قمت مؤخرا بزيارة لليمن في مهمة اعلامية.
التقيت خلال الزيارة بحاخام الطائفة اليهودية في اليمن واسمه يعيش.
كنت حريصا على لقاء الرجل. لعل السبب الابرز في ذلك هو رغبتي في معرفة كيف استطاع هذا الثمانيني التعايش وسط مجتمع اسلامي محافظ، بل وفي مناطق اصولية اسلامية هي اقصى التطرف، ان شئنا الدقة في التعبير.
ربما كان الرجل مناورا من الطراز الاول. وهو في أي حال يستحق التقدير والاحترام.
اولا، كونه اصر على البقاء في اليمن، وطنه الحقيقي، على حد قوله.
ثانيا، لأنه اعطى مثالا، ربما دون ان يقصد، الى قدرة الأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي والاسلامي على الصمود، وتحدي التطرف بكل اشكاله والوانه.
ثالثا، وهي النقطة الأهم، انه استطاع ان يثبت، دون ان ندرك نحن، امكانية التعايش بين العرب واليهود تحت اي ظرف كان.
كنت منذ طفولتي اسمع ان التعايش بين العرب واليهود أمر مستحيل. وان من يتحدث عن سلام ابدي بين الطرفين هو انسان يحلم.
انا اقول ان لقائي بحاخام الطائفة اليهودية اليمنية اكد لي ان الحلم قد يصبح حقيقة. فالتعايش بين العرب واليهود ممكن، بل واقرب الينا مما نتصور، وفي فلسطين ذاتها.
لكن ما يحول بيننا وبين هذا التعايش هم رجال السياسة اولا، ورجال الدين ثانيا، ولأسباب لا علاقة لها بالدين ولا بالمصلحة الوطنية في معظم الاحيان.
فالمؤسسة السياسية العربية تستثمر العداء لاسرائيل لصالح شرعية قراراتها ولو كانت خاطئة واستغلالية:
صدام حسين دخل الكويت بحجة اسرائيل.
ايران تهدد الخليج باسم اسرائيل.
سوريا تحتل لبنان باسم اسرائيل.
ولبنان ممزق باسم اسرائيل.
والمطر لا ينزل في صحراء الربع الخالي بسبب اسرائيل ايضا.
بالمثل استثمر رجال المؤسسة الدينية الوضع لصالحهم، لكنهم لم يجعلوا العداء لاسرائيل نفسها، وانما لليهود انفسهم. وهذا يدل على جهل فاضح في مؤسستنا الدينية.
فنحن نكره اسرائيل، لكننا لا نكره اليهود كشعب وأمة ودين.
اسرائيل كيان سياسي نحن في حرب معه، لكن اليهود هم بشر يؤمنون بالله وفق قناعاتهم التي لا يجوز لنا التجريح فيها او معاداتهم بسببها.
وضع كهذا لا يتفق ورغبات مؤسستنا الدينية، التي تستمد الكثير من نفوذها من صنع الاعداء لنا.
فكان من نتيجة ذلك ان نشأ فينا جيل جديد بنى قناعات لا تقبل الجدل. في حين انها جدلية بطبيعتها.
جيل جديد لم يعرف ان اليهود كانوا يعيشون بيننا في ود وسلام.
جيل لم يعرف ان اليهود كانوا مواطنين لولا ان دفعتهم اسائتنا الى الهرب الى اسرائيل والغرب.
جيل كبر وتربى على نصوص دينية تحل دم اليهودي دون سبب، ودون ان يجرؤ احد على مناقشة مصداقية تلك النصوص، او عقلانيتها.
لست اقول ان اسرائيل حمامة سلام، لكننا نحن ايضا ما عدنا تلك الحمامة. قطعا ما عدنا تلك الحمامة.
لست اعلم الى اين ستنتهي قصتنا مع اسرائيل، لكن السلام معها يصطدم بعقبة ما توارثناه سويا من افكار قديمة عن بعضنا، حان وقت ازاحة الغبار عنها. افكار قديمة جعلت من اليهودي شيطان يأكل حتى اطفالنا الصغار.
كم اتمنى ان اقضي اجازتي ذات يوم في بساتين يافا او شواطئ حيفا وإيلات، بعد ان نكون قد تخلصنا من كل احقادنا وكل اوهامنا التي علمونا اياها منذ الصغر، بأن التعايش مع اليهود أمر مستحيل.
يجب ان تنتهي الحرب التي لن يربحها احدنا، ويتوقف استغلال مؤسساتنا السياسية والدينية لقصة اسرائيل... فقد شبعنا من الاسلحة، وصلوات الموت والجنائز.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات