بلادُ العرب في كرب وهرب حتى مِنْ جلدها. وعند كلّ محنة سياسيّة بالتحديد أراني أتذكّر الشاعر الراحل نزار قبّاني quot;أبا توفيقquot; ومعه قصيدته التي quot;ملأت الدنيا وشغلت الناسquot; التي عنوانها: quot;مهرولونquot;. فلو أنّ quot;أبا توفيقquot; حيّاً يُرزَق ـ وهو الحي في القلوب والعقول والضمائر الحيّة ـ ويرى ويسمع كيف هو مُحاصَرٌ شعب فلسطين، وكيف يُجوَّع، وكيف يقبع أكثر مِنْ عشرة آلاف فلسطيني مدني وناشط سياسي ومقاوم وبينهم وزراء ونوّاب بالعشرات فضلاً عن النساء والأطفال في سجون الإحتلال، فماذا تُراه كان سيكتب؟ وماذا سيكون عنوان قصائده وقادةٌ عرب وسياسيّون عرب ودبلوماسيّون عرب ورجال أعمال عرب ومثقّفون عرب لا هُم للعير ولا هُم للنفير؟ هذا في أفضل حال لهم: quot;إنبطاحيّونquot;؟ quot;أسخرطيّونquot;؟ quot;مجرمونquot;؟.
ماذا كان سيكتب أبو توفيق وهو يرى العصبيّات الطائفيّة والعرقيّة تبتر أطراف العراق، وترمي رأسَه عند قدمي مَنْ أذلّ العراقيين سابقاً من خلال شدّ أزر النظام في تشديد القبضة على خناقهم وسَوقِهم إلى حروب عبثيّة بامتياز، ولاحقاً مِنْ خلال أكاذيبه وانقلابه على النظام ذاته الذي لم يعد ملائماً للإستعمار الجديد الذي عقِب سقوط إمبراطوريّة الإتّحاد السوفياتي النبيلة والتي كانت هي للأسف الشديد ذات القدمين مِن صلصال أو نمر الورق؟ ماذا كان سيكتب وهو يرى العراق يرجِع قروناً إلى الوراء، فقد كانوا في بلاء، فإذا هم في بلاء أشدّ وأدهى، وجثث أبنائه متناثرة في الشوارع هنا وهناك، وبالمئات يوميّاً؟ وكلّ ذلك على مرأى مِن رؤساء عرب وقادة عرب وساسة عرب وأبالسة عرب. وماذا سيكون عنوان قصائده أيضاً: quot;عشرة وعشرة عبيد صغارquot;؟ quot;صديد وصديد أيضاً وأيضاًquot;؟ quot;هواء أصفر لا يبقي ولا يذرquot;؟.
ماذا كان سيكتب لو كان على قيد الحياة وهو يرى السودان المظلوم ماضياً وحاضراً، ويهلك جوعاً، وهو أرض الغلال، ويهلك طائفيّاتٍ وعنصريّات، وهو موطن الشعب السليم القلب، ويهلك تخلّفاً وتسلّلات غربيّة، وهو بلد الكرامة والمناضلين الشرفاء والثورات التي ذُبِحتْ مِنَ الوريد إلى الوريد؟ وماذا سيكون عناوين قصائده فيما يرى عرباً ليس لهم بعدُ ولا حتى موطئ قدم لظلالهم: quot;لاهون ساهونquot;؟ quot;منباعونquot;؟ أو quot;ليتَ دربك يا نفط لم تكن عليناquot;؟.
ماذا كان سيكتب لو عاين بأمّ عينه، ولمسَ لمْس اليد كيف أنفار لهم المجد تصدّوا وحدهم في لبنان وهابهم الموت ولم يهابوه ليس لأربعين ألف من جيش إسرائيل وحسب بطائراتهم الحربيّة وبوارجهم ومدرّعاتهم وصواريخهم وقنابلهم العنقوديّة والفوسفوريّة وليس لأميركا وبريطانيا وفرنسا وحسب وليس لمجلس الأمن الدولي أو مجلس العهر الدولي وحسب بل أيضاً لزعماء وقادة وساسة ودبلوماسيين ومثقّفين أدعياء عرب وتوابع وهوامش وإنتهازيين لبنانيين بالصوت والصورة الملوّنة أهدوا quot;ثورة الأرزquot; أو quot;درعهاquot; لجون بولتن الذي هو دبلوماسي إسرائيل quot;السادسquot; في الأمم المتّحدة وواحد من أهم حماتها في العالم والعنصري الكريه والمغضوب منه حتى في الوطن المنشأ أي في أميركا ذاتها عند quot;الديمقراطيينquot; وquot;جمهوريينquot; سواء بسواء؟ ماذا كان سيكتب أبو توفيقquot; وهو يترنّح مِنَ الألم جرّاء الجراح في ظهره من أثر الخناجر الكبيرة؟ وماذا سيكون عنوان قصائده؟ : quot;متورِّطون حتى آذانهمquot;؟ quot;ضالعون ولا خجل بعدُquot;؟ quot;إسرائليّونquot;؟.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات