بسم الله الرحمن الرحيم
أولا: - فى سبيل الجاز..!!
أهوال الحرب الدائرة الآن بين حزب الله واسرائيل تؤرق كل محب للسلام، خصوصا مع هذا التدمير الهائل للأرض اللبنانية ومصرع العشرات من المدنيين اللبنانيين البسطاء ومن الأطفال والنساء. وبدلا من الشجب و التنديد والصراخ نتوقف قليلا للتفكير فيما يحدث.
1 ـ القراءة الأولى لحرب حزب الله مع اسرائيل
تؤكد القراءة الأولى المحلية لهذه الحرب بين حزب الله و حماس وأخواتها فى جانب واسرائيل فى الجانب الآخر، أنها حرب بين إرادتين. ومشكلة هذه الحرب القائمة على الارادة والعقيدة أنها لا تنتهى بهزيمة طرف فيها، لإن الطرف الضعيف فيها تأبى عليه إرادته الاستسلام، لذا يستخدم ثقافة الموت (الانتحار أو الاستشهاد) يحول بها شعبه الى جنود أو ميليشيات تستهدف الأخر ليعوض قصوره الحربى فى مواجهة الخصم الأقوى، وفى نفس الوقت فأن الخصم الأقوى المتشبث بالحياة لا يسمح لنفسه بالهزيمة مهما كلفه الأمر، وبالتالى لا يضرب إلا بقسوة بقصد الرعب والترهيب وحتى يوفر لنفسه وشعبه الاحساس بالأمن. وهكذا تستمر طاحونة الحرب لا تهدأ حينا إلا لتندلع تلتهم المدنيين قبل العسكر، وبالتالى لا يمكن حلها إلا بإرادة أقوى من المجتمع الدولى، على أن تعزز هذه الإرادة الأقوى بقدرة حازمة على الفعل والإلزام.
وهذا هو المستحيل بعينه. لأنها ليست حربا محلية بل هى حرب أقليمية دولية فى سبيل السيطرة على البترول أو حرب فى سبيل الجاز.
2 ـ فى سبيل الجاز بادر الرئيس بوش باحتلال العراق
وذلك لقطع الطريق على كل الطامعين فى مناجم البترول فى المنطقة خصوصا روسيا، وحتى يستنفذ فى حرب العراق الرصيد الأمريكى المتراكم من أسلحة لم تعد تلائم العصر، وحتى يستخدم فيه أسلحة أخرى تناسب العصر، وحتى تدور المصانع الحربية الأمريكية، وماكينة شركاتها التى ستقوم بإعادة إعمار العراق بعد أن تقوم أسلحتها بتخريبه. البترول العراقى والبترول العربى عليه أن يسدد فاتورة الاحتلال الأمريكى للعراق.
من وجهة نظر الادارة الأمريكية سيستفيد العراقيون الخلاص من صدام ويتمتعون بديمقراطية يدفعون فاتورتها من بترولهم.
من المنتظر وفقا للتصور الأمريكى أن النجاح فى القضاء على صدام وإقامة ديمقراطية فى العراق سيجعل النظم المستبدة الأخرى أكثر طاعة لتلبية الأوامر ألأمريكية حتى تؤجل تطبيق الديمقراطية بأى طريقة، وهنا يمكن إجراء المزيد من صفقات السلاح الأمريكى المتراكم لكى يعاد تخزينه فى الدول العربية البترولية دون استعمال، وتدور اللعبة(البترول السلاح الدولار) لصالح القوة الأمريكية العظمى.
كان من أهداف أمريكا أيضا تأكيد وجودها على مقربة من مناجم أخرى للبترول فيما كان يسمى سابقا بجمهوريات الاتحاد السوفيتى ومراقبة التحرك الروسى جنوبا وحصار التحرك الايرانى من الجهات الأربع.
غرق المشروع الأمريكى فى المستنقع العراقى فقدم هدية ثمينة لايران.
