رغم محاولاتي المتكررة للابتعاد عن الكتابة، في زمن كل ما فيه مقلق ومتعب وقاتل. ورغم لجوئي إلى مصح الانطواء على الذات، كي أتخلص من إدماني على القراءة والكتابة، إلا أنني فشلت، وعدت الى متاعبي الكثيرة، التي بدأت تتعب كل من يمت لي بنسب أو قرابة.
وكيف لا أكتب، والأطفال مهددون تحت كل سقف، داخل غرفة ما، خلف جدار معتم، وراء باب مقفل.. وعلى طاولة الميسر.
وها هي رشيدة بيغم، الطفلة الباكستانية تصرخ بأعلى صوتها لوكالة الصحافة الفرنسية : انا لست ورقة يلعب بها هذا الرجل. وافضل الموت اذا لم استطع حماية نفسي وكرامتيraquo;.

فلقد قامر عليها والدها المرحوم رحيب، قبل أن يودّع هذه الدنيا، وهي في عامها الأول، وخسرها أمام أحد أقربائه في لعبة البوكر.
فبدلاً من أن يلاعبها في طفولتها، لعب عليها وخسرها، لتخسر بدورها حريتها في اختيار شريك حياتها. وبدلاً من أن يهبها الدفء الوالدي، رماها في صقيع أنانيته وإدمانه على لعب الميسر.
هو من قرّر، ومن قامر، ومن خسر.. أما هي، فكانت بنظره قطعة أساس، ورقة نقدية، جورباً، حذاء، ثوباً بالياً، مصدر ربح أو خسارة.. ولم تكن قط فلذة كبد، كما يجب أن تكون، ويحق لها أن تكون.

وما أن نضجت رشيدة، وبانت محاسنها، وأشرقت شمس ابتسامتها السمراء الخجولة، وبدأت أعوامها الخمسة عشر تجمّل لها الحياة، وتصورها بأبهى حلة، حتى ظهرت الغمامة السوداء التي خلفها والدها المرحوم في أجواء منزله، إذ طالب بها قريب الوالد، كونها حق مكتسب له، بعد أن ربحها من والدها بلعبة البوكر.

ولكي تدركوا مدى الانحطاط الأخلاقي عند بعض الآباء، وجب علي أن أخبركم أن المبلغ الذي خسره الوالد لا يزيد عن 166 دولاراً، هو ثمن غشاء بكارة رشيدة لا غير، لأن هذا ما يحلم به ذلك القريب البعيد عن القرابة بعد السماء عن الماء. وإلا لما شارك الوالد بجريمته، ولما انتظر خمسة عشر عاماً حتى أينعت الطفولة وطاب أكلها، ولكان اختفى خجلاً من أعين قريبته الصبية التي طمع بعذريتها منذ العام الأول من رحلتها الشاقة مع الحياة.
يجب محاكمة هذا القريب، وإنزال أشد أنواع العقوبة بحقه، كي لا تتفكك أواصر القربى، وكي لا تبتل ى الطفولة بأقرباء لا تهمهم سوى المتعة، ولا تنبض بقلوبهم سوى الأنانية، ولا يتراقص على شفاههم إلا لعاب الغدر.
كما يجب نبش قبر ذلك الوالد، وجلب رفاته إلى قاعة المحكمة، ومحاكمته أمام عينيّ ابنته المظلومة، بغية الاقتصاص منه، ليصبح عبرة لكل والد أناني جحود.
أجل.. في القرن الحادي والعشرين يقف القانون الدولي عاجزاً أمام جرائم عديدة ترتكب بحق الطفولة، وما زلنا نتغنى بمنظمات حماية الطفل، وحقوق الطفل، وتشجيع الطفل وما شابه.