أ - نظرة عامة
لقد كتب الكثير جدا حول 11 سبتمبر. وثمة وجهات نظر مختلفة من منطلق من هو المحلل وما إيديولوجيته وموقف السياسي. وشخصيا أنا ممن يتفقون مع التحليل الذي يذهب إلى أن 11 سبتمبر بقدر ما كان هول وبربرية الجرائم الدامية في ذلك اليوم، فإنه على الصعيدين الاستراتيجي والسياسي كان بمثابة زلزال حقيقي يحتل، مع انهيار الكتلة الاشتراكية، موقع أكبر وأهم حدثين دوليين منذ نهاية الحرب الدولية الثانية وقد أديا لتغييرات كبرى في الأوضاع وموازين القوى الدولية.
لقد كشف ذلك الحدث الزلزالي عن كون التطرف الإسلامي وخصوصا فرعه الإرهابي هو العدو الأول للأمن الدولي والبشرية والحضارة. صحيح أن هذا الخطر ظهر بوجه خاص مع حركة خميني وأحداث أفغانستان قبل 11 سبتمبر، حيث نعرف تفجيرات مركز التجارة الدولي والسفن الأمريكية وعمليات الإرهاب الإسلامي في البلدان العربية والإسلامية، ومنها مصر والمغرب والفيليبين، بل وحتى في قلب مكة نفسها، ولكن الخطر على نطاق دولي واسع برز مع 11 سبتمبر نظرا لعدد الضحايا وأساليب الإرهاب القاعدي الجديدة. وبرز الخطر بعدئذ مع تفجيرات مدريد ولندن والخطط الإرهابية في فرنسا وألمانيا وهولندا وغيرها. أما في العالمين العربي والإسلامي فهناك حركات حماس وحزب الله وجيش المهدي وإرهاب القوى الصدامية والقاعدية في العراق.
إن حرب الإرهاب والتطرف الإسلاميين على أمن العالم والحضارة الإنسانية والتصدي لهما يحلان منذ 11 سبتمبر محل الحرب الباردة التي انتهت مع أواخر الثمانينات.

ب ـ حرب طويلة وشاقة:
إن الحرب ضد الإرهاب ليست سهلة ولن تكون قصيرة الأمد، لأسباب منها:
1- سيطرة التشدد والتطرف الإسلاميين على الشارعين العربي والإسلامي وعلى المسلمين الغربيين أنفسهم.
2- وجود أنظمة عديدة نفطية وغير نفطية تشجع التطرف والإرهاب وتمولهما وإيران مثال صارخ مثلما كان نظام صدام أيضا.
3- لا يزال التضامن والتنسيق الدوليان ضد هذا الخطر المستفحل ليسا بالمستوى المطلوب.
4- إن قوى اليسار الغربية والمنظمات التي تسمى إنسانية تعرقل اتخاذ إجراءات حاسمة ضد الخطر بحجج منها الخوف على الحريات العامة والشخصية، ومنها أن مثل تلك الإجراءات تبالغ في الخطر وهي تتخذ لأهداف أخرى. إن هذه الأوساط، ومنها يسار الحزب العمالي والحزب الديمقراطي الأمريكي وكل اليسار الفرنسي خاصة، ساهمت في إضعاف حملة مواجهة الإرهاب منذ التسعينيات بل هي تدافع عن quot;حقوق quot; المعتقلين الإرهابيين كمعتقل غوانتينامو أضعاف ما تفكر في ضحايا الإرهاب ومآسي وحقوق عائلاتهم. ومن جهة أخرى، فإن أقصى اليسار الغربي يشترك أحيانا في مظاهرات بجنب المتطرفين الإسلاميين والقوميين بذرائع وتحت لافتات أخرى كما وجدنا في المظاهرات قبل الحرب على صدام وبعدها، بل إن زعماء لمنظمات أقصى اليسار الغربي لا يخفون تعاطفهم مع القاعدة وعملياتها تحت لافتات وبأساليب ملتوية كشعار quot; الجماهير العربية حليف رئيسي للبروليتاريا العالميةquot;. وهذا مثلا ما صرحت به إحدى زعيمات الألوية الحمر الجديدة في إيطاليا قبل عامين خلال محاكمتها بتهمة القتل.
5 ndash; كانت الدول الغربية قبل 11 سبتمبر تبالغ في التساهل مع دعاة التطرف وخصوصا في الجوامع المنتشرة في هذه البلدان، كما لم تكن الإجراءات ضد الجريمة عموما تناسب حجم الجريمة وواجبات القضاء.

إن 11 سبتمبر أحدث انعطافا في الغرب لجهة تشديد الإجراءات الإدارية وتفعيل القضاء لمواجهة الخطر الإرهابي، ولكن ذلك لا يجري في بعض الدول بدرجة كافية. ولا تزال جهات وعناصر متطرفة تستغل الحريات الواسعة في الغرب استغلال لصالح مشاريعها الظلامية، مستغلة حتى بعض ثغرات القوانين. وتستغل شبكات الإرهاب ودعاته في المساجد والجمعيات الإسلامية التي تسمي نفسها جمعيات quot;خيريةquot; أو ثقافيةquot; لبث دعوات التطرف وتمجيد الإرهاب وتجنيد الإرهابيين.

