بان كي مون وجورج بوش وتوني بلير وخافير سولانا،واشنطن وموسكو وبروكسل ولندن وباريس والرياض كل هذه العواصم العالمية ذات الشأن وكل آولئك الزعماء الكبار ابتداءا بالسيد مون الامين العام للامم المتحدة مرورا بالرئيس الامريكي وصولا الى منسق السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي كلهم اشادوا وباركوا انعقاد مؤتمر بغداد التحضيري ورحبوا بالنتائج التي تمخضت عنه واعتبروه خطوة بالاتجاه الصحيح - وهؤلاء جميعاًَ ليسوا عرباًَ ولا بمسلمين ولا (بطيخ) ولا هم يحزنون - الا السيد عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية فانه لم يعلق على المؤتمر سلبا او ايجابا ولاذ بصمت عجيب كصمت اهل القبور فما هو ياترى السبب وراء اتخاذ موسى هذا الموقف تجاه هذا المؤتمر؟ علما ان موسى بحكم وظيفته كأمين عام لجامعة الدول العربية التي يعتبر العراق عضوا مؤسسا فيها كان يفترض ان يكون اول المشيدين بهذا الخطوة التي تفاءل فيها البعيد قبل القريب والغريب قبل (الشقيق)!
قبل الخوض في معرفة الاسباب التي دعت السيد عمرو موسى لان يقف موقف المتفرج من المؤتمر المذكور لابد من القول ان انعقاد المؤتمر في بغداد وفي ظل الاوضاع الحالية يعد انجازا بحد ذاته وفيه الكثير من الدلالات اولها انه مثل اعترافا دوليا بالنظام السياسي العراقي الجديد لانه جاء بمشاركة سبعة عشر دولة ومنظمة بما فيها الدول الخمسة دائمة العضوية مما يضفي شرعية دولية على حكومة المالكي التي اكتسبت شرعيتها اصلا من الانتخابات الحرة التي تمخضت عنها لكن الاعتراف الدولي بها من خلال مؤتمر بغداد جاء ليزيد الخير خيرين. ثاني تلك الدلالات هو التزامن المدروس الذي حصل في عقد المؤتمر وخطة فرض القانون الجارية في بغداد مما يزيد من شرعية هذه الخطة التي اراد البعض اجهاضها من خلال فبركة الافتراءات ومن بينها فرية وأكذوبة اغتصاب المدعوة (صابرين). فمشاركة هذا العدد من الدول والمنظمات دليل على عدم تأثرها بتلك الافتراءات والاشاعات المغرضة اذ كيف لدول معروفة باهتمامها بموضوعة حقوق الانسان مثل فرنسا وبريطانيا وامريكا وكذلك الامم المتحدة المشاركة في مؤتمر يتزامن وخطة فرض القانون الامنية لو كانت هذه الخطة تسببت بانتهاكات لحقوق الانسان كما يدعي البعض؟
ثالثها الحضور الملفت للنظر للدول المتصارعة على الساحة العراقية واعني ايران وسوريا من جانب وامريكا وبريطانيا من جانب اخر، هذا الحضور والجلوس على طاولة مستديرة يعد انجازا للحكومة العراقية ولدبلوماسيتها التي بذلت جهودا عظيمة للجمع بين هذه الدول المتخاصمة. رابعها قبر المؤتمر والى الابد فكرة (حكومة الانقاذ الوطني) التي يمني بها البعض نفسه للوصول الى دفة الحكم عندما قرر المؤتمرون تشكيل ثلاث لجان لحل المشكلة الامنية اهمها اللجنة الامنية للتنسيق بين الدول المجاورة للعراق مما يعني اقرارهم بأن الخلل الامني ليس سببه ضعف الحكومة العراقية المنتخبة او سببه خطأ في العملية السياسية كما كان ولايزال البعض يروج لذلك بل سببه وفي جانب كبير منه هو مجاميع الارهاب الدولي والمحلي المدعومة لوجستيا بشكل او بآخر من قبل بعض دول الجوار والتي بامكانها لو ارادت غلق حدودها بوجهها ووقف دعمها ان تساهم في استتباب الامن في العراق لكن لحسابات باتت معروفة لاتريد ان تفعل ذلك.
آخر تلك الدلالات ان المؤتمر ساهم في اعادة تأهيل بغداد اقليميا ودوليا وانهى بشكل عملي الحصار والمقاطعة الدبلوماسية الدولية لها اذ لم تستضف بغداد اي اجتماع او مؤتمر دولي منذ 1990 عام فرض العقوبات الدولية عليها بسبب غزو نظام صدام البائد لدولة الكويت الشقيقة. هذه باختصار بعض الثمار التي تمخض عنها مؤتمر بغداد للامن والذي كان ناجحا بمعنى الكلمة وهو نجاح كما مر يسجل لحكومة السيد المالكي ولدبلوماسيتها التي يترأسها السيد هوشيار زيباري وهذا دليل على ان الاكراد جزءٌ من الحل واهلٌ للمشاركة في الحكم.
