يقول الباحث الآشوري التركي (صبري اتمان): ((عام 1914 كان عدد سكان تركيا بحدودها الحالية حوالي 14، 5 مليون نسمة، منهم 4، 5 مليون مسيحيي، أي أكثر من 30% من النسبة الاجمالية للسكان، أما اليوم نسبتهم لا تتجاوز 0، 1%. ... أين وكيف اختفى مسيحيو تركيا..؟ يضيف(اتمان): الجواب لدى زعماء الأتراك حينذاك، اللذين وجدوا في الحرب العالمية الأولى فرصتهم للتخلص من (الشعوب المسيحية) الواقعة تحت حكمهم والتي وصفوها بـ (الأعشاب الضارة)، ولأجل هذا قاموا بتنظيم قوى الظلام الكردية مستغلين العامل الديني وبدأوا معاً بعمليات ابادة فظيعة ضد الأرمن والآشوريين واليونان، ولم ينجو من القتل والتهجير القسري الا من اعلن اسلامه... بهذا تكون (الدولة التركية) الحديثة قد قامت على دماء الأبرياء المسيحيين..)). وفي السياق ذاته، يروي (هنري مورغنطاو)- السفير الأمريكي في تركيا آنذاك- في كتاب له ( قتل أمة): كيف كان الجنود العثمانيين ورجال القبائل الأكراد يقتحمون البلدات والقرى المسيحية يقتلون الرجال والنساء والأطفال من دون تمييز مع حرق كامل لبيوتهم... يضيف: دفع التعصب الديني عند الغوغاء والرعاع الأتراك ومن معهم من الأكراد لذبح معظم الأمم المسيحية (آشوريين/سريان واليونان والروم أحفاد البيزنطيين التابعة لهم الى جانب الأرمن)). لسنوات، كان الخطاب التركي الرسمي ينفي وقوع ( الهولوكوست الأرمني)، مستنداً الى النظرية التركية التقليدية القائلة: إن ما جرى للأرمن والمسيحيين المتمردين المدعومين من القوات الروسية يحصل خلال كل الحروب. لكن بعد التطورات والتحولات السياسية المهمة التي أصابت العالم منذ سقوط (الاتحاد السوفيتي) وانتهاء الحرب الباردة التي قللت من أهمية الدور التركي في حلف (الناتو) وحصول ارمينيا السوفيتية على استقلالها 1990، طرأ تحول مهم على الموقف التركي من هذه القضية وتجاوزت كل التحفظات السابقة. فقد بادرت الدولة التركية لفتح نقاش علني حر داخل تركيا حول مسألة المذابح، كما خطت الاوساط الاكاديمية التركية، الاكثر معارضة لوصف المجازر بأنها quot;ابادةquot;، خطوة أولى بهذا الاتجاه بعقدها في آذار الماضي مؤتمر عالمي في اسطنبول، حول العلاقات الأرمنية السريانية ومناقشة قضية المذابح. واللافت في هذه الحوارات ازدياد عدد الاتراك المطالبين بالاعتراف التركي بالابادة وبروز من يقر بوقوع (الإبادة) منهم الروائي (اروخان باموق) والمؤرخ ( خليل بركتاي) الذي وصف أحداث 1915 بالتطهير العرقي، وقال: كان يوجد (منظمات سرية) حكومية تركية، لتنفيذ سياسية التطهير العرقي المقررة، من قبل (أنور وطلعت وجمال) قادة الاتحاد والترقي... و أن (قرار الإبادة)، الذي اتخذ في 24/نيسان عام 1915، كان في أصله تطهيراً عرقياً، ولم تكن عمليات التطهير محصورة بمنطقة الحرب في شرق الأناضول فقط. وقد استخدموا في تنفيذ عمليات التطهير (الكتائب الحميدية) التي ضمت العديد من العشائر الكردية، لهذا يقول الاتراك: نحن لم نقتل... الأكراد هم الذين قتلوا، في حين الحقيقة أن الأكراد كانوا بإمرة العثمانيين. هذا وقت أثارت تصريحات( بركتاي)هذه، ردود فعل واسعة وسجالاً حامياً في شأن مسؤولية تركيا عن مذابح الأرمن ومدى قبولها في الاتحاد الأوربي. مما دفع برئيس الوزراء التركي (رجب طيب أردوغان) بتوجيه دعوة الى تشكيل لجنة من باحثين تاريخيين لتقصي الحقائق. ومن جانبه قال الرئيس الأرمني (روبرت كوتشاريان): في احياء الذكرى التسعين للابادة: ان الاعتراف الدولي بالابادة الجماعية وادانتها هدف يجب ألا تسعى اليه ارمينيا وحدها... ارمينيا مستعدة لإقامة علاقات طبيعية مع تركيا، لكن ليس قبل أن تعترف بمسؤوليتها عن ابادة الأرمن. وقد كثف الأرمن من حملتهم العالمية، مستفيدين من المناخات الإقليمية والدولية، لحمل تركيا على الاعتراف بمسؤوليتها التاريخية (السياسية والقانونية) عن (الهولوكوست الأرمني)، وبما يترتب على ذلك من حقوق وتعويضات. وقد نجح الأرمن حتى الآن في اقناع 12دولة أوربية بإصدار قانون يعترف بالابادة، منها: اليونان فرنسا سويسرا إنكلترا ودولة الفاتيكان. لا شك، رغبة العديد من الدول بعدم تعريض مصالحها الاقتصادية للخطر مع تركيا، يحول دون اعترافها بالمذبحة. ويركز الأرمن حملتهم اليوم تجاه امريكا مستفيدين من فتور العلاقة التركية الأمريكية لاستصدار قانون من الكونغرس الأمريكي يعترف بالابادة. ويفسر العديد من المراقبين: ذهاب تركيا بعيداً في علاقتها مع اسرائيل محاولة منها لمنع صدور مثل هذا القانون الأمريكي ولتخفيف من الضغوط الدولية عليها بسبب القضية الأرمنية، التي استمدت زخماً جديداً، بعد أن وضعت الدول الأوربية اعتراف تركيا بالمذابح واحترامها للديمقراطية وحقوق الأقليات شرطاً لقبولها في (الاتحاد الأوربي). وإن كان يشكك بعض المثقفين الأرمن (هرانت دينك، رئيس تحرير صحيفة (أغوس)الصادرة في تركيا باللغة الأرمنية) بالسياسة الأوربية، فهؤلاء لا يرون في موقف الدول الأوربية سوى (استثمار سياسي) لقضية المذابح لعرقلة دخول تركيا الاتحاد الأوربي وليس دفاعاً عن القضية الأرمنية. فهل ستحرم تركيا من دخول الاتحاد (الفردوس)الأوربي بسبب ذنوبها التاريخية بحق المسيحيين؟.

سوري آشوري مهتم بحقوق الأقليات
shosin@scs-net.org