في كل عاصمة عربية، تتزاحم الاصوات وتتشابك الأيدي على ابواب السفارات الغربية طلبا للحصول على تأشيرة سياحية مع موسم الصيف والسفر.
وقد وصف لي بعض الاصدقاء في السعودية معاناتهم للحصول على تأشيرة من احدى السفارات الاوروبية، وكيف يتحول الوضع احيانا، مع طول الانتظار، إلى سباب وشتائم ثم عراك.
واتخيل الوضع ذاته يتكرر مع بقية السفارات الاوروبية، ليس في السعودية وحدها، بل وفي كل بلد خليجي وعربي.
مع من يحق لنا ان نتعاطف؟
مع أهلنا الذين اصبحوا يسلقون تحت اشعة الشمس لساعات طويلة طلبا لتأشيرة يتمية، ام مع السفارات الغربية المليئة بالحذر والشك من كل عربي ومسلم؟
لا يمكن ان نلوم العرب الهاربين من لهيب الصيف الى حدائق اوروبا المليئة بالحرية والرحمة..
في المقابل، لا يمكن أن نتهم السفارات الغربية بالتعصب والعنصرية في معاملتها للعرب عندما تدفعهم الى الاصطفاف تحت لهيب الشمس بالساعات امام أبوابها، وتبدي الخوف من زيارتهم لأرضها.
لماذا؟
لأن كل انسان يتصرف حسب تجربته.
تجربتنا مع الغربيين الزائرين لبلداننا كانت ايجابية.
لكن تجربة الغربيين مع الزائرين منا لبلدانهم أتت مختلفة تماما.
الغربيون يأتون الى ارضنا بطلب منا لنستفيد من خبراتهم..
نحن نذهب الى ارضهم بلا طلب منهم لنفجر حضارتهم وعقيدتهم..
هم لم يروا الجانب الحضاري منا اذا.. بل الجانب البربري.
من حقهم ان يخافوا..
من حقهم ان يحذروا..
وليس من حقنا أن نغضب ان حافظوا على امنهم، او أن نتهمهم بالتعصب ضد المسلمين والعرب.
يجب ان نتفهم خوفهم منا.. ذاك الخوف الذي صنعناه نحن لهم.
فالغرب الذي نتعارك من اجل الحصول على تأشيرة لزيارته، هو نفسه الذي نلعنه في خطبنا وصلواتنا صبح مساء.
هو نفسه الذي يسرنا منظر قتلاه في العراق..
ومنظر قتلاه في الصومال..
ومنظر قتلاه حتى في عقر داره..
كيف ننتظر منه ان يفتح لنا ابوابه على مصراعية؟
لنصمت اذا.. ولا نشتكي.
صديق غاضب من انتظار ساعات طويلة امام سفارة غربية قال لي: لماذا لا يميز الغربيون بين الارهابي وغير الارهابي؟
لماذا لا يميزون بين المتطرف وغير المتطرف؟
لماذا لا يميزون بين الخطير والمسالم؟
انا اقول ان السبب في ذلك هو أننا نحن انفسنا لا نستطيع ان نميز بين من هو المتطرف فينا ومن هو المعتدل.
نحن انفسنا لا نعرف من هو الارهابي بيننا وغير الارهابي.
نحن لا نعرف حتى اين ينتهي الاعتدال وأين يبدأ التطرف.
فمن يراه الغرب يهدد أمنه، نراه نحن بطلا قوميا تنتظره حدائق السماء.
من يراه الغرب مجرما، نراه نحن استشهاديا صاحب رسالة.
من يراه الغرب عدوا، نراه نحن مجاهدا.
فوق ذلك اقول ان التطرف اصبح متلونا.. ومتعددا في اشكاله.
فما عاد المتطرف من يلتحي ويقصر الثوب.. بل قد يستتر التطرف وراء ثياب على الموضة وشكل على الموضة.
ليس من باب التخفي او التواري، بل من باب ان معظمنا، حتى المتحررون منا، يحمل بشكل او بآخر نظرة سلبية الى الغرب.
فنحن من ناحية نعشق الحياة الغربية، ونكره من ناحية اخرى السياسة الغربية.
هذه النظرة المنفصمة الشخصية، تجعل الغرب في افضل الاحوال حائرا، وحذرا من كل واحد فينا.
من أجل ذلك هو خائف منا..
من اجل ذلك هو حذر منا..
ومن اجل ذلك هو لا يميز بيننا على اختلاف مستواياتنا، وتلك ميزة لا ينبغي ان نغضب منها، ان نصبح ولو مرة واحدة في حياتنا على قدم المساواة مع غيرنا من ابناء الوطن الواحد.
[email protected]