-1-
منذ عام 2003 ، وبعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق الى الآن، ونحن نسمع ونقرأ عن فضائح السرقات المالية التي تتم بين وقت وآخر في العراق الجديد، من قبل بعض المسؤولين العراقيين الكبار، الذين يتوهمون بأن نظام الطغيان ما زال قائماً. وكان آخرها ما أكده رئيس quot;هيئة النزاهة العامة في العراقquot;، القاضي راضي حمزة الراضي. فقد أكد رئيس quot;هيئة النزاهة العامة في العراقquot;، قبل ايام ان مجموع المبالغ التي تحقق فيها الهيئة ضمن قضايا هدر المال العام يبلغ 8 مليارات دولار، مشيراً الى ان هناك 8 وزراء و40 مديراً عاماً محالون الى القضاء في قضايا الفساد. وقال الراضي، ان الفساد موجود في كل دول العالم، ولكن بنسب مختلفة، وفي العراق يبلغ الفساد الاداري نسباً عالية، ملقياً اللوم على الاوضاع الامنية السيئة في العراق.
وتساءل الراضي: أين الأمن؟ اذا بعثنا اليوم بمبلغ الى البنك لا نستطيع ضمان وصوله. واوضح الراضي ان هناك 8 وزراء و40 مديرا عاما محالون الى القضاء في قضايا الفساد الاداري، وكلهم هربوا الى خارج العراق ومطلوبون.
-2-
ما يحدث اليوم في العراق ليس بجديد على المسؤولين العرب. فقد سبق ان نهبت خزائن دول عربية كثيرة في المشرق والمغرب، ولم تستعد هذه الدول الأموال المسروقة. وكانت هذه الأموال في حقيقة الأمر مسروقة من جيب شعوب هذه الدول. وسرقة المسؤولين الكثر العرب، لا تكون بالسطو على البنك المركزي في رابعة النهار كأي عصابة أخرى، ولكنها تكون بعدة طرق يعرفها هؤلاء المسؤولون. وإذا أعجزتهم الحيلة يقومون بسرقة الدولة عن طريق قبض عمولات طائلة، من شركات المقاولات التي تقيم مشاريع الدولة المختلفة، مما يضطر هذه الشركات الى عدم تنفيذ عقودها بأمانة تامة وشفافية واضحة. وسرقة الدولة في بعض الدول العربية تكاد تكون علامة من علامات الشطارة والفهلوة. وأن من يسرق الدولة هو الشخص (الناصح) (المفتّح) الذي يعرف كيف يمكن السطو على أموال الشعب السائبة لمن هبَّ ودبَّ. بل ان بعض الدول المجاورة للعراق تشجع المسؤولين بطريقة غير مباشرة على سرقة المال العام. فحكام هذه الدول مثلا، يستوزرون وزراء من فقراء خلصائهم لا دراية لهم بالسياسة ولا بالحكم، ولكن لكي يستفيدوا من سرقة المال العام، بدلاً من أن يعطوهم مالاً من جيوبهم الخاصة كمساعدة لهم. ومن هنا نرى في بعض دول الجوار، أن الحكومات تتعاقب كثيراً على الحكم، وأنها سريعة التغيير. ففي حوالي نصف قرن، جاء على الحكم أكثر من خمسين حكومة، بمعدل حكومة في كل عام. ومن بين المقاصد من ذلك، أن يعم الخير على جميع الخلصاء، وهو خير سرقة المال العام.
وسرقة أموال الدولة أو الشعب من أسهل أنواع السرقة، ومن أكثرها سُمنةً ودسماً، وأسرعها حصولاً، وأقلها عقوبة واعادة للمال العام. فمن النادر أن نجد مسؤولاً كبيراً في دولة عربية، قد قُبض عليه بتهمة السرقة، وحُوكم، وتمت استعادة الأموال المسروقة، وتم سجنه. وقد يحدث مثل هذا في بعض الأحيان القليلة في العالم العربي، ولكن يكون الغرض منه هو الكيد السياسي، وليس مكافحة الفساد، والقضاء على سرقة الأموال العامة.-3-
تحدث سرقات المال العام في كل دول العالم تقريباً, ولكن بنسب متفاوتة. إلا أن ما حدَّ من سرقة المال العام هو الديمقراطية التي تقود حتماً الى الشفافية. فلا شفافية حقيقية وفاعلة دون ديمقراطية صادقة ومطبقة تطبيقاً كاملاً.
