من مفكرة سفير عربي في اليابان

لقد تجاوز سكان العالم الستة مليار، ومن المتوقع يستمر في الازدياد لاثني عشر مليارا مع نهاية هذا القرن. وأعتمد الاقتصاد العالمي حتى الآن على الطاقة الملوثة، والتي من المتوقع أن تنفذ مخزونها خلال المائة السنة القادمة. وقد أدى استهلاك هذه الطاقة الملوثة لزيادة حرارة الأرض، وارتفاع نسب الكربون في الهواء، وانتشار التلوث البيئي. وسيكون السبب لزيادة الكوارث الطبيعية، وارتفاع نسب الإمراض، وانخفاض نسب المياه العذبة، وزيادة الجفاف، ونقص المواد الغذائية. وسينتهي كل ذلك لارتفاع نسب الفقر، وزيادة صراعات البقاء، وزعزعة الاستقرار العالمي، لتزداد الاضطرابات السياسية والتطرف الفكري وإرهاب العنف. وبدأت قيادات العالم مناقشة ثورة خطة مستقبلية جديدة، لتحويل الاقتصاد العالمي للاقتصاد الأخضر. والسؤال لعزيزي القارئ: ما هو هذا الاقتصاد؟
قد نحتاج لتفهم ثورة الاقتصاد الأخضر الرجوع لفترة الثمانيات، حينما حولت حكومة الولايات المتحدة اختراع الانترنت من اختراع خاص بوزارة الدفاع الأمريكية، لثورة اختراع عالمي جديد، يستفيد منه مواطني العالم. وقد أدى ذلك لظهور اقتصاد تكنولوجية السيلكون فالي، الذي انتشر لجميع بقاع الأرض، ليشغل الملايين من مواطني العالم، وليطور اقتصاد عالمي جديد، وهو اقتصاد الانترنت، والذي ترافق بتطور صناعة الكومبيوتر والتلفونات والإنترنت والأقمار الصناعية وصناعة الألياف البصرية وتبعاتها.
وقد ناقش كريستوفر ديكي مع زميلته تريسي مكنيكول في مقال بعنوان الصفقة الخضراء الجديدة، بمجلة النيوزويك الصادرة في الثالث من نوفمبر الماضي، وعود الرئيس الأمريكي المنتخب بالعمل على تطوير ما سماه بالاقتصاد الأخضر. ويعتمد هذا الاقتصاد على خفض نسب الكربون في الهواء، وذلك بتطوير تكنولوجيات جديدة، تنعش الاقتصاد من جديد وتقلل صرف الطاقة الملوثة، وذلك بتطوير الطاقة البديلة، وتشجيع السلوك البشري لكفاءة استهلاكها. كما تنادي quot;مؤسسة الطاقة الدوليةquot; بالحاجة لتغيرات جذرية في طريقة استهلاك الطاقة لتشغيل السيارات والمحركات والمصانع، ولتؤكد بأن هناك حاجة quot;لثورة خضراء في الطريقة التي توفر فيها الطاقة وتستهلك.quot; وليس فقط لأنها قد تمنع الكارثة المناخية التي تلاحقنا، بل أيضا لأنها quot;ستخرج الاقتصاد العالمي من أزمته ولتضعه من جديد على قاعدة صلبة للأجيال القادمة.quot; وقد اتفق الرؤساء جوردون براون ونيكولاس سركوزي وباراك اوباما، مع الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، على اتفاقية سميت quot;بالاتفاقية الخضراءquot;، هدفها بدأ برنامج اقتصاد عالمي، يعتمد على الطاقة البديلة، ومشابه لبرنامج الرئيس فرانلكين روزفلت لإحياء الاقتصاد الأمريكي في مرحلة الكساد الكبير لعام 1929، والذي ترافق بفترة الحرب، وتحرك الصناعة العسكرية، لتخرج الولايات المتحدة من أزمتها ولتؤدي للتطور الصناعي والتكنولوجي في القرن العشرين. وقد انتعش في فترة التسعينات اقتصاد الإنترنت، لينتهي بانفجار فقاعة الدوت كوم، والتي هيئت للازمة المالية الحالية بقروضها الإسكانية. وفي جميع هذه الحالات اكتشفت السوق آلية للتنمية، وخلقت الفرص لوظائف جديدة، مما أدت لتريليونات من الإرباح العالمية المتلاحقة. فقد وفرت تكنولوجية الإنترنت، بين عام 1996 وحتى عام 2000، حوالي 1.6 مليون وظيفة في الولايات المتحدة، لتمثل 14% من نمو الوظائف الجديدة، كما شغلت الملاين في دول العالم الأخرى. كما استفاد القطاع المالي من التكنولوجيات الجديدة في هذا العقد، ليسهم بنصيب الأسد في نسب إرباح المؤسسات المالية الأمريكية والعالمية.
