...وانحساره ومن النور واندثاره
روي عن ابي شجاع السلمي، عاش في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري، العصر الذهبي للحضارة العربية الاسلامية، عدة مسائل في الفقه، منها في النكاح، انواعه واوضاعه، في المواريث واحكامها، واشتهر الرجل بدرايته في تحديد مواقيت الصلاة اليومية وفقا للظل وانحساره في صلوات النهار، ووفقا للنور والظلمة في صلوات الليل. والنص ادناه مستل من كتابه quot; مواقيت الصلاة والعبادة في تحصيل اسباب السعادةquot; والذي بثته نتفا منه اذاعة اسلامية في اوستراليا قبل ايام وقد دونتُ منه قدر ما استطعت في ظهيرتي المطيرة هذه مثل جميع ايام سدني العاصفة صيفا وشتاءً، واعتذر من الرجل انْ خالط َ التدوين بعض من التحريف، اضافة او نقصاً، فالاذن مهما علا شأنها زبون كسول للسان، وهو امر شائع ومغفور له في كل العلوم التي تؤخذ شفاها. يقول الرجل نقلا عن المذيع:
فاذا وقفت الشمس في كبد السماء وكان ظلك وظل الشاخص لا يميل حيث تميل بك الريح بل حيث تميل الشمس فهذا ظل الاستواء وعليه تقيس بقية الظلال وهو اول وقت الظهر وكلما كبُر ظل الاستواء كلما كبر دخول وقت الظهروحانت الصلاة فقوموا لها اقامكم الله ولا تقعدوا حتى تفرغوا منها او تفرغ هي منكم.
واذا استقامت الشمس على رأسك ورأس الشاخص(العمود) الذي بجانبك فحاذر من صلابته ان تمس ما ضعف منك وما لم يٌُحكم اغلاقه.
واذا اختفى ظلك وظل الشاخص او اذا اختفى ظلك وبقي ظل الشاخص ظاهرا وتأكد لك العلم بذلك يقينا راسخة فهذه علامة على انك ربما صرت شبحا وربما غمرك الله تحت عباءته وصرتَ لا مرئيا مثله تماما فاحذر ان يصيبك مس من الغرور وتتوهم انك صرتَ الها.
ومن أخّرها - الصلاة- عامدا فقد فاته وقت الفضيلة ودخل في حرمة الوقت فلا ينفع معه استغفار ولا ندم ولا عذر، ستأكل الديدان جلده ولحمه وعضامه وتبني الغربان اعشاشها في جمجمته.

اما مَنْ ادركَ من وقتها مقدار ركعة ودخل ما بقي منها في الوقت الذي يليها فقد ادركها قضاءً ودخل حال quot;الاستيفاءquot; فلا يُحاسب على ترك ولا يثاب على اداء، لا خسارة ولا كسب بل يكون بريئا كيوم ولدته امه.

واذا كان هناك مانع من الاداء كالجنون مثلا قبل انقضاء الوقت فعليه ان ينتظر زوال جنونه فان زال عنه الجنون قبل انقضاء الوقت ادّاها اداء وان زال عنه الجنون ولم يبق له من الوقت ما يكفي لادائها كاملة ادّى مافات منها قضاءً فإن تكاسلَ عنها بعد زوال جنونه وانقضى وقتها فقد أثِمَ ولن تنفع معه اعذار ولا ندامات ولا شفاعات.
عليك ان تتعلم اخي المسلم اوقات الصلوات وتستدل عليها بالظلال بنفسك ولا ينفع معك أنْ تتوكل على الاذاعات(اظنها اضافة من المذيع) او أذان المساجد لانك لو كنتَ او انتقلتَ مثلا الى بلد ليس فيه اذاعات للصلاة ولا مساجد فهل تتوقف عن الصلاة؟
هذا وقت الظهر وصلاته واما وقت العصر فأوّل وقتها الزيادة على ظل الشيء بادنى قدر من الزيادة ولها سبعة اوقات نذكر منها ثلاثة:
وقت الفضيلة وهو ما ذكرناه ويليه وقت الاختيار وهو ان تكون الزيادة ضعفا دون ان تصفرّ الشمس فاذا اصفرّت الشمس وعلامته الزيادة على الضعف فهذا وقت الكراهة وهو اضعف الايمان لمن كان له عذر شرعي كالجنون او الحيض او انتظار الماء للوضوء ومن لم يكن له عذر كان كمن دخل حال الايفاء الذي ذكرناه اعلاه فلا اجر ولا عقاب وكان كالبهيمة التي لاتؤجر ولا تحاسب او كالحجر المرمي في طريق يتعثر به صبية عابثون او عميان.
