السّيّد حسن نصر الله بعد معارك تحرير الجنوب كان يمكن أن يذكره التّاريخ كأحد الزّعماء العرب الذين قاوموا الاحتلال في أوطانهم، لو أنّه اكتفى بدحر الاحتلال وانكفأ يساهم في تنمية لبنان ووضع قواعد جديدة لديمقراطيّة توافقيّة. ولكن في هذا الزّمن العربيّ الرّديء لا يسلم أحد من وباء التّشوّه المتفشّي في دنيا العرب.
إنّ حزبا يؤسّس من قبل الملالي، ويسمّى باسم اللّه هو كارثة في حدّ ذاته. وكان يمكن أن نتفهّم هذه التّسمية لو أنّه حلّ نفسه بعد تحرير الجنوب، واختار اسما دنيويّا للانخراط في دنيا السّياسة. ذلك أنّ كثيرا من حركات التّحرير في الوطن العربيّ كانت تتنادى للقتال من أجل التّحرير باسم الجهاد في سبيل اللّه، بسبب ضعف فكرة الوطن والمواطنة، ووجود هذه المنطقة خارج نطاق التّحديث، بحيث لا توجد في جعبتها عير ذلك الموروث القروسطيّ الذي يعينها على أدلجة مراميها، ويوحّد قبائلها وطوائفها المتناحرة في مواجهة أيّ عدوان خارجيّ.
ولكنّ هذا الحزب كان يقاتل في جنوب لبنان باسم اللّبنانيّين وبدمائهم من أجل أن ينتزع الرّأسمال الرّمزيّ للنّضال البطوليّ التّحريريّ، ومن أجل أن يوظّفه في خدمة نظام إيران ونظام سوريا القمعيّ. هذا ما كشفته الأحداث اللاّحقة، وإنّ العمليّة الأخيرة التي قام بها هذا الحزب أكبر دليل على ذلك.
إنّ السّيّد نصر اللّه وحزبه قد باعا نفسيهما ودماء مواطنيهم ووهج النّصر الذي تحقّق على إسرائيل لقوى إقليميّة آيلة للسّقوط المادّيّّ بعد أن سقطت أخلاقيّا ومنذ زمن بعيد. يؤسفنا أن دماء هؤلاء الشّهداء، بمن فيهم نجل السّيّد نصر اللّه تذهب كلّها لتسديد فاتورة ملالي إيران الرّبوبّة. يؤسفنا أن تقايض أرواح كلّ أولئك الشّباب من أجل إرضاء حكّام دمشق الذين كبّلوا شعبهم ومنعوه من المقاومة وجنّدوا شباب لبنان لكي يقاوموا بالوكالة، ويخوضوا حروبا لمصلحة نظام مات وتعفّن وإنّما تأخّرت فقط مواراته في التّراب.
إنّ السّيّد حسين نصر اللّه قد ثمل من النّصر الذي تحقّق في ذلك الزّمان الجميل، فظنّ نفسه أنّه ليس قائدا لميليشيا بل زعيم لأمّة عظيمة، ويكفي أن تراه يخطب في الجماهير المستلبة بفعل إيديولوجيا فارغة، وبقوّة الجراية الإيرانيّة الجزيلة، حتّى تظنّ أنّه يمتلك الأساطيل في كلّ بحار الأرض، وأنّه يقود جيشا قادرا على إلحاق الهزيمة بكلّ الأمم.
لقد نسي أو تناسى أهله في لبنان، أهله الذين فرّقتهم الحرب الأهليّة وأنهكتهم الصّراعات التي فرضت عليهم بحكم الجغرافيا، فهم لا يطمحون إلاّ في العيش بسلام وفي تنمية مستديمة تعيد إليهم آدميتهم وتحفظهم من الهجرة، وتحميهم من إذلال الدّيون الخارجيّة التي تكبّل مستقبلهم.
السّيّد حسين نصر اللّه وميليشيته لهم علم ليس بعلم لبنان، ولهم نشيد وطنيّ ليس بنشيد لبنان، ولهم أهداف ومصالح ليست بأهداف ومصالح لبنان، ولهم ترسانة من الأسلحة لا تستعمل من أجل لبنان، وليست لهم تحالفات إلاّ مع أعداء لبنان.
