الظواهر المضحكة و البدع الغريبة هي واحدة من أبرز مظاهر الحالة الفوضوية الدامية القائمة في العراق منذ أن سقط نظام الإرهاب البعثي وحل محله نظام اللانظام العبثي الذي تتصارع فيه وحوله وخلاله كل موبقات التاريخ و أحزانه وخرافاته والذي تتجسد فيه من جديد كل مشاهد وديكورات حروب صفين والجمل و الفتنة الكبرى، والذي ينهب فيه الناهبون و يلطم فيه اللاطمون، ويتصارع أشباه الرجال على سرقة وإمتصاص و شطف الثروات العراقية في أوسع عملية نهب تاريخية هيأت لها وعجلت من تأثيراتها ظروف عديدة لعل أبرزها غباء الإدارة الأميركية أو خبثها وهي تصمت عن هذا الطرف و تداعب ذلك الطرف وتقمع ذلك الطرف!، ما يدور في العراق اليوم هو صورة مجسمة للعبة الأمم بأشنع معانيها و أبشع أشكالها، كما أن الديمقراطية المسخ القائمة في العراق ما هي إلا إمتهان للديمقراطية و تشويه لها و بشكل لم يحدث في كل عصور التاريخ، وفي الحالة العراقية النازفة حيث تتصارع التيارات و الرؤى و كل عقد التاريخ و إشكالياته تحاول الزعامات الإقطاعية الوراثية من قبلية أو طائفية أو دينية التسابق و البروز و بناء القلاع الحصينة و بما يذكرنا بدوقيات العصور الوسطى الأوروبية وأمرائها من الإقطاعيين سوى إختلاف بسيط يتمثل في كون زعماء الدوقيات العراقية المجاهدة يعتمرون العمائم الملونة من سوداء مقدسة وبيضاء ناصعة أقل قداسة وعصمة و(غتر) على الطريقة النجدية و(سدارات) على الطريقة الهندية و لربما (كشيدات) على الطريقة العثمانية، و تحولت المساجد و دور العبادة من أماكن روحية لها وظائف معروفة لمراكز سياسية و عسكرية تصاغ وتضع فيها الخطط و الستراتيجيات والإستجوابات ومحاكم التفتيش الشرعية (سنية أم شيعية) لا فرق، بل وتنفذ فيها أحكام الإعدام بعد الإتكال على الله و أهل البيت!!!! إنها الهرطقة العراقية الطائفية المجنونة المعجونة بجينات النفاق التاريخية التي حولت العراق اليوم لمركز كبير من مراكز مراقبة سلوك القردة في العالم المعاصر، وبين الملل والنحل والعشائر والأقوام العراقية المتصارعة تتطاحن التوجهات و تبنى الزعامات (الفارغة) ويتم إستغلال الدين والطائفة في أبشع حالة نفاق تاريخية، وفي مراسم عاشوراء للعام الحالي تبلورت ظاهرة جديدة و بدعة مستحدثة لم يعرفها شيعة العراق في السابق و لم يمارسوا شعائرها لأنها غريبة عن العقيدة و المذهب أولا، و لأنها و هذا المهم تكريس لعبادة الشخصية و خلق القيادة البشرية المعصومة في مظاهر لا تخلو من نفاق بين وواضح لا يفيد أحدا و لا يضمن حرية و لا يحقق عدالة، و جميعنا يتذكر كيف كانت الجماهير العراقية تلهث و تسبح بإسم (القائد المشنوق)!! و جميعنا يتذكر حكاية و عدد (جيش القدس) بملايينه السبعة المزعومة!! فلما وقعت الواقعة تبين ورقية ذلك الجيش، و هلامية التأييد الشعبي وزيف أسطورة (أيد بأيد ويه أيد القائد)!! إنها مهزلة النفاق العراقية و ملحمته تتكرر كل وقت و كل حين و بصور متجددة، وقد عمد رئيس المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق (عبد العزيز الحكيم) هذا العام لسلوك طريق غريب تمثل في الإيعاز لجماعته و أنصاره بتوجيه المسيرات الجماهيرية اللاطمة والحاملة لسلاسلها و سيوفها و بكل عدتهم و عديدهم من الأطفال و الشيوخ و النساء و بملابسهم التاريخية لمنزله (منزل الرفيق طارق عزيز)!! في حي (الجادرية) البغدادي و مبايعته هناك في طقوس غريبة يذكرني منظرها بمنظر مبايعة جماهير الحرس الثوري و (بنياد مستضعفين) لولي أمرها و فقيه عصرها و نائب إمامها (السيد علي خامنئي) في طهران!! و حيث تتوافد الجماهير العراقية لتلطم أمام (السيد القائد) وثم تتقدم لتقبيل يده (المباركة) في ظل الكلمات الحماسية من (الرادود) التي تمجد بسماحة السيد و مناقبه و توشك على تنصيبه (إمام زادة) بل و تتبرع من اليوم لبناء قبة ذهبية مقدسه على ضريحه الطاهر بعد عمر طويل!!، و الطريف أن (الحكيم) بعد أن تعب من تقديم يده لتقبلها جماهير المستضعفين سحب يده ليقدم أحد أفراد حمايته يده بديلا عنها ليقبلونها بالإستعاضة!! وهي حالة فريدة في فن التزلف و النفاق الجماعي، لا بل أن الموقف لم يتوقف عند حدود القبلات الساخنة بل تطور ليساهم (الحكيم) في طبخ أكلة (القيمة) الشعبية ليقدمها كثواب للجماهير المحتشدة وهو منظر يعيد إلى الأذهان قيام صدام المشنوق بطبخ الرز للمقاتلين العراقيين في الحرب ضد إيران!!، و سبحان الله إذ يبدو أن قدر الشعب العراقي أن يساهم في صنع الأصنام المقدسة، لقد ناضلنا طويلا للتخلص من صيغ الدكتاتورية و الزعامات الفردية فلما سقط الصنم الأكبر نبتت أصنام لا تقل دكتاتورية و لا فردية و لا طموحا و لا مشاريع زعامة فردية عنه و إن إختلفت الصيغ و الديكورات الخارجية و لكن المضمون واحد لا يتغير، العراقيون يقفون اليوم أمام مآزق قاتلة و مزعجة، فالعمائم المقدسة باتت تفرض منطقها، و ما على الشعب العراقي إلا أن يبوس (الواوا)... وهو البديل الأوحد!.

[email protected]