عندما كنت مدعواً في كردستان العراق في العام الماضي لحضور أسبوع quot;المدي الثقافي مهرجان الربيعquot;، تلبيتة لدعوة رئيسها المثقف التقدمي الأستاذ فخري كريم، كانت احدى ندوات المؤتمر بعنوانquot;الديمقراطية أداة التحول من النظام الاستبدادي إلى المجتمع الحر والتعدد السياسي والتنوع الثقافيquot;، اشتكي وبكي فيها بعض الكتاب من سؤ الأوضاع في العراق وسوداويتها، وأخذت الكلمة وقلت quot;انني متفائل بمستقبل العراقquot; وقلت إن أحد أهم أسباب تفاؤلي وجود الرئيس جلال طالباني كرئيس للعراق، وهو من الأقلية الكردية التي كانت مضطهدة طوال حكم البعث، وازداد اضطهادها وحشية تحت حكم الديكتاتور السابق صدام، ولكن الوعي واللاوعي العربي المتكلس، المصاب بمرض الثبات في الفكر والعقيدة، والذي أوقف عقله منذ القرن الثاني عشر، ويعيش في ماضيه الجميل، ويحكمه الأموات من وراء قبورهم، لم يستسغ ولم يع رمزية حكم جلال طالباني للعراق، إذ كيف يجلس رجل من الأقلية على عرش هارون الرشيد ولا يحرك ذلك خيال الأقليات المظلومة في الشرق الأوسط؟ ونسوا أن وجود شخص من أي أقلية في أعلى سلطة رئاسية هو قمة الديمقراطية والمواطنة،فلا فرق بين أبناء البلد والواحد إلا بالكفاءة، دونما أي اعتبار للعرق والدين، كما هو الحال في أمريكا و كل البلاد الأوربية، وبعد انتهاء الندوة سألني أحد الحضور: معنى كلامك أنك تؤيد أن يحكم مصر ذات يوم قبطي؟ فضحكت وقلت له:أسأل الله أن أكون على قيد الحياة وأري هذا اليوم، لأن ذلك لو تحقق ستكون بلدي مصر قد بلغت قمة الديمقراطية وحققت مبدأ المواطنة فعلاً لا قولاً.

فما جدوى حكم الأقليات؟
لحكم الأقليات فوائد كثيرة، أولها أنه يعيد إليها ثقتها بنفسها هي التي ظلت مضطهدة ndash; ولا زالت ndash; لسنوات طويلة، وأنها تشارك في صنع القرار، وانهم مواطنون لا رعايا مما سيشعرهم بالأمان المحرومون منه سنيناً طوية، ولن يجعل رأس المال يهرب خوفاً من النهب، لأن الأقليات دائماً غنية ، ثانياً أن التاريخ يعلمنا أن الأقليات كانت على قدر كبير من الذكاء على مر العصور وأخرجوا لنا كثيراً من المبتكرين والمخترعين والعلماء والعباقرة،مما سيجعلهم يبذلون أقصي جهودهم لإثبات جدارتهم بالمناصب التي وصلوا إليها، فالعالم مدين للأقليات بجل الاختراعات التي تمت وللحضارة التي نعيش عيها الآن. سأضرب مثلاً لذلك، عندما اجتمع بنا الرئيس جلال طالباني في العام الماضي، لم يذكر اسم الشيعة إلا مسبوقاً بـquot;إخوتنا في الدين والوطنquot;، في حين أن شيوخ التأسلم والإرهاب يسمونهم بـquot;الروافضquot;، حتى بلغ بشيخنا الموقر يوسف القرضاوي بتحريم زواج السني من الشيعية، وفرض على الإسلام فرضاً جديداً ما أنزل الله به من سلطان، في حين أن رسولنا صلى الله عليه وسلم تزوج من المسيحية واليهودية. هناك موقف آخر مر علينا جميعاً مرور الكرام، وهو قرار التصديق على اعدام صدام حسين، فرفض طالباني التوقيع عيه، ووقع المالكي عليه واعدم صدام، لأن طالباني لو صدق على الحكم لقالوا أنه صدق لينتقم للأكراد، على الرغم أنهم كانوا مضطهدين لمدة 35 عاماً وضربوا بالكيماوي، ولكنه الحذر من الرغبة في الانتقام،إن حكم الأقليات ndash; لو وصلت إلى الحكم ndash; سيكون مبنياً على فلسفة التسامح والسلام التي نحن بحاجة لها الآن، والتي هي اللغة التي يفهمها العالم المتحضر الآن، وهذا ما لم يحققه حكم الأغلبية لنا على مر العصور والأجيال، ألم يصرح هتلر مصر محمد مهدي عاكف بأنه quot;يفضل أن يحكم مصر مسلم أندونيسي على أن يحكمها قبطي مصريquot;، فالله أسأل أن يمد في عمري حتى أري قبطي رئيساً للجمهورية ،أ و رئيساً للوزراء،أ ومحافظاَ، أو رئيساً للجامعة،وليس محروماً من المناصب الهامة في وزارتي الدفاع والداخلية. لقد بلغ جمود المتأسلمين الفكري وهوسهم بالماضي الذي لن يعود، بأن طالب مرشدهم السابق مصطفي مشهور، بضرورة إخراج الأقباط من الجيش على أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون كما كانوا يدفعونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسوا أننا في بداية القرن الحادى والعشرين، عصر حقوق الإنسان والمرأة والأقليات، عصر الديمقراطية والمواطنة، ونسوا أن عملة quot;التأسلمquot; هي عملة أهل الكهف الذين ناموا حينا من الدهر وظنوا أن عملتهم مازالت صالحة للصرف،فعملة quot;الطائفيةquot; وكراهية الآخر المغاير(اليهودي والمسيحي)، التي يستعملها المهربون الدينيون غير قابلة للصرف في عصرنا الحاضر.
الحل معروف للجميع وهو يحتاج لشجاعة فكرية وأدبية وأخلاقية، وهو ضرورة إعطاء أقليات العالم العربي حقوقها كاملة تأسيساً لمبدأ المواطنة، ضرورة إعطاء المرأة حقوقها لتتساوى بالرجل في الحقوق، وكذلك بالمرأة الأوربية والمغربية والتونسية، ضرورة فصل الدين عن الدولة الذي بدونه لن نخرج من دوامة التأسلم التي يدور العالم العربي في فلكها ... فهذا هو الحل ... أو الطوفان.
[email protected]