الحرب الحالية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وعموم الأراضي اللبنانية، كشفت بشكل واضح لا لبس فيه أن النظامين السوري والإيراني يعيشان على أزمات المنطقة، عبر تغذيتها بالكلام الكاذب الذي يؤجج عواطف الجماهير والمنظمات المقاتلة، وعندما يجد الجد يهرب النظامان لنفس أساليب الكلام الخطابي الذي لا يمكن وصفه إلا أنه كذب وخداع. وذلك لاعتقادهما أن افتعال هذه الأزمات من شأنه أن ينسي القوى العظمى في العالم مسألة التحقيق الدولي في اغتيال الحريري المتهم فيه النظام السوري،خاصة بعد المعلومات التي أدلى بها عبد الحليم خدام الذي انشق عن النظام، ومسألة الملف النووي الإيراني المحتمل إحالته لمجلس الأمن الدولي.

قبل أسابيع قليلة، كاد خالد مشعل من دمشق أن يشعل فتنة حارقة في مناطق السلطة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، بسبب تصريحاته الخطابية الانفعالية ضد السلطة الفلسطينية وقيادة فتح التي اتهمها بالخيانة والعمالة. ولا يفهم أي عاقل ومطلع أن خالد مشعل يتحرك بدون أوامر وتوجيهات سورية تخدم مصلحة النظام أولا وأخيرا، بدليل أنه قبل فترة قصيرة أجبروه على مغادرة سورية وإعلانه أنه لا توجد مكاتب لحركة حماس في دمشق، ولم يعد إلى دمشق إلا بعد اغتيال الحريري وخروج الجيش السوري مرغما من لبنان بفعل التظاهرات اللبنانية والضغوط الدولية. ثم جاءت العملية الفدائية التي أسفرت عن قتل عدد من العسكريين الإسرائيليين وأسر واحد منهم، فأشعلتها إسرائيل حربا حارقة في قطاع غزة مدمرة ما لا يتخيله العقل، بسبب أسير إسرائيلي واحد، متناسية - أي إسرائيل ndash; أن في سجونها حوالي تسعة ألاف أسير فلسطيني، انضم إليهم خلال هذه الحرب حوالي سبعين وزيرا وعضو مجلس تشريعي فلسطيني. وتدخلت الوساطة المصرية عبر جولات مكوكية إلى غزة، وفجأة توقفت الوساطة وأعلن الرئيس المصري حسني مبارك شخصيا، أن الوساطة توصلت إلى إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي مقابل عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، وفجأة تدخلت عوامل خارجية عطلت الصفقة، دون أن يسمّي هذه العوامل الخارجية. فهل يمكن الإشارة إلى خالد مشعل والنظام السوري خاصة بعد تصريحات مشعل النارية من دمشق، وتزايد الحديث عن حماس الداخل بزعامة إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني وحماس الخارج بزعامة خالد مشعل، وأن الجناح العسكري لحماس يتلقى أوامره من خالد مشعل. وعبر كل هذه التطورات لم تتوقف بيانات النظام السوري الداعمة للمقاومة الفلسطينية بالكلام والبيانات فقط كعادة هذا النظام، مستغلا حتى الأمور الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، فقبل شهور قليلة أعلن النظام أثناء زيارة وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار، عن فتح حدوده للاجئين الفلسطينيين العالقين على الحدود العراقية والقادمين من العراق، وأدخل فعلا حوالي تسعين لاجئا ثم أقفل الحدود نهائيا، وما زال المئات عالقين على الحدود السورية العراقية. لقد استغل النظام معاناتهم لبعض الوقت عبر تصريحات فلسطينية مثمنة لدوره القومي الإنساني ثم عاد لدوره الطبيعي المعروف عنه.

