تتعرض حياة الإنسان في العراق الى خطر يداهم جميع العراقيين دون استثناء، وينتشر بين زوايا الشوارع ووسط زحام الأسواق وتجمعات الناس، وحتى داخل بيوتهم وغرف نومهم أماكن عملهم، و يتمثل في انتشار ظاهرة الأجرام المتزامنة مع العمليات الإرهابية التي تقوم بها تنظيمات ومجموعات ألتزمت بهذا الخط الدموي والتكفيري تحت أغطية وستائر متعددة، بالإضافة الى وجود قوات الاحتلال كسبب للمواجهة الشعبية التي تعتمدها بعض الفصائل العراقية حيث تجد في أفعالها وسيلة للتخلص من هذا الوجود الهجين مع مايرافق عملها من سلبيات، بديلاً عن اللجوء الى طريق القانون الدولي والقرارات التي يستند عليها الاحتلال في وجوده على الأرض العراقية، وتطور التناحر المذهبي من قبل بعض الأحزاب والشخصيات التي تتعكز على الدعوات الطائفية والمذهبية من أجل أن تكون لها أرضية تقف عليها وتثبت وجودها وسط حشد الأحزاب والقيادات السياسية والاجتماعية العريقة فـي العراق، وتغزو الشارع العراقي اليوم ظاهرة الميلشيات المسلحة التابعة للأحزاب، وهي جيوش مدججة بكل انواع السلاح العسكري وهي تابعة لأحزابها وقياداتها شخصياً، ومثلما أصبحت ظاهرة (الحماية) المسلحة من الظواهر المتلازمة مع ظهور القيادات السياسية منها أو الأجتماعية، حيث يتم اختيار الحماية من الأقارب والمحسوبين والعائلة المدججين بالسلاح، فقد انتشرت هذه الظاهرة في الأوساط العراقية لتصل حتى الى أصحاب المهن والمصالح والمكاتب والشركات والشخصيات الأجتماعية والعشائرية، ولم يبق سوى المواطن العراقي البائس وحده دون حماية. وتشكل الحمايات ميلشيات مصغرة تمارس عملها وراء مسؤولها وهي مدججة بالسلاح.
تنطلق بعض الأصوات الخيرة بين فترة وأخرى تطالب بإحلال السلام والمصالحة الوطنية ودون إن يتم تحديد الجهات التي تتصالح، ودون إن يتم توضيح من يتصالح مع من، وحتى لايبقى مشروع المصالحة لغزاً يحير المواطن ويزيد من الإبهام والتفسيرات والأحتمالات، ينبغي أن تفصح المؤسسة عن أطراف المصالحة، ولكن بالضرورة أن يتم الاستناد على منهج واضح لخلق أرضية تصلح لوقوف جميع الأطراف عليها.
وإذا تحدثنا عن المصالحة علينا أن ننطلق من مفهومها البسيط، فهي تعني البحث عن الحقيقة التي يتفق عليها الأطراف، ومن ثم الأتفاق على تطبيق العدالة والقضايا التي يتم الصفح فيها، وضمن كل هذا أيجاد أساليب وطرق لاستقطاب المشمولين بالصفح أو المصالحة، مع أيمان بالتخلي عن فكرة الانتقام وضمر الأحقاد، وان نؤهل أنفسنا للحياة الجديدة بشكل مشترك، بحيث نساهم جميعاً دون ضغائن في ترسيخ معالم الحياة العراقية دون شروخ طائفية أو قومية أو سياسية أو دينية أو مناطقية، ومن اجل ذلك يجب إن ننمي درجة التعاون بين المتصالحين، بأيجاد طرق للاندماج تؤهل هذه العملية لأعادة الحياة العراقية الى سابقها، مع العلم بأن هذه العملية ليست بالسهلة، ولن تجد التجاوب الكلي المنطبق على هذه القضايا، كما أنها ايضاً ليست بالمستحيلة، حيث إن هذه العملية (المصالحة)، هي الوسيلة التي توصلنا الى الغاية الأساسية في الحياة العراقية المنسجمة والآمنة والمتطلعة لبناء الإنسان، على أسس النظام الديمقراطي والفيدرالي.
وهي أيضاً عملية لايمكن تحقيقها في فترة زمنية قصيرة، كما تتخللها العديد من القضايا العصية والتي تكون مثار اختلاف والتي قد تظهر عرضياً مما يستوجب أن نضع في الأعتبار معالجتها والاستعداد لمواجهتها، وعدم التفريط بالعملية التي ينبغي المحافظة على مفهومها العام والواسع بأي شكل من الأشكال، لكونها تشكل القاعدة العريضة التي يمكن أن تلم الشمل الوطني.