نعود الى السيد عمرو موسى والذي كان يتوقع لجامعته التي يترأسها ان تمثل (عصا موسى) وتساهم في ايجاد الحلول الواقعية وليست السحرية للمشكلة الامنية في العراق ولكنه كعادته وكعادة جامعته لم يكن عند حسن ظن العراقيين به فلم ينبس ببنت شفه وهو يشاهد النجاح الذي تمخض عنه المؤتمر ربما لانه لم يكن على غرار مؤتمرات القمة العربية التي تعلن نتائجها قبل انعقادها والتي لاتعدو في اكثرها سوى لقاءات لالقاء الخطب النارية وللمزايدات القومية وفي الاونة الاخيرة باتت تتخذ شكلا كوميديا باطلالة بطل الكوميدية العربية العقيد الاخضر الذي دأب في القمم الاخيرة على تحويلها منبرا لتسويق شخصه على انه (الزعيم) العربي الوحيد المناوئ (للامبريالية) العالمية والتي يكثر من ترديدها في خطبه (الجنجلوتيه) على حد قول العراقيين علما انه ذاته صناعة امبريالية قلبا ً وقالبا ً والدليل على ذلك استثماره لمليارات الدولارات من اموال الشعب الليبي المضطهد في الدول الامبريالية لصالحه ولصالح اسرته وحرمانه الشعب منها وآخر تلك الاستثمارات شراء احد ابناءه لنادي رياضي ايطالي بصفقة تجاوزت عشرات الملايين من الدولارات علما ان ليبيا كانت مستعمرة من قبل (الامبريالية)الايطالية! بالاضافة لدفعه مليارات الدولارات لضحايا الدول الامبريالية في حادثة لوكوربي الشهيرة بالوقت الذي يعاني شعبه من الفقر والجوع ومن شظف العيش وهو بامس الحاجة لهذه المليارات لمعالجة مشكلة البطالة التي يعاني منها، ومع ذلك تجد العقيد الاخضر يستغل كل قمة عربية لاستعراض عضلاته وبيان بطولاته في الصراع ضد الامبريالية وانتقاصه من حكومات دول الخليج العربية واتهامها اياها بكونها دول موالية للامبريالية وهو لم يقدم لشعبه ولبلده عشر معشار ما قدمته تلك الحكومات لشعوبها ومنها المملكة العربية السعودية التي ما فتئ صاحب (الكتاب الاسود) يتهمها بالتأمرك وبالتبعية للغرب.
وعودة على بدء اقول ان صمت السيد موسى يأتي من كونه رافضا ومنذ البداية لعملية اسقاط نظام صدام كذلك يأتي من دوافع طائفية وعنصرية عبر عنها اكثر من مرة كان اخرها تصريحاته في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي سبق مؤتمر بغداد والتي ادانتها الحكومة العراقية ومعظم القوى السياسية العراقية واعتبرتها تدخلا سافرا في الشأن العراقي الداخلي وخروجا عن ميثاق جامعة الدول العربية الذي يحرم التدخل في الشؤون الداخلية لاعضائها. كذلك صمت السيد موسى وعدم ترحيبه بما تمخض عنه مؤتمر بغداد سببه شعوره بالفشل في تقديم الجامعة التي يتزعمها حلولا للعراقيين بينما أتت الحلول من غيرهم وهذا دليل على فشله الشخصي حيث لم يسجل لعمرو موسى منذ ان تسنم امانة جامعة الدول العربية انجازا يذكر وحتى مبادرته الاخيرة في الشأن اللبناني لم تنجح وجاء الفرج على يد السعوديين والايرانيين، فقمة واحدة جمعت بين الملك السعودي والرئيس الايراني كانت كفيلة بحلحلة الامور في لبنان بينما لم تسفر رحلات موسى المكوكية بين القاهرة وبيروت عن شئ يذكر اللهم الا المزيد من تبديد ميزانية الجامعة على رحلاته الفاشلة.
بصراحة لقد آن الاوان لإحالة موسى على التقاعد واستبداله بشخص كفوء آخرعسى ان يبعث الحياة في جثة جامعة الدول العربية. بقي تساؤل لابد منه وهو اذا كانت الدول العربية المهمة كالسعودية وسورية ومصر بالاضافة الى البحرين والكويت قد شاركت بالمؤتمر ورحب اكثرها بنتائجه وهذه الدول هي اعضاء في جامعة الدول العربية وعلى ذلك تكون مشاركتها وترحيبها بالمؤتمر انعكاسا لبقية الاعضاء فمن حقنا ان نتسائل هل يمثل صمت السيد موسى راي هذه الدول وبالتالي رأي وموقف بقية دول الجامعة ام انه يمثل رأيه الشخصي ؟ فاذا كان الجواب هو الثاني فهذه اعجوبة ان يكون للجامعة راي في قضية ولأمينها رأي يخالفه والذي يفترض فيه ان يكون حريصا وأمينا بحق على تمثبل الجامعة وعكس رغباتها السياسية وتوجهاتها بدقة وأخلاص بما يخدم الشعوب العربية! ولكن لِمَ العجب السنا في جامعة العرب؟

[email protected]