في الاحاديث الرسمية، وحتى الاحادث العامة بين الاصدقاء، نربط جميعا طموح ايران النووي مع تعاظم نفوذها الشيعي في المنطقة، من العراق وحتى كل دول الخليج العربي.
ونربط بالمثل ولاء الشيعة، كل الشيعة، في هذا الخليج بطهران.
في رأيي ان هذا اعتقاد خاطئ، فمرجعية الشيعة في العالم ليس طهران، بل العتبات الدينية في النجف وقم.
ولست اعتقد ان ولاء الشيعة في السعودية، او في جنوب العراق، او الكويت او البحرين هو لايران، وايران تعرف ذلك.
وهي ان كانت قد نجحت في كسب بعض التأييد من شيعة دول الخليج، فليس مرده ولاء هؤلاء الشيعة لايران، بل مرده تجاهلنا لهم. فقد نسينا انهم مواطنون ولهم نفس حقوقنا.
كما أن وصمهم بالرافضة، او حتى الخارجون عن الدين، لدى المتطرفين منا، قادهم الى التعاطف مع النجاح الايراني في تصدير الثورة الشيعية حتى جنوب لبنان واليمن ايضا.
هي ليست مشكلة ايران اذا، ولا هي مشكلة الشيعة في المنطقة، بل هي مشكلتنا نحن عندما عاملناهم كأقلية لا حقوق لها.
نحن من فصلنا الشيعة عن جسدنا، لا هم من تطلع الى الجسد الايراني.
من ناحية اخرى اقول أن ايران لا تحركها اطماع الثورة الشيعية فقط. وان كنت قد قلت سابقا أن لايران حلم دائم بتصدير ثورتها، الا ان البعد الديني ليس هو المحرك الاساسي للسياسة الايرانية في المنطقة، بقدر ما هو المحرك القومي الفارسي.
ايران قد تبقى صامتة لو عارضها أحد على مبدأ ولاية الفقيه. بل وقد تصمت ان تعرض رمز ديني لسوء او تحقير. لكنك لن تجد ايرانيا واحدا يصمت لو اطلقت على الخليج وصف العربي، لا الخليج الفارسي.
هو العمق القومي اذا لا العمق الديني.
ولما كان التاريخ الفارسي مع العرب، او التاريخ العربي مع الفرس، لا يتسم بالكثير من الود، فقد تغطت السياسية الايرانية بالعباءة الدينية الشيعية لتعطي تحركها في المنطقة صبغة روحية مقدسة.
قد اكون مخطئا في هكذا تحليل، لكنني اقول سواء اكان البعد الايراني يتحرك بسبب قومي فارسي، او بسبب ديني شيعي، فان المشكلة الحقيقية ليست في ايران، بل في دول الجوار النائمة عن حقوق الشيعة فيها.
لست ارى بأسا ان تتحرك ايران من منطلق فارسي، طالما عجز الزمن عن ان ينسيها اسطورة كسرى.
ولست ارى بأسا ان تتحرك من منطلق شيعي طالما ان الشيعة في العالم لا يرتبطون بالولاء لطهران.
لكني أرى بأسا كبيرا في تخبط الدول الخليجية أمام الجار القوي.
فهذه الدول ما تزال حتى اللحظة تصر على الربط بين ولاء ابنائها من الشيعة لايران، ما يعزز احساسها بالضعف.
كما ان دول الخليج ما تزال حتى اللحظة تنظر الى أميركا والغرب كمخلص لها من محنتها امام طهران.
ولن اكشف سرا لو قلت ان هناك رغبة حقيقية وعميقة في نفوس الخليجيين بأن يقوم الغرب بضربة لكسر شوكة ايران النووية، لكن الخليجيون خائفون عن التصريح بذلك.
بل ان الخليج كله خائف من ان يعلن حتى عن خوفه من ايران النووية.
هكذا نجد دول الخليج قد اخطأت اولا عندما همشت القوى الوطنية الشيعية على ارضها، ثم اخطأت مرة اخرى عندما أصرت على التهميش امام الزحف الايراني بغطاءه الديني. ثم همشت نفسها هي عندما أخذت تبحث عن حل من الخارج، يشد عضدها أمام ايران، بدل ان تلجأ الى الحل من داخل البيت.
التوسع الايراني في المنطقة سيستمر.
والتدخل الايراني في الشؤون العربية والخليجية سيستمر.
ونحن اليوم اكثر خوفا حتى من مجرد المطالبة باعادة الجزر الامارتية الى سيادة ابو ظبي. ولن استبعد ابدا ان تبدأ ايران بالمطالبة بجزر اخرى في المنطقة، طالما بقي الخليج حائرا بين اعلان خوفه من ايران، وانكار حقوق شيعته، واستجداء القوة من الآخرين.

[email protected]