في ضوء التحركات الأخيرة التي يقوم بها أعضاءquot;حماسquot; من المنتمين الى الحكومة الفلسطينية أو من المقيمين في الخارج ، بات ممكناً التساؤل هل تبحث quot;حماسquot; عن مخرج من المأزق الذي وصل اليه الوضع الفلسطيني أم أنها تعتقد أن كل شيء على ما يرام وأن أزالة أسرائيل من الوجود مسألة أيام أو أسابيع ليس ألا وأن الوقت يعمل لمصلحة الجانب الفلسطيني؟
يحسب من يستمع الى الخطاب الأخير للسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لquot;حماسquot; من دمشق والى تصريحات وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور محمود الزهّار في هذا البلد العربي أو ذاك، أن القوات الفلسطينية تطوق تل أبيب وان المطلوب أستسلام قادة الجيش الأسرائيلي الواحد تلو الآخر قبل فوات الأوان. أنهما يرسمان صورة غير حقيقية عن الوضع لا تتجاهل موازين القوى على الأرض فحسب، بل تخدم الأحتلال الأسرائيلي أيضاً. كيف ذلك؟ الجواب أنه عندما يحصل مثل هذا التصعيد الفلسطيني من دمشق ومن غير دمشق، لا يجد العالم ما يقوله سوى أن الفلسطينيين يسعون مرة أخرى الى خدمة المشروع الأستعماري الأسرائيلي المبني على سياسة أرييل شارون القائلة أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه.
ليس هناك من يستطيع أن ينكر أن أسرائيل لا تريد التفاوض مع الجانب الفلسطيني وأنها لا تعمل سوى على ترسيم حدودها من جانب واحد، ألا أن ما لا يمكن فهمه في أي شكل هو كيف يمكن لطرف فلسطيني توفير مبررات للموقف الأسرائيلي وجعل العالم يعتبر المجرم هو الضحية والضحية هي المجرم.
بعض الهدوء أكثر من ضروري في هذه المرحلة التي يحاول فيها مشعل تقليد بعض قياديي quot;حزب اللهquot; في لبنان فيما يتعمّد الزهّار في أحيان كثيرة تقديم أجوبة غامضة لا تفيد القضية الفلسطينية في شيء. على العكس من ذلك، لا بدّ من سياسة فلسطينية واضحة بغية أبلاغ العالم أن اسرائيل تريد التهرب من أستحقاقات السلام وأنها الطرف الذي يعتدي يومياً على الشعب الفلسطيني. أن الهدوء والوضوح أكثر من ضروريين لسبب في غاية البساطة هو أن الضفة الغربية ليست جنوب لبنان وأن أسرائيل لم تنسحب من الجنوب اللبناني الا لأنها تريد أن يقع الفلسطينيون في الفخ الذي نصبه لهم أيهود باراك في كامب ديفيد صيف العام 2000. لقد وقع ياسر عرفات،رحمه الله، في الفخ الأسرائيلي لأنه أعتقد أن أسرائيل ستنسحب من الضفة الغربية مثلما أنسحبت من جنوب لبنان. كان quot;أبوعمّارquot; يقول في مجالس خاصة أنه يكفي أن يسقط مئة أو مئتي قتيل أسرائيلي في الضفة الغربية حتى يحصل أنقلاب في أوساط الرأي العام الأسرائيلي وتبدأ التظاهرات المطالبة بالأنسحاب الكامل من الضفة على غرار ما حصل في جنوب لبنان... وكان الجالسون قربه يصفقون له للأسف الشديد، على الرغم من أقتناعهم بأنه مخطئ. وما يحصل حالياً بكل بساطة أن quot;حماسquot; تكرر الخطأ ذاته الذي دفع الشعب الفلسطيني ثمنه غالياً جدّاً.
أذا كانت هذه حسابات quot;حماسquot;،أقل ما يمكن قوله عندئذ أنها حسابات خاطئة ستكلف الشعب الفلسطيني مرّة أخرى الكثير. وأول ما ستكلفه هذه الحسابات خسارته الدعم الدولي لقضيته والأعتراف العالمي بها. هل يجوز أن يكون وزير الخارجية الفلسطيني الجديد غير مرغوب به في أي من العواصم الأوروبية الفاعلة؟ بالطبع لا نريد التحدث عن السياسة الأميركية الظالمة، ولكن ليس في الأمكان تجاهل أن الأنتصار الأول الذي حققه أرييل شارون على ياسر عرفات كان أغلاق أبواب البيت الأبيض في وجهه قبل وضعه في الأقامة الجبرية في رامالله ومنعه من التحرك في أرجاء العالم لمواجهة السياسة الأسرائيلية الهادفة الى تكريس الأحتلال.