عملية المصالحة الوطنية تعالج القضايا بشكل عام، ولاتخضع للقضايا الفردية، وينبغي على المساهمين في هذه العملية أن يتجردوا من ذاتياتهم ويطرحوا جانباً حالة الشك والريبة والتصور المسبق عند الحوار، والأيمان بمدى حاجة العراقيين لمثل هذا المشروع والأتفاق على أسس تعالج الوضع الشاذ الذي آل اليه الوضع الإنساني في العراقي.
وبعيداً عن الشعارات العاطفية أو حالات رد الفعل التي تنطلق سواء من أفراد أو مجموعات أو حتى أحزاب نافذة في الساحة العراقية، ينبغي الأصرار والتمسك بهذا المشروع، وتأسيس علاقات أنسانية مبنية على الثقة والحرص على الحياة الإنسانية، ووحدة الناس وتقبلهم لمفاهيم الحياة الجديدة التي ضحى من أجلها جميع أهل العراق بكل اطيافهم الدينية والقومية والسياسية.
وتشكل عملية المصالحة مطلباً شعبياً أجمع عليه اهل العراق وأن اختلفوا في الوسائل والطرق، ولهذا يترتب على القائمين بهذه المصالحة أن يتفقوا على القواسم المشتركة من هذه الوسائل والطرق بأعتبارها الدواء الحقيقي لمعالجة الجراح العراقية، وبعيداً عن الإساءة والتهميش والتجاهل ينبغي وضع الوسائل والطرق التي توصل جميع الأطراف الى نتائج إيجابية في هذه المصالحة، وينبغي إن نطرح جانباً الضغوط السياسية التي يمكن إن تمارسها بعض الأحزاب والشخصيات لأنها تربك الخطوات وتعرقل العمل، وأن نطرح نماذج عملية في الحياة العراقية تمثل الأنسجام والتوافق بين أطراف المصالحة الوطنية، وبنفس الوقت مواجهة الهجمة الإرهابية والإجرامية التي تشنها أطراف بعيدة عن الأهداف الوطنية، ولاتريد الأستقرار والخير للعراقيين، حيث إن أستمرار الإرهاب يعرقل نجاح المصالحة أن لم يضعف النتائج، ويمكن إن تكون عملية اقتطاع الماضي والأتفاق على القواسم العراقية المشتركة في الحياة الجديدة، والأتفاق على أسس البناء المشترك ووضع أسس وضمان السلام مستقبلي من قبل جميع الأطراف المتصالحة، بعد أيجاد الحلول التوفيقية للمسائل المشتركة والتعاون لمصلحة الناس بعيداً عن الرغبات والأهواء والمصالح الشخصية، على أن تكون الشخصيات والأطراف التي تبحث عملية المصالحة من النماذج التي يتوفر فيها الأيمان بالمستقبل العراقي الجديد بعد انتهاء سلطة الدكتاتورية، كما يتوفر فيها العقلانية والحيادية والرغبة في رسم مستقبل للعراق يحقن الدم العراقي وتسعى لإحلال الوئام والمحبة والسلام بين العراقيين .
المصالحة ليست نظرية أو أفتراض ينبغي الأيمان به والأعتقاد بصحته، وأنما تتم في سياقات معينة فوق ارضية صالحة حتى يمكن إن تنتج وفق الواقع العراقي مع الاستفادة من التجارب العالمية والتي ليست بالضرورة إن تكون متشابهة مع القضية العراقية وخصوصيتها، فالمصالحة لا تعني فقط أيقاف دورة الدم والموت وتجميد النزاع، أنما تعني التعايش السلمي واستخدام الماضي لوضع أسس أنهاء الخلافات وترسيخ السلام الدائم وتعزيز مباديء الديمقراطية، والأيمان بالنظام الفيدرالي، وسلوكاً حضارياً سلمياً بديلاً عن حالة العنف والتنافر والتقاطع بين الأطراف.