3 ـ إيران من ناحيتها ترى أنها الأحق بالجاز العربى
من وجهة نظر إيران فالخليج العربى إسمه عالميا وفارسيا (الخليج الفارسى) والإيرانيون يشكلون نسبة من السكان فى إمارات الخليج العربية البترولية، والشيعة العرب أغلبية سكانية فى أغلب دول الخليج الصغيرة، والمنطقة الشرقية فى السعودية هى منبع البترول وموطن الشيعة. وكل الشيعة يعانون من الاضطهاد بدرجات مختلفة. وإذا كان العرب السنيون قد خضعوا لقوة غربية مسيحية تسيطر على بترولهم فإن ايران القوية المسلمة هى الأولى من أمريكا بالسيطرة على ذلك البترول والدول الحاكمة فى المنطقة.
إيران الشيعية الآرية لا تنسى ما فعله بها العرب السنة فى عصور الخلافة وفى العصر الحديث، كما لا تنسى ما فعله بها صدام باسم العروبة فى حربه غير المبررة، وإذا كان التاريخ جزءا من العقيدة الشيعية الايرانية فإن الحكام العرب السنة المعاصرين الآن هم استمرار لأبى بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص، أى شياطين تمثل آلهة الظلام والشر فى الفكر الشيعى وعقائد الدولة الدينية الشيعية فى ايران. وكل ما عاناه الايرانيون الفرس قديما وحديثا منذ الفتح العربى الذى أسقط الامبراطورية الكسروية حتى اضطهاد الشيعة فى الددول السنية لا يعادله كل بترول العرب، فكيف إذا كان هذا البترول ـ من وجهة نظر إيران ـ من حق الشيعة أصلا؟
إذن فالسيطرة على منابع البترول حول الخليج (الفارسى) هدف ايرانى تعززه أيضا وجهات نظر سياسية. فهذا البترول أعطى قوة لنظم الحكم السنية على حساب الشيعة، وهو الذى جلب أمريكا لتهدد إيران ونفوذها الاقليمى. وبالسيطرة على منابع البترول فى الخليج (العربى سابقا) ستتحول ايران من قوة اقليمية الى قوة عالمية تستطيع تحقيق أملها الأكبر فى إقامة خلافة شيعية تسيطر على كل العالم الاسلامى وتتزعمه فى مواجهة الغرب، وتستطيع تحت شعار التقريب بين المذاهب الاسلامية أن تحول السنيين الى التشيع رويدا رويدا، خصوصا وأن معظم المسلمين صوفية بالمعتقد، وسنيون فى المذهب و إقامة الشعائر فحسب، وأنهم يشتركون مع الشيعة فى توقير وتقديس آل البيت، غاية ما هنالك أنه يبقى عليهم لكى يتشيعوا تكفير أبى بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو والزبير وطلحة وأبى هريرة..الخ.
4 ـ والظروف متاحة الآن للتحرك الايرانى.
فأنظمة الحكم العربية السنية ضعيفة ومعزولة عن شعوبها، وعاجزة عن إحداث فعل إيجابى بالاصلاح أو فى مواجهة الصراع الفلسطينى الاسرائيلى، وهى بتبعيتها لأمريكا أصبحت مشاركة فى كل لعنة تتنزل على السياسة الأمريكية من الجماهير العربية الساخطة.
والفشل الأمريكى فى العراق جعل ايران اللاعب الحقيقى فى العراق بنفسها ومن خلال سوريا أيضا.
والصراع الدائر بين اسرائيل والعرب فى فلسطين ولبنان أتاح لها فرصة الزعامة الراديكالية لكل المتحمسين لازالة اسرائيل من الوجود، كما جعل إمتدادها السياسى يصل الى العمق الاسرائيلى من خلال علاقتها بحماس وغيرها، ثم مخلبها الحاد (حزب الله) الذى تغرسه كيفما شاءت فى جنب اسرائيل. ثم لا ننسى سوريا بنظامها العلوى النصيرى الشيعى، وهكذا بالتحالف مع سوريا وحماس وحزب الله ووجود الشيعة فى السعودية ومصر ودول الخليج تستطيع الدولة الدينية الايرانية أن تمهد لاسقاط النظم العربية القائمة حاليا والتى تعانى أصلا من اهتزازات حقيقية ترجح قرب نهايتها، ولا تريد ايران أن تخرج من المولد القادم وتغيير الخريطة السياسية بلا فائدة. لا بد أن تأخذ خليج (الجاز) قبل أن يأخذه السنيون المتشددون الساعون للحكم بدءا من أبناء لادن الى الاخوان أو(الأشقاء) المسلمون وتنظيماتهم السرية والعلنية.