ثمة حاجة الى بعض الواقعية في التعاطي مع المعطيات الدولية والأقليمية. وأذا كانت quot;حماسquot; تعتقد، أو على الأصح أذا كان في quot;حماسquot; من يعتقد أن الحركة غير قادرة على التعاطي مع الجوار والعالم، فأن أفضل خدمة تُقدم للشعب الفلسطيني هي أستقالة الحكومة الحالية وتشكيل أخرى تعمل على تنفيذ البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وليس البرنامج الذي تنادي به quot;حماسquot; والذي يطالب بأزالة أسرائيل من الوجود أحياناً أو بالأنسحاب الفوري من الضفة الغربية في أحيان أخرى وكأن الجانب الفلسطيني في وضع يسمح له بفرض شروطه في هذه المرحلة من دون دعم دولي. أن مثل هذا الأنسحاب لا يمكن أن يحصل من دون مفاوضات يرافقها ضغط دولي حقيقي على أسرائيل!
ليس في الأمكان ألغاء أربعين سنة من النضال السياسي الفلسطيني بواسطة خطاب يلقى من دمشق التي لا تطمح سوى الى عقد صفقة مع واشنطن تعيد لبنان الى تحت الوصاية السورية. يفترض في السيد مشعل وغير السيد مشعل مثل الدكتور الزهار الذي قال بالحرف الواحد أنه quot;ذاهب الى الخليج من أجل التفاوض مع الدول الأوروبيةquot;، العودة الى المنطق. والمنطق يقول أن هناك ظلماً لاحقاً بالشعب الفلسطيني وأن العالم لا يريد أن يفعل شيئاً حتى من أجل الفلسطينيين المنبطحين أمام أسرائيل، ومع ذلك ليس في مصلحة الجانب الفلسطيني التخلّي عن علاقاته الدولية وعن قنوات الأتصال مع أوروبا والولايات امتحدة خصوصاً. أن الأنجاز الأهم الذي حققه ياسر عرفات تمثل في وضع فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الأوسط. حرام ذبح القضية مرة أخرى عبر خطب لا علاقة لها بالواقع وعبر عمليات أنتحارية لا تخدم سوى أسرائيل وعبر تعمد الأساءة الى كل العرب الشرفاء الذين يريدون خدمة الشعب الفلسطيني وتفضيل أولئك الذين يريدون أستخدامه وقوداً في معارك لا علاقة له بها. هل تفهم quot;حماسquot; هذه اللغة... أم أنها مصممة على أرتكاب الخطأ نفسه الذي كلف الفلسطينيين الكثير. أنّه خطأ الأعتقاد أن الضفة الغربية مثل جنوب لبنان وأن لعبة السلاح ، وهي اللعبة المفضلة لدى أسرائيل، يمكن أن تؤدي الى أي نتيجة! ربما نسيتquot; حماسquot; أن المعركة الحقيقية مع المشروع الأسرائيلي تخاض في الضفّة الغربية وأن الأنسحاب من جنوب لبنان وبعده الأنسحاب من قطاع غزّة كانا من أجل الأمساك بالضفة لا أكثر ولا أقل. الهدف الأسرائيلي منع أقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، أي القضاء على حلّ الدولتين على أرض فلسطين. لماذا تساعد quot;حماسquot; في تنفيذ هذا المشروع من حيث تدري أو لا تدري؟ لماذا لا تستمع الى نصائح العقلاء من العرب، في الخليج خصوصاً، هؤلاء العرب الذين رفضوا الضغوط الأميركية وقدّموا مساعدات حقيقية الى الشعب الفلسطيني وأستمروا في تقديم المساعدات بعد تشكيل quot;حماسquot; لحكومتها؟ الم تصبّ هذه النصائح في أتجاه التروي والأمتناع عن المواقف الحماسية التي تساعد أسرائيل في الظهور في مظهر الضحية في حين أنها تمارس أسوأ أنواع الأرهاب الذي أسمه أرهاب الدولة!