ومن أجل إزالة حالة اللآقانون والمساهمة في القضاء على عمليات الإرهاب وإلغاء سيطرة الميليشيات والحزبية الضيقة و عدم السماح باستمرار الخرق الدستوري والاستخفاف بالنصوص العقابية والتشريعية وتغييب الحقوق الدستورية المدنية للمواطن العراقي تحت ظل الظروف الاستثنائية في البلد في عدم تطابق الفعل مع النصوص، وكذلك العمل على إزالة تجمعات الإرهاب والقتل والخطف والتعامل بأساليب الاعتداء الجسدي و الاغتيال التي تقوم بها المجموعات الأرهابية والأجرامية والقضاء على بؤرها والعمل على غلق منافذها وتشخيص الرؤوس والعقول التي تديرها وأحالتها الى القضاء، بالأضافة الى إيقاف حرب التصفيات الطائفية المتبادلة، وحالات الترحيل الطائفي، وكل حالات القمع للرأي الآخر، حتى يمكن خلق قاعدة ينعم من خلالها المواطن بحقه في الحياة والتمتع بحياة مستقرة وطبيعية ومطمئنة وكريمة و يتطلع لمستقبل أفضل يتحقق فيها الرفاه الاجتماعي والاقتصادي ليساهم بكل حرية بشكل إيجابي في دعم عملية السلام ويدعو بشكل حقيقي الى التعايش السلمي وحق الأنسان في الحياة مبتعداً عن ويلات الدخول في تأجيج النعرات الطائفية والمذهبية، والتي كانت تشكل العمود الذي استندت اليه سلطة الطاغية البائد في سياستها.
أن عدم نجاح مشروع المصالحة الوطنية يعني أستمرار زمن عراقي ممتليء بالهواجس والخوف والسعي المحموم لحيازة السلاح والحرص على ولادة قيم الحماية والقوة لتكوين الكانتونات والمافيات والتجمعات التي تسعى لأيقاف فرص حياة العراقيين الطبيعية لتدق أسفيناً في أستمرار وتطور الحياة المدنية بديلاً عن بناء العراق الذي يحتاج المواطن فيه كل الاهتمام ليحقق حلمه في الحياة المستقرة والامنة التي تليق بالعراق، وبعد تحقيق حلم العراقي برحيل سلطة الدكتاتورية المتسلطة بالقوة والإكراه والأرهاب على رقاب شعب العراق ورحيل أساليبها ورموزها وأذنابها وإسهاما في سبيل أعادة العراق إلى الحظيرة الدولية وأعادة الأعتبار له في المنطقة وبناء المجتمع المدني الجديد لابد من أفكار واقتراحات تساهم في عملية المصالحة وصولا لاستقرار الوضع القانوني والأمني في العراق .
ومن أول الخطوات التي تمهد لتأسيس أرضية واسعة وعملية للمصالحة الوطنية أيقاف العنف الدموي بين الأطراف المتصارعة بشكل جدي وحاسم لأيجاد بدائل عملية بديلاً عن الأنتقام وملاحقة بعض الأطراف للبعض الأخر، والسعي لتحجيم جميع القوى التي تسعى لاستمرار هذا الفعل، والعمل على منعها، وإيقاف أستمرار عمليات تفخيخ السيارات والالغام والعبوات وإطلاق القذائف من قبل الجهات المتصالحة، والسعي بمساعدة القوات المسلحة للقضاء على بؤر الإرهاب والأجرام التي ستسعى في أية فرصة سانحة لقتل الجميع.
ويقال أن تشخيص الداء نصف الدواء، عليه ينبغي أن يتم وبشكل صريح تشخيص أسباب التقاطع وحالة العداء، ومما يوجب الذكر أن السلطة البائدة لم تكن مع أي طرف من الأطراف المتصارعة، أو الساعية للمصالحة، وكما أن كيان الدولة باعتبارها شخصاً معنوياً كان مستلباً من قبل الدكتاتور وعائلته، لذا فأن التصالح مع رموز السلطة وذيولها سيخرج عن نطاق المصالحة العراقية، وكما ينبغي أن لايغب عن البال الفترة العصيبة والطويلة الحرجة التي تحملتها شرائح اجتماعية عديدة في العراق، مما جعلها تشعر بالغبن والظلم معاً، والحاجة الماسة في أيجاد سبل للتواصل الإنساني وإعادة الألفة بين الأطياف العراقية، ودراسة الأسس التي كانت قائمة قبل إن تحل جمهوريات الأنقلابات، حين كانت الألفة والمحبة والثقة قائمة في كل زوايا العراق.

