الهجوم الوحشي الذي تشنّه إسرائيل على لبنان يفضح، في ما يفضح، عجز السلطات المتعاقبة على لبنان على المستويين السياسي والعسكري. فسياسيّاً، تاريخيّاً، هناك إنقسامات عاموديّة وأفقيّة اتّجاه مختلف القضايا على قاعدة طوائف متناحرة على الوظيفة والمنصب والإنماء المتوازي والتاريخ والهويّة ومَنْ هم الأصدقاء؟ ومَنْ هم الأعداء؟ وحصّة لبنان من الصراع العربي الإسرائيلي ومأساة فلسطين وشعب فلسطين مقيماً ومشرّداً ولاجئاً.
وهناك إنقسامات حادّة عاموديّة وأفقيّة أيضاً حول الإستراتيجيّة العسكريّة للبنان الواقع في قلب منطقة الزلازل الشرق أوسطيّة منذ قيام إسرائيل، فجهة تتّسم بالإنعزال (وهي تخترق الطوائف كافّة) ترى وجوب فصل لبنان عن محيطه على خلفيّة أيديولوجيات مغرقة في اليمينيّة والعنصريّة المقيتة، ولا ترى في إسرائيل خطراً بل حامياً تماماً بقدر ما ترى في الجوار العربي خطراً ونقيضاً ذلك على رغم تناغمها مع أكثر العرب يمينيّةً وتخلّفاً ورجعيّة. والأنكى فهذه الجهة تعدم لبنان مِنْ أي قوّة عسكريّة على خلفيّة جدّاً مشبوهة باعتبار أنّ قوّة لبنان هي في ضعفه! وهي نظريّة تمّ التثبّت مِنْ سرابيّتها مرّة بعد مرّة وأفضتْ بلبنان لكي يكون وطناً يفتقد لأدنى مقوّمات الردع حفاظاً على سلامة حدوده وأرضه وشعبه ويكون هدفاً ولقمةً سائغةً لكلّ طامح وطامع، فيما جهة أخرى (تخترق الطوائف كافّة أيضاً) ترى أنّ قوّة لبنان هي في إمتلاك لبنان لكلّ مصادر القوّة وخصوصاً العسكريّة في منطقة متفجِّرة، وترى في إسرائيل جلّ الخطر باعتبارها تهدّده في مياهه وأرضه ووجوده باعتباره مركز تنويري في وسط عربي يُراد له أن يبقى يتخبّط في وحول التخلّف والرجعيّات والديكتاتوريّات والعمالة المكشوفة والمستترة.
وهذا التباين في النظر إلى لبنان وموقعه ودوره هو المسؤول الأوّل عمّا يشهده لبنان اليوم، فمنه نَفَذَتْ إسرائيل لتدكّه برّاً وجوّاً وبحراً، وتستهين بأرواح المدنيين وأملاكهم وأرزاقهم من دون أن يكون بمقدور الجيش أن يردّ بفعّاليّة على العدوان الغاشم، ومِنْ دون أن يكون بمقدور الدولة اللبنانيّة ككلّ أن تفعل شيئاً سوى البكاء واللطم والإستجداء على نحو مقرف يقشعرّ له جسم كلّ مَنْ يملك بعد ذرّة كرامة، هذا إذا لم نقل أنّ بعض الدولة العاجزة يتهيّأ بخسّة لقطف ثمار العدوان سياسيّاً مِن أجل بيع لبنان بالكامل لإسرائيل كما باع عرب آخرون ضمائرهم وأوطانهم لإسرائيل، غير أنّ لبنان الشريف أرسخ ومَنْ دحرَ إسرائيل أخيراً عام ألفين بعد أكثر مِنْ عشرين سنة إحتلال وصلَ إلى العاصمة بيروت سيعرف كيف يدحر إسرائيل مجدّداً اليوم أو غداً.
- آخر تحديث :
التعليقات