قالت الأخبار :quot;انتحر وزير الزراعة الياباني توشيكاتسو ماتسوكا الذي كان يواجه انتقادات بسبب فضائح تمويل سياسيquot;.. خبر محزن على المستوى الإنساني، ومفرح سياسياً، مادامت السياسة بعيدة عن الإنسانية، أبعد من تلك الانشوطة التي علّق بها الوزير نفسه، ليشطر الفضاء الى نصفين-على حد وصف الشاعر العظيم ريتسوس- فمثل هذا الأنشوطة هي الأجدر بساسة عرب كثر، منهم دكتاتور العراق، الذي كان سيبقى معلقاً كسؤال أزلي في الضمائر لو أنه أغلق على نفسه باباً وتدلى منه، غسلاً لعار أخطائه؛في استباق ضميري سيدفعنا جميعا للترحّم عليه، وكان ترحّمنا سيمضي مع الدهر حاراً وشديداً لو أنه لجأ الى الأنشوطة تلك بعد أول الجرائم، لكن التاريخ عاق ونزق لأنه لم يعدم عن أول جرائمه!، فمجزرة الدجيل التي أعدم بسببها جاءت بعد سلسلة طويلة وخفية، تبدأ من إطلاقه النار على أستاذه سعدون الناصري ولما يبلغ عمره السادسة عشر.. ولنا هنا أن نحلم بصدام مُعلِقاً نفسه من باب قاعة الدرس. وقتها كان تاريخ العالم كلّه سيتغيّر، بسبب لحظة ندم لمخطئ ما كان له ان يستمر بجرمه مروراً بالدجيل ولا الحرب على إيران ولا مجزرة الأنفال ولا احتلال الكويت، ولا.. ولا..
ربطة عنق واحدة كانت ستحسم هذا المصير وتستبق التاريخ الى أجمل ما سيكون عليه..
ربطة عنق كان سيخلعها الطاغية نادماً بعد أن أَمَرَ بإعدام أكثر من سبعين رفيقاً له خلال اجتماع حزبي شهير..
ربطة عنق واحدة كانت ستشعره بالعار الأزلي في أن يرتديها عقب تلك الجريمة. ولعلّ مستشاراً ثقافياً من جلاوزة خطاباته الرنانة كان سيلمّح له من بعيد عن المجد الكامن في ربطة العنق، وهو يروي له حكاية الجندي الكرواتي ذاهباً الى الحرب ومتوسماً حول عنقه منديل حبيبته، عهداً ان لا يخلع هذا المنديل حتى ترفعه هي بعد عناق العودة. سيقول له أن شرف الجندية في روح ذلك الكرواتي دفع كل الجيش الى تقليده، ودفع العالم كلّه حتى هذه اللحظة لارتداء ربطة العنق تقليداً لجندي كرواتي جعل أسم كرواتيا متأرجحاً مع كل quot;كرفاتاquot;؛التي تعني الإشارة الى اسم هذا البلد. ودفع ببعض الحكومات لتعلن تشريعاً بقص ربطة عنق أي سياسي يرتكب خطأ.. وسيحكي له حكاية سياسي هولندي نقل الى المصح بعد ان قطعوا ربطة عنقه.. قطعوا ربطة عنقه ربما في إشارة الى فشله باستخدامها قبل استدعائه الى البرلمان مثل ذلك الوزير الياباني الذي استغلها قبل لحظات من مثوله البرلماني..
كان الطاغية شغوفاً بربطات العنق ولعلّ هذا الشغف جعل بعض العارفين به مثل الكاتب حسن العلوي يصف حبل المشنقة الذي التف حول عنقه كما لو انه quot; ربطة عنق يدخل فيها على حفلة ليلتقي جاك شيراكquot;.. وصف دقيق لرجل كان قريباً منه ذات يوم، ووصف ربما سيجد البعض فيه معادلاً موضوعياً لعدم إرتداء الطاغية ربطة عنق أثناء مثوله أمام المحكمة، وقيل ترك الفرنسة وأصبح إسلامياً.. لأن الإسلام سينقذه من محنة الانتحار باستخدام ربطة العنق تلك، فلا حاجة له بها لأنه سيخضع لمصير ربطة عنق أخرى ستقطع عليه شهادته التي أحتج الشيخ القرضاوي لأنهم لم يدعوه يكملها للمرة الثالثة، قائلاً ان من الواجب انتظاره يردد الشهادة حتى لو واصل قراءتها لملايين المرات..
ربطة عنق واحدة.. كان من الأجدر به أن يحملها الى غاره بدلاً من صندوق الدولارات.. ربطة كان سيصبح عبرها رمزاً لو أنه أوثقها الى أَعْذاقٌ النخلة التي اختلف المريدون على زمن إلقاء القبض عليه بسبب أحمالها..
ربطة عنق كانت ستغيض الكروات لأن quot;الكرافاتهquot; بعد هذه الواقعة ربما ستحمل اسم صدام!!..
ربطة عنق.. كان من الأجدر به أن يجعلها درساً يومياً لوزراء حكومته، حتى يصبح يوم العاشر من نيسان، اليوم الثاني لهزيمة ذلك النظام.. عاشوراء يعلنها الصحاف شهيداً يتدلى من أقرب مايكروفون في ذلك الصباح الذي سيشرق على ساحة الفردوس وناجي صبري الحديثي وكلّ رجالات النظام يتدلوّن من أعمدة محيط تمثال الديكتاتور المرصوفة بعدد سنوات عمره، وسيكون لكلّ عمود منها هيبته لأول مرة وهو يحمل كلمة(صح) التي وضعها النحات في الإشارة إلى إسم صدام حسين..
في عاشوراء نيسان ذاك.. كان العالم سينتبه عميقاً الى مأثرة لن نحتاج بعدها الى مفوضية النزاهة، لتطارد ثمانية وزراء في الحكومات الجديدة وأربعين مديراً عاماً عن تهمة الفساد بضياع ثمانية مليارات دولار من المال العام العراقي.. فربطة عنق لنزاهة كلّ وزير وسياسي عراقي كانت ستتكفّل بالمهمة..
التعليقات