أن المرحلة العصيبة التي شهدها تطور المجتمع العراقي بعد أن أرث زمناً من الأنقلابات العسكرية والتسلط الحزبي والأستئثار العائلي للسلطة وتسييد السيطرة الأمنية والمخابراتية وتشكيل صور قاتمة لاتبعث الأمل في التطلع نحو المستقبل بالرغم مما يتوفر لبلد مثل العراق ومجتمع متمدن ومتطور ومتآخي مثل المجتمع العراقي، أنعكس سلباً على قيم ومعاني الحياة العراقية، فقد تحملت جميع الفصائل السياسية والأجتماعية وجميع الأديان والمذاهب وجميع القوميات دون أستثناء الكثير من التعديات والأضطهاد والتنكيل خلال الظروف التي عاشتها في تلك الحقبة الزمنية القاحلة والمختلطة المعالم، وكان لغياب مؤسسات المجتمع المدني والتعبير التنظيمي المدني للقوى السياسية والنقابية والمهنية وغياب الحرية الفكرية والديمقراطية والدستورية بشكل حقيقي دور أساسي في بقاء الصورة القاتمة تبدو أكثر ظلامية وأسوداد مما عليه، مما يجعل المثل العراقي الشعبي الذي يقول أن اليوم أحسن من الغد أكثر أنطباقاً على الحال.
ولهذا ستتعرض عملية المصالحة أيضاً لمواجهات من خلال ردة الفعل، وحالات ترفض قبول الأسس التي تطرحها اللجان التي ستطرح على الضحايا الذين طالتهم الأعمال الوحشية والتعذيب أن يتقبلوا الصفح عن مرتكبي تلك الأفعال، بشرط أن لاتصل لمستوى جناية القتل العمد والجنايات الأخرى والتي يتصدى لها القانون، وأن يتقبلوا أيضاً الاعتذار لإزالة الكراهية والأحقاد والحساسيات التي ترسبت في أعماقهم، وهي مسألة ليست بالسهلة ولكنها تساهم من قريب أو من بعيد بإزالة جزء من الاحتقان الحاد الذي يطغي على العقل الجمعي في العراق، وكما يساهم بالنتيجة في أيجاد علاقات إنسانية تمهد لأرضية أكبر أتساعاً للتمهيد في تطبيق عملية المصالحة الوطنية.
وضمن عمل اللجان للتوصل الى تحقيق مشروع المصالحة، يترتب على السلطة والبرلمان أن يسعيان أيضاً لإقرار النظام الاجتماعي العادل، والسعي بكل إمكانيات متوفرة لترتيب البيت العراقي بعدالة ودون انحياز وتمييز.

التأكيد على دور منظمات المجتمع المدني في عملية التطوير التثقيف الاجتماعي والسياسي باتجاه المصالحة في المجتمع العراقي، منسجماً مع ما تقوم به الأحزاب العراقية دون استثناء والذي لن يجد حلاً للمصالحة دون هذا التحشيد، من خلال حركة المساهمين النشطين في مجالات القانون وحقوق الإنسان والأدباء والصحفيين والمثقفين والعلماء والفنيين والأطباء من خلال اختصاصاتهم وقدراتهم الوطنية المخلصة مع الأستفادة من التجارب العالمية التي عاشتها شعوب أخرى، مثل جنوب أفريقيا، والالبان والصرب، وشيلي، ومحاولة الأستفادة منها بما ينسجم مع الواقع العراقي والتخفيف من ثقل المتراكم من العذاب الملقى فوق ظهور العراقيين الذين يعانون اليوم من التناحر المذهبي أو القومي والديني وتغليب طرف على الآخر، وتغليب الظاهرة الحزبية والميلشيات المسلحة التي يعتاش منها العديد من العراقيين، بالأضافة الى أنتشار ظاهرة الفساد الأداري والأمراض الأجتماعية التي تنخر بالمجتمع العراقي، وعدم فسح المجال للتمتع بالحرية الشخصية على حساب حريات الاخرين أو تحديد وتقييد حرية الإنسان بما تريده وتفرضه بعض الجهات والأحزاب في ظل الضوابط المدنية التي تطمح اليها حركة المجتمع المدني العراقي.
لقطع الطريق على الخطوات الانفعالية والخروقات التي تبررها حالة الهيجان وانفلات المشاعر والتصرفات الواقعة تحت تأثير رد الفعل، يتحتم وضع أسس انتقالية يتم بموجبها تبيان ضوابط وشروط ومقدمات يطلع عليها الجميع وتتمتع بصفة الإلزام، تكون هذه الضوابط لبنة من لبنات بناء المجتمع المدني الذي يسعى أليه الجميع، وهذه الأسس والضوابط تدخل في باب العدالة الانتقالية وهي مهمة ابتدائية من مهمات القضاء العراقي باعتباره المرجع القضائي في الساحة العراقية بعد أن تم إلغاء المحاكم المشكلة خلافا للدستور والقوانين وما يسمى بالمحاكم الأستثنائية وانتهت إلى غير رجعة.