ثم جاءت الحرب الإسرائيلية المدمرة للبنان بعد أسر حزب الله جنديين إسرائيليين، فارتفعت موجة البيانات السورية المتضامنة مع لبنان. رئيس مجلس الشعب السوري يهاتف نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني معلنا عن تضامن القطر العربي السوري ، و بشار الأسد يتصل بإميل لحود معلنا عن تضامن سورية الكامل ووضعها كافة إمكانياتها تحت تصرف لبنان. بالضبط هكذا قال بشار الأسد...كافة إمكانيات سورية...لا أدري هل يقصد بما فيها الإمكانيات العسكرية؟. وقد ضربت إسرائيل العديد من المرافق اللبنانية الحيوية بما فيها المطارات والموانىء والطرق الرئيسية بما فيها القريبة والموصلة لسورية، ويأتي البيان السوري معلنا أن إسرائيل لم تضرب أهدافا داخل الأراضي السورية...وأين مبادىء الحزب القومية؟ لماذا لا يدافع عن أرض الشقيقة لبنان؟. أليس في عرف الحزب أن ( بلاد العرب أوطاني ). إن من لا يدافع عن وطنه سورية لن يدافع عن لبنان . إن من تحلق الطائرات الإسرائيلية فوق قصره الجمهوري.. وتضرب قرية عين الصاحب القريبة من دمشق وتعود سالمة، لا يستطيع إطلاق رصاصة واحدة على العدو، بدليل ولا رصاصة في الجولان المحتل منذ عام 1967 . إنه رصاص البيانات الكاذبة الذي نقلها النظام لاجتماعات وزراء الخارجية العرب في القاهرة أمس، إذ طالب وليد المعلم وزير خارجية النظام السوري، بإعلان وزراء الخارجية العرب دعمهم لحماس وحزب الله، فردّ عليه سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، بأن هذه (رغبات شيطانية ) فسكت وليد المعلم متأسفا أنه يسمع ذلك، في حين لو أن هذا الكلام صدر عن وزير خارجية دولة عربية أخرى، ممن يستأسد عليها النظام السوري لسمعنا ردود المعلم الثورية الشتائمية، ولكن لأنها المملكة السعودية فلم يتفوه بكلمة واحدة خاصة أن السياسة السعودية كانت في منتهى الجرأة والصراحة قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب، عندما انتقدت بوضوح وشدة مغامرة حزب الله غير المدروسة، وها هم اللبنانيون يعيشون دمار وخراب هذه المغامرة.

من حق الشعوب كافة أن تقاوم الاحتلال والمحتلين بكل ما يملكون من وسائل، والأسير الإسرائيلي ليس أغلى من ألاف الأسرى الفلسطينيين والعرب، ولكن من حق البعض أن يتساءل: هل كانت عملية حزب الله انتصارا للمقاومة الفلسطينية؟. وإذا كان ذلك فما هي أوجه الانتصار التي حققتها هذه العملية غير الخراب والدمار الشامل في لبنان إلى درجة إعلان فؤاد السنيورة لبنان بلدا منكوبا!. ونفس الدور الكلامي العبثي للنظام السوري، يمارسه بامتياز نظام الملالي الإيراني من خلال المهرج أحمد نجادي، فهو منذ توليه السلطة يكرر اسبوعيا وفي كل المناسبات، مسألة تدمير إسرائيل ومحوها من خارطة العالم، وعندما يحين الجد يسكت خوفا وجبنا، فهاهي غزة ولبنان يحترقان ويدمران، فأين صواريخ طهران عابرة القارات؟. والمضحك أنه منذ يومين صرّح نفس المهرج الإيراني: ( إن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي إن تعرضت سورية لاعتداءات إسرائيلية ). ما الفرق بين سورية ولبنان؟. الفرق هو أن المهرج يبيع كلاما للمغفلين فقط، فهو يعرف تماما أن إسرائيل لن تستهدف سورية، وقد أعلنها أمس صراحة الناطق الحكومي الإسرائيلي، فلماذا تستهدفها طالما نظامها ساكت سكوت الموتى على احتلال الجولان وتدمير لبنان الذي خرج منه مرغما. وفي الوقت ذاته يعطي إسرائيل مبررا قانونيا في استمرار احتلالها لمزارع شبعا، من خلال رفضه الاعتراف بلبنانية المزارع وبالتالي فهي في عرف إسرائيل كالجولان السوري المحتل. ولكن لو تجرأ النظام واعترف بعائدية مزارع شبعا للدولة اللبنانية لأصبح من حق لبنان المطالبة دوليا بالانسحاب منها وبحق أية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي فيها.

الاحتلال مرفوض ومقاومته شرعية ، وهذا لا يمنع فضح مواقف النظامين السوري والإيراني.... فهي مجرد كذب وخداع....وبيع بيانات التأييد الكلامية التي لا تجلب الضرر للنظامين ولا المنفعة للمتضامنين معهم، وفي الداخل قمع لا مثيل له لشعبيهما، قمع لا يستثني أحدا !!. وبالتالي لا يصدق هذين النظامين إلا مغفل جاهل أو بائع كلام وبيانات مثلهم.

[email protected]