من جديد يعاود معسكر الهزيمة الفكرية و الحضارية في العالم العربي ممثلا لما يسمى بالمؤتمر القومي العربي البيروتي النشأة و التأسيس تكتله و يجتمع هذه المرة في مملكة البحرين الشقيقة و تحت قصف مكثف من الشعارات البراقة و المخادعة التي أثبتت الأيام و الأحداث مدى فشلها و خوائها بعد الهزائم الكبرى و التاريخية لقوى الأحزاب القومية العربية التي لم تستطع قيادة الشعوب العربية سوى نحو الهزائم الثقيلة و الموجعة و التي فشلت تاريخيا و ميدانيا في تحصين العالم العربي و تنظيفه من التيارات الطائفية المتطرفة المريضة و الأصولية الإرهابية المجرمة بل أن الأنظمة التي حكمت بالشعارات ذاتها التي يروج لها أهل المؤتمر القومي في مؤتمراته القومية و بياناته الهزيلة المضحكة قد قامت بإرتكاب جريمتها الكبرى بتجزئة العالم العربي المجزأ أصلا و تهشيم المجتمعات العربية من خلال سياسة الإرهاب و الإستبداد و الحكم الشمولي الذي عصف بالحريات و بكل قيم و أدوات المجتمع المدني الحقيقية و ضرب كل القوى الحداثية التي من شأنها إيقاف عجلة التدهور الثقافي و التراجع الحضاري، و أعتقد أن التجارب السياسية الفاشلة بل الموجعة في كارثيتها ليست بحاجة إلى دليل؟ فها هو الوضع المتفجر في العراق قد حول ذلك البلد لمستوطنة طائفية مريضة تفككت فيها كل عرى التضامن الوطني و سادت لغة الطائفية المقيتة و العشائرية المتخلفة كما ترسخت ثقافة الموت العدمية بعد ترسخ تيارات السلف المتوحشة التي لا تمتلك أي برنامج إنساني مستقبلي سوى الخوض في غبار القرون الماضية و محاولة إحياء نماذج سياسية و سلطوية تجاوزها الزمن و العقل و بما يمثل حالة نكوص و تراجع فكري حقيقية، و لم يكن السبب في ذلك الإحتلال وحده أبدا..

بل كان السبب الحقيقي هو الفشل التام لنظام البعث القومي البائد في العراق في خلق وحدة وطنية أو تربية نموذج قومي عربي و إنساني سليم وفقا للشكل و المواصفات التي تتحدث عنه بيانات المؤتمر القومي العربي الهزيلة المصاغة بلغة ديناصورية تجاوزها الزمن و المعبرة عن حال سياسيين فاشلين ليست لديهم أي بضاعة فكرية حقيقية سوى التسول على شعارات البعث البائد و على شعارات الأنظمة العسكرية ذات الخلفية الطائفية و العشائرية التي أسست لكل ملامح و أشكال الخراب في العالم العربي، ففي مقالة كتبها أحد من هؤلاء في صحيفة (الأيام البحرينية) و هو يمجد المؤتمر القومي العربي و إجتماعاته في البحرين نرى كل عناصر التداخل الفظيعة بين الشعارات المفلسة لأهل المؤتمر و بين دعايات التيارات و الجماعات الإرهابية السلفية المتوحشة التي تروج لتيارات الموت في العراق حينما يتحدث عن الهزيمة التاريخية لما يسميه المشروع الأميركي و إنتصار مشروع ما يسمى بالمقاومة العراقية؟ و هنا أتساءل بصدق عن أي هزيمة أميركية يتحدث هؤلاء و صنمهم الأكبر و هبل العصر نظام البعث البائد قد تهاوى كالعصف المأكول تحت أقدام الشعب في منظر تاريخي ستخلده ذاكرة الشعوب الحية لقرون عديدة و كان بداية فعلية لنهضة تحررية شاملة لا بد أن تفرض منطقها و إن بدت الظواهر الراهنة عكس ذلك تماما؟ ثم عن أي مقاومة عراقية يتحدث بعض المفلسين؟ هل هي مقاومة الإرهابي المقبور أبو مصب الزرقاوي؟ أم أنها مقاومة أبو عمر البغدادي و أبو بطيخ المصري!! و أبو مصيبة الليبي أو أبو سياف الجزائري؟ هل هي مقاومة القتل الطائفي الأحمق الجبان؟ أم هي مقاومة بقايا البعث و فدائيي صدام من الذين ينتحلون الشعارات الدينية و ألإسلامية و يمعنون في قتل الناس على الهوية و تفجير الأسواق و زرع الخراب في مدن العراق و قراه في محاولة مجنونة و يائسة للوقوف ضد تيار الحرية الجارف و الذي سيكتسح لا محالة كل عقول التحجر و الظلام؟.. إنها تحليلات بائسة و مريضة لتجمع من الحزبيين و السياسيين الفاشلين يريدون إيهام الرأي العام بأنه يعبر عن الأمة بينما في حقيقته المطلقة هو تعبير عن بقايا أتباع أنظمة الهزيمة و العار الطائفية المستبدة و التي سقط بعضها فيما ينتظر البعض الآخر، دون أن ننسى أن العديد من أتباع و قيادات ما يسمى بالمؤتمر القومي العربي كانوا من هيئة الدفاع عن الفاشية البائدة في العراق و كانوا من رجال نظام البعث البائد الذين يحاولون من خلال (نضال الفنادق و إلتهام الموائد) معاكسة عجلة التاريخ.. و لكن ستظل للمؤتمر القومي العربي حسنة كبرى تتمثل في كونه قد أكد على حقيقة : (أن الديناصورات لا زالت حية في الفكر السياسي العربي)!!... الهزيمة الحقيقية و المستقبلية هي هزيمة أهل التحجر و الظلام و أصحاب المشاريع الدموية المتوحشة رغم تغليفها بعبارات التضامن القومي الفضفاضة التي تعرف الشعوب حقيقتها.. و لا عزاء لأهل النفاق القومي الشامل؟.

[email protected]