أن المرحلة الحالية التي تساهم بالوصول و التمهيد للمصالحة الوطنية في ظل الظروف الاعتيادية تقوم على أسس منها أعادة الثقة بالقضاء العراقي وتسليمه كامل المسؤولية الوطنية في تشكيل أجهزة التحقيق والإحالة وإلغاء كل تجاوز على اختصاص المحاكم الجنائية، وحصر الصلاحيات العقابية الجزائية بها وسحب الصلاحيات الاستثنائية المخولة للأجهزة الأمنية والإدارية و من جميع الجهات المخولة أستثناءا من أحكام القوانين النافذة، بالإضافة الى أمتناع الأحزاب السياسية والميلشيات من أقامة البدائل القضائية والتشكيلات الجنائية والتصرفات السيادية التي تخل بالتوازن الاجتماعي وتساهم في تعميق الشرخ الحاصل، والالتزام بحماية القضاة، ومناشدة المختصين في الشأن القانوني من قضاة ونواب الإدعاء العام وحقوقيين ومحامين وأكاديميين متخصصين في القانون لأجراء دراسات مستعجلة لتشخيص وتحديد الخلل الذي أحدثته السلطة في القوانين تمهيدا لأجراء عملية تغيير أو تعديل نصوص القوانين وفق ما تتطلبه المرحلة والتغيير الدستوري والمدني الجديد وصولا إلى عملية الإصلاح القانوني الحقيقي التي لابد من التحضير لها وفقا لمتطلبات المرحلة الجديدة وما يتلائم معها من قوانين، بالإضافة الى تطوير وانسجام تلك القوانين بما ينسجم ويدعم عملية المصالحة الوطنية .

ومن أهم مقتضيات العدالة الانتقالية حماية المجتمع من الانفلات والرغبة في الثأر واستمرار الحالة الأمنية بشكلها الحالي، وأنتشار الجريمة بين الجماعات المنظمة، والاستخفاف بالقوانين التي ينبغي أن تكون صارمة بحق الجميع وإشاعة روح الطمأنينة والعدالة والاستقرار وتهدئة الأحوال والدعوة لجميع من تهمه مصلحة العراق للمساهمة في تخطي مرحلة العدالة الانتقالية وصولا الى أسس ثابتة للعدالة وقوانين تشمل الجميع وتطبق على الجميع دون استثناء وتكون هذه القوانين نابعة من مصلحة الناس وتطمح لتحقيق العدالة بالحد الممكن لإشاعة مبدأ الحق والحقيقة والعدالة التي ينبغي أن تشيع في هذا البلد.
أن مهمة نزع الأسلحة من الأفراد من المهمات الضرورية التي تساهم في ضبط الأمن العام، كما أنها تساهم في الطمأنينة والأمان للوصول الى حالة الاســـتقرار والمجتمع الذي يحكمه القانون، وهذه المهمة ينبغي المساهمة بها من قبل الأحزاب والعشـــائر والاندفاع الوطني للمساهمة في أعادة بناء العراق، حيث تنتشر الأسلحة المختلفة ليس فقط في بيوت العراقيين، وانما في أوكار ومخابئ بالنظر لفداحة الأخطاء القاتلة التي أقدم عليها الحاكم المدني الأمريكي حين أباح مخازن الأسلحة الخاصة للجيش العراقي وتركها عرضة للسلب والنهب، كما يتطلب أمر جمع الأسلحة فعلاً ومبادرات بالإضافة الى مغريات تدفع باتجاه تسليمها للسلطة مقترنة بقرارات وقوانين رادعة.
كما أن معالجة وضع الميليشيات المسلحة في الشارع العراقي أمراً ضرورياً ويساهم حلها وسحب السلاح منها في اشاعة الطمأنينة والثقة بين الناس.