5 ـ مشكلة التحرك الايرانى
امريكا بغرقها فى مستنقع العراق لن ترضى أن تغرق عسكريا فى مستنقع ايران. ستتحول معركتها ضد ايران الى المحافل الدولية ومجلس الأمن وتأليب أوربا وقادة العالم. وهذه النوعية من الحرب السياسية الدبلوماسية مجرد كلام وبدلات سفر وموائد عشاء للدبلوماسيين الايرانيين، تعطيهم الكثير من الدعاية والانتشار العالمى، وتجعل العقيد القذافى المغرم بظهور إسمه فى الأخبار العالمية يموت غيظا وكمدا، وإغاظة العقيد العتيد هو مطلب ايرانى على كل حال بعد أن خيّب آمال الايرانيين وخضع لأمريكا وألقى مشروعه الذرى هدية لها.
العدو القوى الذى يواجه ايران فى المنطق والذى ينازعها فى السيطرة الاقليمية هو اسرائيل.
هبط حسنى مبارك بمصر ودورها الاقليمى والعربى والاسلامى الى حضيض التهميش، وهبط العرب مع مصر الى قاع العجز عن الفعل و العجز حتى عن رد الفعل، بينما ولت تركيا وجهها صوب الاتحاد الأوربى ترجوه ان تنضم اليها تاركة الشرق الأوسط بمتاعبه ومشاكله. بهذا خلت الساحة لاسرائيل و ايران ؛ كلاهما إحتكر الفعل ورد الفعل، وكلاهما يتنازعان على السيطرة على الشرق الأوسط.
إسرائيل تتمتع بجيش يتدرب فى قتال يومى تزداد به خبرته وكفاءته القتالية دون حاجة الى مناورات. وفوق ذلك لديه القنبلة النووية والذراع القوية التى تشكل خطرا على ايران ومشروعها النووى، وقد سبق وهددت اسرائيل بضرب ايران وتحطيم أملها فى بناء قوة نووية.
6 ـ وكيفية الحل
إيران يمكن لجيشها أن يكون أقوى عددا ولكن لا بد لها أن تصبح قوة ذرية لترهب اسرائيل والعرب والغرب، حيث يعلم أعداؤها أن لديها مخزونا من الفتاوى الجاهزة يبيح لها أن تستعمل القوة النووية عند الضرورة، وقادتها هم أنفسهم مرجعيتها الدينية، ولا معقب لكلامهم.
وإذا كان الجيش الايرانى قد هجر مواقع القتال منذ انتهاء الحرب مع صدام فإن من الضرورى ان تتدرب بعض وحداته فى بعثات حرب حقيقية ضمن حزب الله، وفى هذه المعارك يمكن تجربة الصواريخ الايرانية بدلا من مناورات عسكرية فى الهواء الطلق.
ومن الطبيعى أن تقف أمريكا بكل قوتها ضد التخصيب النووى الايرانى وإنتاج ايران لقنبلتها النووية. ولقد ماطلت ايران بكل ما استطاعت حتى وصل صبر قادة العالم الى نقطة الصفر، فاجتمع قادة العالم فى بتسربرج لاتخاذ قرار موحد ضد ايران. وكان لا بد من قلب منضدة هذا الاجتماع على رءوس المجتمعين، فكان إشعال الحرب فى غزة وفى الحدود اللبنانية الاسرائيلية.
7 ـ هذه الحرب تحقق لايرن كل ما تريده الآن.
فقد توارى الملف النووى الايرانى مؤقتا الى الظل وطغى على قادة الدول الثمانية مشكلة الحرب المستعرة فى لبنان وفلسطين، والخسائر العالية ماديا وبشريا هنا وهناك. وأتيح لايران وقت ثمين لتنتهى فيه من خطتها النووية وتخرج من عنق الزجاجة ولا يصبح فى إمكان أمريكا والعالم بعدها وقف صرحها النووى. والى أن تفيق إسرائيل من حربها على جبهتين فى لبنان وفلسطين ربما سيكون السلاح النووى الايران على وشك الاكتمال.
