارس، وكلما استقال حارس جاء بعده آخر لحراسة هذا الكرسي ليل نهار، حتى قرر أحدهم أن يعرف ما هي الحكاية فقرر العودة الى الاوراق والملفات فوجد أنه قبل واحد وثلاثين عاما وشهرين وأربعة أيام أمر ضابط حارسا أن يقف قرب المقعد الذي دهن للتو لكي لا يفكر أحد بالجلوس على الدهان الطري. انتهت القصة.
ترى لو راجع مدراء الدوائرالحكومية قوانينهم كم سيجدون من القوانين التي أكل عليه الدهر وشرب والتي سنت في ظروف معينة لم تعد موجودة الآن والتي حكايتها تشبه حكاية هذا الكرسي؟؟
انقطع الا من ثلاث.
هناك حديث نبوي شريف معناه أن الانسان اذا مات انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له. وكأن ديننا الاسلامي الحنيف يريد للانسان أن يحول وجوده القصير والمحدود على هذه الأرض بستين أو سبعين سنة أو أكثر أو أقل إلى وجود أبدي لا ينتهي بانتهاء أجله، وذلك بالأثر الذي يتركه وبصمته الفريدة في هذا الكون بابن يحمل المشعل ويسعى لعمارة الأرض من بعده أو صدقة مستمرة في آثارها ولو أننا فقط أخذنا بعبارة (علم ينتفع به) بشكل جدي وأنها من جوهر الدين الاسلامي لما كنا في ذيل القائمة بين الأمم في جامعاتنا وانجازاتنا، لكن ماحيلتنا اذا كان علماؤنا مشغولون بأحكام تنظيف الحواجب والطهارة والمسيار وزواج فريند وغيرها من الأمور التي حسمت منذ ألف عام.
[email protected]
التعليقات