ومثلما يكون القضاء مستقل فأن المواطن متساوي أمام القانون مهما كانت درجة اتهامه بالفعل المخالف للقانون بغض النظر عن جنسه أو قوميته أو مذهبه، والمتهم بريْ حتى تثبت أدانته وحق الدفاع مقدس ويحق للمحامي أن يقابل المتهم متى شاء كما يحق للمتهم مقابلة أهله وذويه والتمسك بتطبيق القانون بما يكفل التطبيق الفعلي السليم للقانون وبما يحقق جميع ضمانات المتهم المنصوص عليها في القانون وبما يشعر المواطن بالحالة القانونية الجديدة والتي نفتقدها منذ زمن ويمكن أن نشعر بها في الدول التي تحترم الإنسان والقانون، وإظهار التمسك بهذه المبادئ ضماناً لكل إنسان في محاكمة عادلة وقانونية وصولاً الى قرار الحكم العادل المتطابق مع واقع القضية المعروضة.
وعلى هذا الأساس يمنع بشكل مؤكد كل أسلوب من أساليب التعذيب والإكراه والأساليب القانونية الباطلة وبما يكفل نزاهة وحياد الهيئة التحقيقية والمحكمة التي تصدر القرار وتقوم بتدقيقه وفق الأصول، ولذا فأن فرض العدالة أحكامها الباتة على المجرمين الذين تتم ادانتهم، وتنفيذ تلك العقوبات علناً حماية لأرواح الناس وردعاً لمن تسول له نفسه الاستمرار في نهج السلوك ألأجرامي، حيث فقد العراق مئات الآلاف من أبناءه قيدت الجرائم المرتكبة بحقهم ضد مجهول، وهو حقاً غير مجهول وبالإمكان التعرف عليه والتوصل له وتشخيص الرؤوس ومحاسبتها، وتم اعتقال عشرات الآلاف من المتهمين لم يتعرف المواطن العراقي على مصيرهم، ولا أين انتهوا ؟ وكيف تم التحقيق معهم ؟ وماهي اعترافاتهم وأسماء المحرضين والمستفيدين من جرائمهم، وطالما بقي الأمر سراً على المواطن، وربما عجزاً في التحقيق لايستطيع أداء دوره في الكشف عن الجريمة والمجرم، وطالما بقي الأمر مكتوماً بحق المواطن وهو مشروع للقتل والذبح اليومي فلن تنجح اية مشاريع للمصالحة، ولا يمكن القبول بمصالحة قاتل لم يرم السكين التي يذبح بها عنق من يريد مصالحته لحد اللحظة، ولايمكن إن يتم قبول فرض المصالحة الوطنية على الناس ولم تزل العديد من القضايا يكتنفها الغموض وتعج بها الالغاز والأسرار، ولايمكن فرض مصالحة وطنية والفساد الأداري والسرقات والرشوة مستمرة دون رادع ودون كشف حقيقي لعناصرها، ولايمكن إن تتم المصالحة الوطنية مع وجود من يتعكز على حسابات متبادلة ومصالح سياسية وشخصية بقصد النهش من جسد العراق لنزعم انه طرف في المصالحة.
وحين تكشف السلطات حقيقة التحقيقات الجارية بحق الذين يتوصل التحقيق الى حقيقتهم، وحين يتعرف المواطن العراقي الى أدوات الجريمة والأسماء التي وظفت مالها ومصالحها وعلاقاتها من اجل قتل العراقي، وحين نعرف الجناية من الجنحة في الفعل، وحين نعرف القتلة في الزمن الصدامي وفي الزمن الجديد، وندينهم جميعا، ونلاحقهم بالقانون وبالعدالة، نستطيع حينها إن نتمسك بمشروع العدالة والمصالحة والسلام، ونستطيع أن نثق إننا تحت دولة القانون.
وكان السيد نوري المالكي رئيس الوزراء قد طرح مشروعاً للمصالحة الوطنية جاءت في مقدمته :
من أجل تأكيد التلاحم بين أبناء الشعب العراقي وترسيخ قواعد الوحدة الوطنية وإشاعة أجواء المحبة والانسجام بين مكوناته المختلفة ولمعالجة الآثار التي تركها الإرهاب والفساد الإداري وغير ذلك على أجواء الثقة المتبادلة وتعميم روح المواطنة المخلصة للعراق التي يتساوى عندها كل العراقيين في حقوقهم وواجباتهم ولا تمييز بينهم على أسس من المذهبية والعرقية والحزبية السياسية، ومن أجل بناء جبهة وطنية واسعة لمواجهة التحديات واستحقاقات عملية بناء العراق ورفاهية شعبه واستعادة كامل إرادته وسيادته، ومن أجل أن يستعيد عراقنا العزيز موقعه الرائد إقليمياً ودولياً، من أجل كل هذا نطلق مبادرة المصالحة والحوار الوطني