وسيحتاج العالم لآلية جديدة لنمو اقتصاد صناعي جديد بعد أزمة الوول ستريت الحالية. وقد بدأ رجال الرأسمالية بالاقتناع بضرورة التدخل الحكومي لانقاد الاقتصاد، بعد أن انخفضت قيمة السوق المالية لثلث قيمتها هذا العام، وذلك بمساعدة القطاع الخاص لتطوير تكنولوجية جديدة توفر إعمال جديدة وتحافظ على الكرة الأرضية من دمار التلوث. وقد علق السيد اوليفر يفر مدير سياسات المجلس الأوروبي للطاقة البديلة بالقول: quot;وبوضع الأموال في تكنولوجية الطاقة البديلة، فانتم لا تضعون الأموال في أوراق حارة لتحترق، أو في مؤسسات مالية لتحطم نفسها، بل انتم تستثمرن في الطاقة النظيفة، وهي تجارة حقيقة رابحة.quot; والذي يشجع حكومات دول العالم على مشروع الطاقة البديلة، ليس قلقهم من الذوبان الجليدي، وفيضانات المدن الساحلية، بل أملهم بتوفير وظائف جديدة، للوقاية من لهب غضب البطالة. فمن المتوقع إن ترتفع نسب البطالة في منطقة اليورو، من 11.3 مليون إلى حوالي 14.5 مليون مع نهاية العام القادم، لترتفع نسب البطالة من 7.5% لما يقارب 9%. كما سترتفع نسب البطالة في الولايات المتحدة من 6.1 إلى ما لا يقل عن 8% مع نهاية عام 2009، ليرتفع عدد العاطلين لأكثر من 9.5 مليون، والتي تعتبر من اعلي النسب خلال الخمسة والعشرين سنة الماضية.
وقد صرح رئيس الوزراء الياباني تارو اسو بأن هناك: quot;فرص كبيرة لنمو اقتصادي جديد، لتحقيق مجتمع منخفض في الكربون، وليتقدم العالم في نموه الاقتصادي الجديد.quot; وأكدت وزارة لتجارة والاقتصاد والصناعة والتكنولوجية اليابانية، بأنها تخطط لبناء بنية تحتية لصناعة جديدة، تعتمد على كفاءة استهلاك الطاقة وتكنولوجية مبدعة لتنويع مصادر إنتاجها. كما فرض الكونجرس الأمريكي شرطا، بتطوير تكنولوجية صناعة الطاقة، لدعم المؤسسات المالية بخطة الدعم السبعمائة مليار دولار. ووعد الرئيس المنتخب اوباما، باستثمار مائة وخمسين مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة، لتطوير صناعة التكنولوجية النظيفة، والتي قد تساعد القطاع الخاص لتوفير خمس مليون وظيفة عمل جديدة. وقد طورت ألمانيا صناعتها الخضراء، والتي تقدر قيمتها اليوم بحوالي 240 مليار دولار، وتوظف حوالي ربع مليون عامل، والتي ستنافس التوظيف في صناعة السيارات مع حلول عام 2020، والتي هي الصناعة الأولى في ألمانيا. وستنفق بريطانيا مائة مليار دولار على سبعة ألاف محطة مولدة للطاقة بالرياح، والتي ستوفر مائة وستون ألف وظيفة جديدة. ويؤكد المختصون بأنه من الضروري خفض انبعاث ثاني أكسيد الكربون من النشاطات الأرضية بنسبة 50% في عام 2050 عما هو اليوم، لمنع ارتفاع حرارة الأرض لأكثر من درجتين. وسيحتاج ذلك التطوير استثمارات قدرها 45 تريليون دولار مع نهاية عام 2050. وقد نجحت فرنسا بعد الحرب لأن توفر 80% من طاقتها بالاستفادة من الطاقة النووية. وقد صدر البرلمان الفرنسي تشريعات جديدة لتطوير المباني لكفاءة استهلاكها للطاقة، والتي تستهلك 25%من طاقة البلاد، والمتوقع بأن توفر مائتي ألف وظيفة خلال الخمس والعشرين سنة القادمة. كما صدرت قوانين خفضت ضريبة السيارات المستهلكة للطاقة النظيفة، وزادتها على السيارات الملوثة للبيئة، مما أدى لزيادة بيع سيارات الطاقة النظيفة بحوالي 8.4%.
وقد أقترح بن بوفا، رئيس الجمعية الوطنية للفضاء الخارجي، بمقالة بصحيفة اليابان تايمز في الثاني والعشين من أكتوبر الماضي، بإمكانية استخدام الأقمار الصناعية للاستفادة من الطاقة الشمسية لحل أزمة الطاقة. ويعتقد بأنه من الممكن جمع الطاقة الشمسية وتحويلها لطاقة كهربائية، في محطة مولد طاقة فضائية، وتوجيه هذه الطاقة بموجات الليزر لتشغيل محطات كهربائية على سطح الكرة الأرضية. ويقدر علماء الطاقة بأنه من الممكن أن يوجهه كل قمر صناعي طاقة تقدر بخمسة عشرة جيجاوت للأرض بشكل مستمر، ليكفي لتوفير الطاقة لمنطقة توازي حجم ولاية كاليفورنيا، والتي تستهلك 4.4 جيجاوايت. ويقدر بن بوفا بأن التكلفة المالية ستكون عشر بنسات للكيلوات في الساعة، وهي قريبة لقيمة الكهرباء التقليدية. والسؤال لعزيزي القارئ: هل سيبدأ العرب ودول منطقة المينا للاستعداد لثورة الاقتصاد الأخضر قبل فوات الأوان؟ وهل سيكتشفون طرق بديلة للاستفادة من النفط في هذه الثورة الجديدة؟ وهل سيتأسف العالم على مأساة حرق النفط خلال العقود الماضية حينما يكتشف أهميته كمادة أساسية لصناعات الألفية الثالثة؟ وهل ستطور دول المينا أبحاثها الصناعية للاستفادة من النفط كمادة أساسية لصناعات النانو كاربون التكنولوجية ذو القيمة الإضافية العالية جدا؟
سفير مملكة البحرين في اليابان