ج ndash; هل أصبحت أمريكا والعالم أقل أو أكثر أمنا منذ التصدي الحقيقي للإرهاب بعد 11 سبتمبر:
أعتقد إن أمريكا والعالم هما في وضع أفضل أمنياً منذ سقوط طالبان وصدام وحملات ملاحقة ومعاقبة المتطرفين الذين يقترفون عمليات إرهابية أو ينوون ارتكابها واحزم تجاه دعاة التطرف الإسلامي من أئمة جوامع وغيرهم. ومن آخر ذلك حملة الاعتقالات في بريطانيا مؤخرا. على أن الخطر لا يزال قويا جديا والعمليات الإرهابية الكبيرة مستمرة في أرجاء مختلفة من العالم. إن المتطرفين الإسلاميين يجيّرون القضايا السياسية الملتهبة في العالمين العربي والإسلامي لحسابهم ويخطفونها لتبرير جرائمهم البشعة. إن سقوط نظام طالبان فتح الطريق أمام تطور إيجابي تدريجي في أفغانستان رغم استمرار خطر طالبان وحليفتهم القاعدة. وسقوط نظام صدام فتح في العراق أفقا للتطور الديموقراطي، برغم أن الطريق سيكون طويلا وشاقا ولاسيما لأن العراق محاط بدول تدعم الإرهاب وخصوصا إيران وسوريا، ولأن للإرهاب الجاري في العراق أمواله وقواعده كما هو حال الصداميين وجيش المهدي والقاعديين التكفيريين في العراق. ومن هنا، تكون الحاجة الحيوية لبقاء القوات الأمريكية وحليفاته في العراق لحين وصول القوات العراقية لمستوى القدرة الحقيقية على ضبط الأمن ودحر الإرهاب بجميع أشكاله ومذاهبه ونواياه.

أما على النطاق العربي فإن ما بعد 11 سبتمبر قد طرح للمقدمة الديمقراطية وموضوع حقوق الإنسان علما بوجود معارضة قوية ومستميتة من جانب قوى التطرف والإرهاب والأنظمة الاستبدادية.
إذا كانت الأوضاع الدولية بعد انهيار الكتلة الشيوعية قد تغيرت جذريا، ومن ذلك انخراط بلدان عديدة من الكتلة السابقة في الاتحاد الأوروبي وسيرها نحو الديمقراطية والاقتصاد الحر، فإن سنوات ما بعد 11 سبتمبر شهدت وتشهد تحولات كبيرة، وخصوصا من جهة تشخيص خطر التطرف وضرورة أقصى تعاون وتنسيق دوليين لمواجهة الخطر، ووجوب الكفاح الإيديولوجي أيضا ضد الأيديولوجية الفاشية للإرهاب الإسلامي وأصوله. كما ازدادت العناية بتقديم المساعدات لتنمية البلدان الأكثر حاجة، وبوضع ضوابط جديدة للهجرة. ومعلوم أن معظم المهاجرين الوافدين من الدول العربية والإسلامية للغرب وجمهرتهم يحملون جنسياتها يتعمدون العيش في غيتوات تعزلهم عن المجتمع وعن مبادئ وثقافة المجتمع الذي جاءوا له وبالتالي لا يأبهون لقوانين البلد المضيف السارية، ويحاول الغلاة منهم فرض تقاليدهم وأفكارهم المتخلفة على هذه المجتمعات. وغالبا ما تنجح القوى المتطرفة في تجنيد عدد متزايد من الشبان وتشحنهم بأفكار التطرف، ومنهم من يتطوع لاقتراف جرائم إرهابية سواء في هذه الدول نفسها أوفي خارجها، وقد تسلل أعداد من مسلمين غربيين للعراق لممارسة الإرهاب، وهم يقدمون من دول منها فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وغيرها. ومن الخطأ الطرح القائل بأن أسباب هذا الانزلاق هي لأن هؤلاء الشبان وعائلاتهم فقراء ويعيشون في وضع مزر مما يشجع العنف والإرهاب. فقد وجدنا أن معظم الإرهابيين المعتقلين والملاحقين في بريطانيا مثلا هم من أوساط المثقفين وممن لديهم وظائف وأعمال جيدة. إن السبب الأول للإرهاب الإسلامي هو الأيديولوجية الأصولية المتطرفة، وهي أيديولوجية شمولية وظلامية تمجد الدم وتكره الآخر المختلف، وتصادر الدين وتستخدمه لغرض سياسي [إقامة جمهورية الخلافة الدولية!] ولذا نتفق مع خطاب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الأخير قبل أيام من أن الحرب ضد الإرهاب تمثل quot; الصراع الأيديولوجي في القرن الحادي والعشرين.quot;
وأخيرا وبالنسبة للعراق، فضرب الإرهاب في العراق إضعافا لخطره دوليا ولصالح الأمن الدولي؛ كما أن مواصلة وتعزيز الحرب الدولية على الإرهاب الإسلامي ودول الإرهاب كإيران الساعية لصناعة القنابل النووية، سيكونان تعزيزا وتقوية للقوى الوطنية والديمقراطية العراقية في مواجهة قوى الإرهاب المتصاعد والمستفحل في بلدنا. إن هذا يتطلب من الدول الغربية والدول المجاورة غير المنزلقة في دعم الإرهاب أن تقوم بإجراءات أكثر جدية وفاعلية لمساعدة العراقيين في المجالات الأمنية وإعادة التعمير والكف عن مواقف عدم المبالاة والسلبية نحو العراق وشعب العراق.