هل صحيح ان العالم العربي يسير في طريق الاصلاح؟
لا.. بل يتراجع الى الوراء.
سأعطي مثلا صغيرا..
لا أعرف كيف نسيت تجاربي الطويلة مع الصحافة العربية، والرقيب المترصد لنا في كل منعطف حرف، لأقدم على كتابة رواية اسمها quot;اختلاسquot;.
اذا كان الكاتب في أي مكان في العالم، بما في ذلك مملكة بهوتان التي يصعب ان تجدها على الخارطة، اقول اذا كان الكاتب يفخر بانتاجه، فإني منذ اللحظة الاولى لانتاجي لعنت ما كتبت.
لأني اصبحت بين يوم وليلة خصم الرقيب في كل بلد عربي. اصبحت ممنوعا من التدوال بأمر منه. ومن الحديث بأمر منه. ومن التفكير بأمر منه.
الرقيب...
انه ذاك الذي اصبح يقرر نيابة عن الأمة كلها ما تقرأ وما لا تقرأ. متى تفكر، ولا تفكر.
هذا الرقيب الذي لا اعتقده قد تخطى المرحلة الابتدائية، اصبح هو من يقرر كيف يجب ان يكون عقل مائة مليون انسان.
في السعودية، في الكويت، في سوريا، لا يختلف شكل الرقيب.. لا يختلف سوى اسمه.
هل تريدون ان تعرفوا لماذا ارى الوضع يزداد سوءا؟
لأننا كنا نحن، اهل الصحافة والقلم، نعتقد ان هناك نافذة حرية ادبية نطل بها من وراء قضبان الممنوع. كنا ننظر الى بعض فرجات الضوء في العتم. كانت بيروت فرجة ضوئنا الكبيرة. كنا ننظر الى بيروت على انها رمز حرية الممكن في العالم العربي. فطالما كان هناك لبنان، وطالما كان لبنان مزروع في قلب الوطن، فستكون هناك حرية في كل الوطن.
ثم فوجئت ان لبنان اصيب بالعدوى. جرثومة نقلت اليه فيروس الممنوع. فأصبح فيها الف رقيب.
ثم تضخم الرقيب، لم يعد من وزارة الاعلام وحدها، بل من الأمن العام.
اصبحت الكلمة المكتوبة خاضعة لرقيب الأمن في الدولة كلها. يا له من تطور في الحرية العربية، ان يصبح الكاتب هدف المؤسسة العسكرية.
هذا العسكري البعيد عن القلم والكتاب، ترك الجبهة، ومهامه الوطنية، ليقرر ان كتابي ممنوع. وقلم الآخر ممنوع.. ثم كل الاقلام ممنوعة، الا ما يقول عنها وهو في زيه العسكري: لا مانع.
احترم سيادة كل بلد. لكن ألا يقولون بلاد العرب اوطاني؟
حسن يا وطن الحرية الآخير، هل انتهت مشاكل الأمن كلها حتى ما عادت هناك سوى رواية او كلمة لتصبح هي كل هم الوطن؟
ليست روايتي هي القضية، بل القضية هي ما هو مصير اعمال اكثر اهمية، وكتاب اكثر اهمية، منعتهم اوطانهم ان يزرعوا كلماتهم على ارضها.. أين سيزرعون؟
لم تعد بيروت كما كانت، لم تعد كما قالوا لنا..
عامان اضعتهما في صناعة روايتي. ثم وفي قرار صنع في نصف دقيقة، اعدم الرقيب الرواية.
عامان كانا كأرض قاحلة في حياتي، لم ازرع فيها سوى شجرة وحيدة. اليوم يريدون ان تموت الشجرة ورقة ورقة. دون ان اصرخ، دون ان اشتكي، دون ان اعترض.
سأقول باسمي وباسم عشرة آلاف مثقف وكاتب، باسم اكثر من عشرة ملايين قارئ، وباسم اكثر من مائة مليون عقل ممنوع عليه ان يفكر، سأقول باسم كل هؤلاء: نعتذر اليك ايها الرقيب، فقد اكتشفت انك العاقل الوحيد، والوطني الوحيد، والصادق الوحيد. اما نحن فخونة حتى النخاع. وجهلة حتى النخاع. وحمير حتى النخاع.

[email protected]