فماذا بقي من السيّد حسين نصر اللّه وميليشيته؟ إنّه مثل القذى في عين لبنان المتقرّحة.
لنتأمّل ما يفعله السّيّد وميليشيته. إنّه كان دوما المدافع عن الوجود السّوريّ في لبنان رغم أنّه وكلّ العرب يعرفون أنّ هذا الوجود كان للهيمنة على الشّعب اللّبنانيّ، وأنّه كان يحمي عصابات المافيا النّظاميّة لسرقة مقدرات هذا الشّعب المنكوب بعد أن سرقت مقدرات الشّعب السّوريّ المغلوب على أمره.
إنّ السّيّد وميلشيته جاهز دوما لتمزيق أيّ فرصة أو بارقة أمل في السّلام داخل الأرض المحتلّة بعد أن وجد وبالمال الإيرانيّ ميليشيات أخرى كحماس التي ترفع علم حزب اللّه باعتباره علم الأمميّة الإرهابيّة، ولا تعترف بالرّاية الفلسطينيّة التي تمثّل كلّ تضحيات الشّعب الفلسطينيّ على مرّ الأجيال.
إنّ السّيّد ومليشيته يهدّد الإعلام وحرّيّة الفكر في لبنان، ويخرج من جلبابه الآلاف للتّظاهر والتّخريب لسبب وحيد هو أنّ محطّة فضائيّة تناولته بشيء من السّخرية كما تناولت غيره من زعماء لبنان. لأنّ السّيّد فوق النّقد، لأنّه في مصافّ القدّيسين والأنبياء. ولتذهب أعراف الصّحافة وتقاليدها إلى الجحيم ما دام السّيّد يمسك بمفاتيح الفردوس.
إنّه لا يعترف بحكومة لبنان، ولذلك ينازعها أهمّ مقوّمات الدّولة الحديثة، وهي احتكارها القوّة واستخدامها حسب قوانينها الدّاخليّة ومعاهداتها الخارجيّة، لذلك فإنّه وميليشيته لا يطولهم القانون، كما أنّهم انتزعوا سيطرة الدّولة على حدودها ومنعوا الجيش اللّبنانيّ من حماية حدود الدّولة.
إنّ الدّولة اللّبنانيّة اليوم بفضل السيّد وميليشيته هي دولة ناقصة، لا تتمتّع بسيادة كاملة لأنّ جزءا من هذه الأرض، وأخطر حدود هذه الأرض تحت سيطرة السّيّد.
وبكلمات قليلة، يمكن أن نقول إنّ السّيّد حرّر الجنوب ليحتلّ كامل التّراب اللّبنانيّ، ودحر جيشا غازيا ليخرّب لبنان بكامله.
والآن ما العمل يا سيّد؟ لقد قمت بخطف جنديّين إسرائيليّين من أجل تحرير بضعة أسرى في الحدود الإسرائيليّة. هل تساءلت ما هو ثمن هذه المغامرة؟ هل سألت اللّبنانيّين عن رأيهم وهم يرون أنّ صناعة السّياحة تنهار بالكامل تاركة حشودا من العاطلين وعددا مهولا من الشّركات المفلسة؟ هل سألت هذه الحكومة التي تشارك فيها وتحتقرها كيف يمكن أن تظهر في المحافل الدّوليّة عند هجومك العظيم وبعد غنيمتك المكلفة؟ هل سألت دافعي الضّرائب اللّبنانيّين هل هم راضون بأن يروا الأموال التي دفعوها في سنوات قد تلاشت في بضعة لحظات ضربت فيها البنى التّحتيّة اللّبنانيّة؟ وأخيرا هل سألت الأسرى إن كانوا يريدون الخروج من معتقلاتهم بهذه الكلفة المرتفعة من الدّماء والأرواح؟ هل هؤلاء الذين تريد أن تفرج عنهم قادرون على أن يحتضنوا أهلهم ويرقصوا معك رقصة النّصر في بركة من الدّماء والأشلاء البريئة؟