والمعركة المفتوحة ستعطى فرصة للكوادر الايرانية أن تتدرب وتثقف نفسها حربيا فى حرب أبعد ما تكون عن الوطن الفارسى وأقرب ما تكون للأحشاء الاسرائيلية. والنزيف البشرى لهذه الحرب والخراب الدموى يتكلفه الآخر ؛ العربى والاسرائيلى، وحتى لو كان من بينهم عرب شيعة فلا بأس بذلك فهم فى الجنة شهداء يتمتعون بالحور العين حسبما يراه أئمة طهران.
وتلك الحرب التى يخوضها حزب الله (نيابة عن الأمة) كما قال الشيخ حسن نصر الله إذا طالت فستعرض الأنظمة العربية لخطر ثورات شعبية قادمة، فاسرائيل ترد بعنف والصرعى من المدنيين سيزدادون، وسيزداد أكثر منه عجز الأنظمة العربية، وسيزداد أكثر من هذا وذاك غضب الشارع العربى، وإذا قابل البوليس العربى تلك المظاهرات المحتجة بالقوة سينفجر الغضب الشعبى ساخطا مدمرا، إذ كيف تعجز الأنظمة العربية عن مواجهة اسرائيل ولا تنجح إلا فى ضرب مواطنيها ؟ وستكون تلك هى هدية ايران للحكام السنيين.
8 ـ وإذا تأملت بداية إشتعال الحرب وجدت التخطيط الايرانى ظاهرا للعيان.
كلما توصلت منظمة التحرير الفلسطينية ثم السلطة الفلسطينية الى إتفاق مع اسرائيل بادرت حماس بعملية عسكرية تنسف كل شىء وتعيق الوصول الى حل معتدل مقبول حتى يظل الجرح الفلسطينى نازفا لصالح السياسة الايرانية. حماس كانت تفعل هذا قبل وصولها للسلطة ثم فعلته وهى فى السلطة بخطف جندى اسرائيلى فى وقت غير مناسب على الاطلاق لها، إلا إذا كانت تلبى أمرا ايرانيا يريد تفجير الوضع.
إسرائيل لا بد أن ترد، وهنا سارع الرئيس الايران نجاد الى استنهاض همم المسلمين ضد اسرائيل ليعطى مناخا ملائما لتحرك حزب الله. وتحرك حزب الله فهاجم دبابة اسرائيلية فقتل من قتل وأسر جنديين. وبهذا إشتعلت المعركة بالضبط كما أراد لها شيوخ ايران.وحتى الآن حققت الحرب ما تريده ايران بالضبط. وقد تتوقف الحرب حينا ولكن ستواصل الاشتعال بالريموت كنترول الايرانى لتحقق ايران المزيد من المكاسب، وفى النهاية ستتربع ايران على خرائب الشرق الأوسط فوق جماجم مئات الألوف من المدنيين العرب وبعض الألوف من الاسرائيليين.
9ـ هل هناك حل ؟
نعم:
* أن تعيد اسرائيل مزارع شبعا الى لبنان، وان تعيد الجولان الى سوريا مقابل معاهدات سلام وعدم اعتداء بين اسرائيل وسوريا وبين اسرائيل ولبنان، وان يتم نزع سلاح حزب الله ليكون مجرد حزب سياسى مثل بقية الأحزاب اللبنانية، وتعود سيطرة الدولة اللبنانية على كامل ترابها الوطنى متحكمة وحدها فى السلاح اللبنانى والقرار اللبنانى.
* ان يتم نزع سلاح الفصائل الفلسطينية فى لبنان وفى حماس وغيرها ليكون السلاح فى يد السلطة الفلسطينة وحدها، مقابل إقامة دولة فلسطينية حقيقية وديمقراطية فى غزة والضفة، وتقوم هذه الدولة بمفاوضات الوضع النهائى مع اسرائيل.
* إقامة حركة اصلاحية ديمقراطية فى الشرق الأوسط تؤكد ثقافة السلام والازدهار والتعمير بديلا عن سياسة الحرب والصراع وثقافة الموت، تنبعث هذه الحركة الاصلاحية أساسا من فلسطين ليعود شباب فلسطين من الشارع الى المدرسة والمصنع والانتاج والتقدم والبناء.
10 ـ هل يمكن تطبيق هذه الحلول؟
لا أعتقد.!!
لماذا
الاجابة فى صدر المقال...
التعليقات