عندما يبكي الصيف في لبنان سنعرف أن الحزن جاء من جميع أنجاء العالم وقرر أن يسكن في بيروت والجنوب، أوليست صورة الطفلة والدماء تغطي وجهها، وصيحات وزير الصحة اللبناني عن نقص الأدوية خير دليل على الجريمة التي اقترفها قطاع الطرق في منتصف الليل؟!
حين تتوزع أشلاء جسد طفلة بريئة على غضون الأشجار، وهي لا تعرف بعد اسم بلدها، وعندما يتفق العرب على ألا يتفقوا، كعادتهم، ماذا عسانا نزعم ونقول؟. ربما نسكت. أو نضحك، وكما قلت في وقت سابق، فنحن العرب نعبر عن حزننا ومآسينا بالضحك بعد ان انتهى الدمع مع عيوننا من كثرة ما بكينا على اغتصاب الأرض والشجر والحجر.. ويا ليت عنترة العبسي أو عناترة هذه الأيام استطاعوا أن يعيدوا لهذه الأمة جزءا من فرحتها!
مع ذلك، لماذا لم يركض العالم من الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي ومجلس الأمن لتشكيل لجنة تحقيق في جريمة اغتيال لبنان، كما تداعوا العام الماضي وهبوا هبة واحدة لتشكيل لجنة تحقيق دولية في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري؟.
لا نقصد هنا، بالطبع، أن نقلل من هول الجريمة النكراء التي وقعت في لبنان واستهدفت الحريري وغيره من الشخصيات اللبنانية، ساسة ومثقفين وصحفيين. ولكن لا يمكن لأي علم قانون أو منطق في العالم أن يسمي اغتيال الحريري جريمة ويشكل لجنة للتحقيق فيها، فيما يتجاهل ما يحصل اليوم في لبنان.
فمن جهة اغتيال الحريري لم تتوصل لجنة التحقيق الدولية إلى هوية الفاعلين الذين ارتكبوا هذه الجريمة، ولكن جريمة اغتيال لبنان اليوم لا تحتاج إلى بناء خيمة وسط بيروت ولا تريد quot;محققا ذئباquot; من ألمانيا أو quot;محققا ثعلباquot; من بلجيكا. إن لجنة تحقيق من هونغ كونغ أو مدغشقر يمكن أن تكتشف ببساطة هوية مقترفي هذه الجريمة، وهم قطاع الطرق الذين يأخذون على عاتقهم حماية العالم من الإرهاب!
هؤلاء الذين يقتلون اليوم باسم الاسلام في العراق ودول أخرى، والذين يقتلون باسم حماية العالم من الإرهاب، يشكلان وجهين لعملة واحدة.
بات العالم اليوم أشبه بمسرحية هزلية تضحك وتبكي في وقت واحد. فهذا العالم يحتجّ على اختطاف حزب الله لجنديين اسرائيليين، فيما حكومة هذين الجنديين اختطفت نصف البرلمان الفلسطيني ونصف الحكومة المنتخبة عبر صندوق الاقتراع. هذه الحكومة التي ترفض الولايات المتحدة الاعتراف بها، ليبقى اعترافها فقط بالحكومات quot;المنتخبةquot; عبر القمع والقهر والسجون.
كنا ولا نزال معجبين بالتطور الأمريكي في العلم والفن والثقافة والأدب والصحافة، ولكن السياسة الخارجية لهذا البلد مرآة منكسرة لا تعكس حقيقة المواثيق والعهود الأمريكية القديمة من أجل حقوق الإنسان والتي مات في سبيلها آلاف الأمريكيين. فما نفع الاحتلال الأمريكي اليوم أن يكتشف المقابر الجماعية في العراق وهول التعذيب في زنزانات صدام حسين، وهو نفسه الذي كان يحمي على مر السنوات السابقة هذا النظام ويعطيه الحرية ليغير على جيرانه، ثم يعيد quot;إنتاج أفلام أبو غريب quot;، ولكن على الطريقة الأمريكية الهوليودية!!
وما نفع هذه القيم quot;الحقوقيةquot; إذا كانت تطالب بلجنة تحقيق دولية في اغتيال الحريري، وتصمت على اغتيال لبنان؟! ربما لأنهم يريدون استغلال الجريمة الأولى لتحقيق ما يخططون له حول مستقبل سوريا من مؤمرات، وأما الجريمة الثانية فهي جزء من مخططهم الاستراتيجي الذي حبكوه جيدا وحلقة من حلقات السيناريو الذي أعدوه واستغلوه جيدا من وراء الجريمة الأولى!