اما وقت المغرب فهو غياب الشمس قبل ان يزول شفقها لأنّ الرسول قال: quot;وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق فإنْ زال الشفق فقد دخل وقت العشاءquot;. فراقبْ الغياب واحرص على ان لا يختفي الشفق. ولن ينفع مع من ينتظر زوال الشفق ولم يؤدّ الغروب لا عذر ولا استغفار فليهرع اليها وان كان في عمل او في اجتماع سياسي او في طابور التسوق ليدفع الحساب فليترك عمله الدنيوي وليغادر الاجتماع وليلق ِ ما في يديه من امتعة ومشتريات وعليه ان يتيقن من جهة القبلة حتى لا تذهب صلاته لغير جهة كمن لم يصلي.
هذا لمن يعاين غروب قرص الشمس اما مَن لم يعاين كأن يكون في الجبال او في الكهوف او تحت اي سقف ما فقد اختلف العلماء في احكامه فمنهم من قال بالتقدير واعتماد الساعة ومنهم من قال بالترقب وملازمة الفتحات والنوافذ والكوى وهي كلها في الشرع، اما من قالوا بالانتظار لعدم حصول العلم حتى الخروج الى مكان مكشوف فقد ضلوا السبيل واضلوا من اخذ برأيهم ودخلوا حد الكفر.
اما وقت انتهاء العشاء وهو يبدأ مع زوال الشفق كما ذكرنا اعلاه فهو في انقضاء ثلث الليل وفي الجواز الى طلوع الفجر الثاني وهو الذي ينتشر ضوؤه معترضا في السماء تراه دقيقا ثم يتناسل منه الفجر الصادق الذي يعقبه الضياء.
اما الفجر الكاذب فيظهر مستطيلا كعمود مكسور مثل ذنَبِ الذئب ثم تعقبه ظلمة وقد روي عن ابي برزة الاسلمي انه كان يكره النوم قبل وقت العشاء مخافة ان يستمر في النوم الى خروج الوقت ويكره الحديث بعد صلاة العشاء الا بتلاوة القرآن اما من نام بعد دخول العشاء ويظن بنفسه انه لن يستيقظ في الوقت ليدركها كاملة فهذا عاص ٍ فليتنبه الى مثل هذه المسائل ولن ينفع معه الجهل او العجز عن المعرفة في النجاة من الحساب.
اما الصبح وقد أخّرناها لاهميتها فهي ام الصلوات وابوهن فاول وقتها طلوع الفجر وآخره الى الإسفار- الاضاءة الطبيعية - ولا خير في من لايعرف كيف يدخل الصبح وكيف ينتهي وقت النهار ولا تفريط في النوم فليس من حريص على الاستيقاظ الا واستيقظ وادّى ما عليه من صلاة اما اولئك الذي لا ينهظون من النوم الا بعد طلوع الفجر كما روي عن زوجة صفوان ابن المعطل قالت نحن قوم لا نستيقظ من النوم حتى يطلع النهار علينا ليس عن قصد بل لعلة في ابداننا نتوارثها جيلا بعد جيل، فهؤلاء وامثالهم، اقول لهم لا نصيب لكم من الايمان، وروي في الحديث ان الشياطين تأتي اليهم وهم نيام، تقف على رؤوسهم وتتبوّل في آذانهم فلا يعرفون بعدها خيرا ولا تكون لهم كرامة عند الله، يباعون في سوق النخاسة كالبهائم وتربط على اكتافهم العربات وكانوا بعد موتهم لجهنم زادا وحطبا.