فمن أين يمكن للشفافية أن تتحقق, وأفواه الناس مغلقة؟
ومن أين يمكن للصحافة أن تفضح سرقات المال العام، والصحافة مؤممة أو مملوكة بنسبتها الكبرى للدولة راعية الفساد وسرقة المال العام؟
ومن أين للمعارضة أن تشير الى السارقين والناهبين، والمعارضة مقموعة، فنصفها في السجون، والنصف الآخر مشرد في منافي العالم؟
ومن أين للقضاء أن يلاحق لصوص المال العام، والقضاء غير مستقل، والهيئة القضائية تحت سيطرة الحاكم، وهي في اصبعه كخاتم الماس، متى شاء قلعها ومن شاء ثبّتها. وأن القاضي لدى الحاكم الديكتاتوري هو عبارة عن خاتم الأحكام، في حين أن القاضي الفعلي هو الحاكم نفسه؟
لذا، نجد أن المجتمع الغربي لا يخلو من سارقي المال العام، ولكن بفضل الديمقراطية والشفافية، لا يلبث هؤلاء الحرامية أن يُكتشفوا، ويتم القبض عليهم, وتتم محاكمتهم, واسترجاع الأمول المسروقة منهم. ولعل البيان الذي أذاعه القاضي راضي حمزة الراضي، هو مظهر من مظاهر هذه الشفافية التي بدأ العراق الجديد يأخذ بها، نتيجة لتطبيق الاستحقاق الديمقراطي الذي أخذ طريقه الى العراق منذ فجر التاسع من نيسان 2003.
ونأمل من العراق الجديد, أن يصبح على هذا النحو من الدمقرطة والشفافية. ونحن نعلم علم اليقين، بأن العراق يظل جزءاً لا ينفصل من العالم الثالث المغموس والغارق حتى أذنيه بالفساد، ويظل جزءاً لا يتجزأ من العالم العربي المنكوب بالفساد وسرقة المال العام، وتلك قيم أصبحت جزءاً من التراث العربي الجديد، كما كانت جزءاً من التراث العربي القديم كذلك.
-4-
إن ما يحصل في العراق من فساد وسرقة ونهب للمال العام, من خلال حوادث كثيرة خلال الأعوام الأربعة الماضية، وكان آخرها ما أشار اليه رئيس quot;هيئة النزاهة العامةquot; في العراق، القاضي راضي حمزة الراضي، يُحرج الكثيرين من أصدقاء العراق في العالم العربي، ومنهم الليبراليون الذين يقفون الى جانب العراق الجديد بقوة وشجاعة متناهية، وكذلك الرأي العام الأمريكي والرأي العام الغربي الذي وقف الى جانب ضرورة تحرير العراق من الطغيان. وهؤلاء جميعاً يقولون بصوت واحد، يكفي العراق ما له من أعداء ارهابيين قتلة ومعارضين للعراق الجديد. يكفي العراق نكباته اليومية في هذه الأعداد من الضحايا التي تذهب مجاناً كل يوم. فلا يجوز للسياسيين العراقيين ورجال الدولة العراقيين أن يزيدوا من نكبات هذا الشعب بسرقة أمواله. فالأمريكيون الذين قيل في 1991 أنهم جاءوا ليحرروا الكويت من العدوان الصدامي الأثيم، لم يسرقوا قطرة بترول واحدة من الكويت أو من السعودية. وهم الذين جاءوا بالأمس ليحرروا العراق من حكم الطغيان لم يسرقوا قطرة بترول واحدة من العراق، أو قطرة ماء واحدة من دجلة أو الفرات، أو حبة تمر واحدة من نخيل العراق. والشركات الأمريكية ذات السمعة السيئة، التي سرقت أو حاولت السرقة عن طريق رشوة كبار رجال الدول لتمرير مشاريعها ومقاولاتها، تم كشفها ومعاقبتها بصرامة وشدة كما هو الحال داخل امريكا نفسها، ونظامها الصارم في مكافحة الفساد وسرقة المال العام. ويظل المجرم هو من طلب الرشوة وأصرّ عليها.
علينا أن نتقي الله في العراق الجديد.
السلام عليكم.
التعليقات