ظهر محمد زهير الصديق مجددًا، هذه المرة كما المرات السابقة في الإعلام فقط. اعتقل لم يعتقل، مصادر الصحف المتنوعة تؤكد أنه تم اعتقاله في الشارقة في الإمارات العربية المتحدة بجواز سفر مزوّر، بينما صحف اخرى تنقل عن مصادر أمنية ترجيح عدم اعتقاله في الوقت الذي تؤكد فيه الإمارات انها ستصدر بيانًا توضح فيه ملابسات هذه القضية.
وسواء تم إعتقال الصديق الذي تنقل من منصبquot; الشاهد الملك quot; في قضية إغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الى مرتبة quot;شاهد الزورquot; الأول أم لم يتم اعتقاله، فإنه سيبقى quot;بطلquot; أكثر القصص غرابة. لا لكونه شاهد زور ولا لكون الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قد رفض تسليمه الى لبنان على الرغم من تعهد الرئيس اللبناني انذاك إميل لحود بعدم تطبيق عقوبة الإعدام بحقه، ولا لكونه محميًا من جهات سياسة في الخارج ولا لكونه محميًا من اللذين جعلوه شاهد زور في قضية إغتيال رئيس وزراء لبناني. ستبقى قصة الصديق غريبة غرابة شخصه..
لا يعد الصديق ذلك الشخص quot; اللقطة quot; كما يقال في العامية اللبنانية حتى يلقن ما تم تلقينه ويصبح شاهد زور في قضية إغتيال اتخذ قرار إحالتها الى القضاء الدولي منذ اليوم الاول من حدوث الاغتيال.
حين سربت الأنباء عن quot;شاهد ملك quot; خلال فترة تولي ديتلف ميلس لجنة التحقيق الدولية، بدأت التكهنات تتكون حول شخصية هذا الرجل quot;المهم quot;. ثم ظهرت صورة الصديق في الصحف، وبالتأكيد فإن من قال يوما quot;سيماهم في وجوههم quot; لم يخطئ. ومع ذلك إستمر متربعا على عرشه، حتى بدأت التساؤلات تطرح حوله..وبين ليلة وضحاها وبين محقق دولي وآخر، إنكشف أمره.
ظهر في الإعلام مرارًا، وفي كل مرة أثبت انه مادة لا تصلح لشيء.. لا يمتلك من مقومات quot;الكاذب الملك quot; سوى قلة الحيلة على الكذب المقنع. فلا موهبة كلامية تمكنه من إقناع من يسمعه بشيء، ولا قصص محبوكة بعناية قد تجعل المشاهد أو المستمع أو القارئ يرى وجهة نظر هذا الرجل. لا شيء سوى الصراخ والكلام غير المترابط والمفهوم.. وفي وقت كان quot;الحديث quot; مع الصديق سبقًا صحافيًا لمن يتمكن من الحصول عليه، كانت التصريحات quot;السبقquot; تنتهي دوما بإحراج quot;مقدم quot; البرنامج بما أن النصوص الصحافية المكتوبة قابلة للتعديل وذات وقع أخف فلا صوت ولا تفاعل يظهران في الصورة. لا بل في احد البرامج التلفزيونية الشهيرة في لبنان، فضل مقدم البرامج إنهاء الاتصال مع الصديق على الإستمرار في حديث لا ناقة فيه ولا جمل.
اعتقل... لم يعتقل... صفقة مصالحة بين الدول العربية مع سوريا أم لا صفقة... تم تسليمه الى السلطات السورية أم لم يتم تسليمه... ما زال إعتقال الصديق لغزًا قد تتضح معالمه في الأيام المقبلة. لكن اللغز الاكبر الذي لن تتضح معالمه ابدًا يتعلق بالشخص أو الاشخاص الذين إختاروا هذا الرجل تحديدًا دون غيره، لا لصفتهم او لإنتمائهم الحزبي أو لأي صفة اخرى قد تورطهم وتورط من معهم وإنما لسبب واحد فقط.. انهم لم يجدوا شخصًا أفضل من الصديق لتلقينه quot;شهادات الزور quot; في قضية على هذا القدر من الأهمية.
حين يقرر شخص ما أو جهة ما الدخول في مجال quot;تضليل quot;الرأي العام، فعادة ما يختار شخصية المضلل بعناية فائقة، وعادة ما يكون هذا الشخص ذكيًا فصيحًا وفطنًا لكل شاردة وواردة يقوم بتحويرها بدقة لتناسب التوجهات التي يخدمها... وفي هذا المجال يكون عمله سهلاً نسبيًا بما ان الإعلام يسهل مهمة التضليل والكذب على الرأي العام. أما حين يكون القرار quot;تضليل quot; تحقيق محلي ودولي عن مساره فإن الخيار يجب أن يكون أكثر من دقيق وأكتر بكثير من حذر. فالشخص quot; المختارquot; سيكذب على لجنة تحقيق أولى، ولجان اخرى تابعة. لا بل إن كذبه سيصل الى الأمين العام للامم المتحدة... وإلى أعضاء مجلس الامن.. فرؤساء الدول. وأمام كل هذه العقول وكل هذه اللجان وكل أجهزة الإستخبارات التي تدخلت وتمحصت وفعلت فعلها..وقع الخيار على الصديق.
انها لمعضلة فعلا.. فمن قام بالتفكير بالكذبة، ومن تجرأ على وضع هذه الكذبة في كنف quot;العدلquot; الدولي لم يكن بامكانه إختيار شخص اخر اكثر قدرة على الإقناع من الصديق!
لا بل تكمن المعضلة الأكبر في ان احدهم.. قام فعلا بإعتماد شهادة الصديق وبنى على أساسها اتهامات وضعت الضباط الأربعة خلف القضبان. وإن كانت آلية عمل quot;هذا الاحد quot; قد أثارت الكثير من التساؤلات ودفعت بخلفه سيرج براميرتز لإعادة فتح جميع الملفات والعمل عليها مجددا.. فلو تجاهلنا كل ما أثير حول ما قام به ديتلف ميلس..كيف يمكن لأي شخص ان يصدق ولو لثانية شهادة صادرة عن الصديق.
وعرة هي طريق المحكمة الدولية، هل ستصل إلى الحقيقة؟ أكاد أجزم أنها وصلت اليها لكن السؤال يبقى هل ستعلن الحقيقة كما هي.. مجددًا أكاد أجزم انها لن تعلن ابدًا.
سيعلن الكثير ربما، لكن الحقيقة لن يتم الكشف عنها يومًا.