وسئل الرجل ايضا عن ايام الدجال كيف سنصلي حيث انّ لبثه في الارض اربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كاسبوع، قالوا فذلك اليوم الذي كسنة او كشهر او كاسبوع هل تكفينا فيه صلاة يوم واحد خمس صلوات فقط فاطرق الشيخ قليلا ثم ارخى عمامته رويدا حتى لم يكد القوم يرون حاجبيه واختفى نصف عينيه تحت عمامته الذي اختلفتْ الروايات في لونها ثم حولق وبسمل وصلعم وسبحن وقال بالطبع لا، نافية وناهية، ولكن تقدّرونه تقديرا فما كان كسنة تقدرونه بايام سنة وما كان كشهر تقدرونه بايام شهر وما كان كاسبوع تقدرونه بايام اسبوع، قيل له: وان ظهر اختلاف في التقدير قال: بوركتم اذن فإنّ اختلاف امتي رحمة كما قال الرسول. فأعجب الحاضرون من فطانته وليونة فقهه وبداهته واسمرار جبيبنه الذي كشف عنه بعد ان فرغ من كلامه ورفع عمامته حتى بدتْ خصلة من فروة جبينه. ثم اضاف ايها المجلس الكريم:
هذا تفصيل، اخوة الاسلام، في مواقيت الصلاة اليومية فاحرصوا عليها حرصكم على فروجكم ومن فرط في الاولى كمن فرط في الثانية اللهم ابعد عنا التفريط ومهاوي التسفيط.
ثم سئل عن مسائل اخرى مثلا عن من يستيقظ للفجر ويجد عنده أناسا لا يعرفهم فهل يوقظهم أم يتركهم نياما وعن الصبي المميز الذي لم يحصل اليقين بتمييزه هل تكشف المرأة عن شعرها امامه وعمن اسلم في وقت العصر قبل انقضاء وقت صلاة العصر وتكاسل في ادائها حتى دخل عليه المغرب وعمن فاجأه احد الاخبثين بعد الوضوء ولم يبق له وقت للاعادة او ليس لديه ماء او لم يكن الماء كافيا للوضوء او لحاجته القاهرة اليه، واجاب عن اسئلتهم اجابات شافية ووافية، ثم سئل عن الاستنجاء وكيفيته، فأجاب ان يتمسح بثلاث احجار جافة وطاهرة، قيل فإنْ لم يجد ثلاثة احجار فهل ينفع حجر واحد بثلاثة رؤوس، قال: نعم اذا حصل العلم بتباعد الرؤوس مقدارا لاتتلامسُ فيه ولا تتلابسُ، وسئل عن غيرها من المسائل ولكنه اعتذر لضيق في الوقت فاستأدن الحضور للذهاب الى النوم. وانتظره المجلس في اليوم الثاني ولكن لم يحضر الرجل وحين ذهبوا الى بيته وطرقوا الباب عليه لم يسمعوا جوابا من البيت وحين اوجسوا في الامر مكروها كسروا الباب ودخلوا الدار ولكنهم لم يجدوا احدا فيها ولم يسمع منذها اي خبر عنه. وقيل في غيابه روايات كثيرة منها انه عرج به الى السماء فاقام بعضهم لهم مزارا منتظرين عودته ومنها انه صار شبحا لامرئيا ولا مسموعا، وشكّ احدهم في انه ربما صار الها وبعضهم لـَمْ. ومنها انه أُختطِف على يد جماعة متشددة واخفوا اثره ولكنها تبقى روايات مفردة ومهلهلة ولم تجد لها سندا قويا الا بمقدار ما يكون مقياس الظل في يوم غائم الامر الذي لم يسأل عنه الرجل، وما يفسر غياب سؤال كهذا أنّ البلاد التي عاش فيها وعلم الفقه ومواقيت الصلاة لاتعرف الغيوم ولم تر مطرا منذ التكوين.
حفظ الله quot;ابي شجاع السلميquot; انْ كان حيا يرزق، ورحمه انْ كان ترابا.
سدني