تعاني غالبية الأفلام المصرية من quot;ميزةquot; تمنع المشاهد من متابعتها مجددًا، وتتلخص هذه quot;الميزةquot; بقدرة من يتابعها على إستنتاج بقية القصة بتفاصيل أحداثها وخاتمتها. لا تختلف السياسة المصرية كثيرًا عن أفلامها، فهي وإن خرجت في كل مرة بحبكة جديدة لحدث أمني أو سياسي أو قومي فإن آلية مقاربة الدولة هي نفسها. فكل حدث في مصر يبدأ بالإعتقالات والاستجوابات بعيدًا عن الاضواء، بعد ذلك تنفجر القضية في فضيحة إعلامية من الطراز الأول ليخرج بعد ذلك جحافل إعلاميي السلطة وإعلاميي السلطات quot;الشقيقة quot; المؤيدة لسياسات النظام المصري، ثم تخمد القصة مع منح السلطة المصرية quot; نجاحًاquot; ما تحققه عربيًا يعيدها الى الأضواء.
خرج علينا القضاء المصري بحكاية إلقاء القبض على عناصر من حزب الله اللبناني بتهم لا تعد ولا تحصى.. وبعدها خرج السيد حسن نصر الله برده، فكان الجواب في اليوم التالي في الصحف المصرية.. خبر إعتقال المزيد من المتهمين. ومن المرجح في حال خروج السيد للرد على كل شاردة وواردة فستعتقل السلطات المزيد والمزيد... لعلها تصل الى رقم قياسي هذه المرة.
وبالطبع لا يمكن أن ننسى الأقلام التابعة للسلطة التي خرجت عن طورها بكل ما للكلمة من معنى هذه المرة، فلم يكن الهجوم سوى صراخ وشتائم وإتهام حزب الله بأنه حزب إرهابي.
طبعًا ولم لا، فالسلطات المصرية اختارت الجهة التي تنتمي إليها منذ مدة، فكيف لن يكون قائد مقاومة لبنانية ضد إسرائيل بارهابي..والمضحك انه كلما تكلم اي من المسؤولين المصريين فانه يمنن الشعوب العربية بأن quot;لأم الدنيا quot; تاريخ طويل في دعم فلسطين. محقون تمامًا، تاريخ لا أكثر، وفي هذا التاريخ لم يكن لا لهذه السلطة ولا لحسني مبارك يد فيها، وحده جزء من الشعب المصري معني بإستمرارية هذا التاريخ.
يد مبارك إنشغلت طوال حرب غزة بمصافحة المسؤولين الإسرائيليين وفي إغلاق معبر رفح أمام شعب تتم إبادته. ولا تزال يده مشغولة بهدم المعابر وإصدار الأحكام على كل من سولت له نفسه بزيارة غزة، وبمنع الشعب المصري من التعبير عن رأيه، وبتكميم أفواه المعارضين.
يد مبارك لم تطل الـ20 مليون مصري الذين يعيشون في فقر مدقع والذين يقدر مدخولهم اليومي بأقل من دولار، ولم يطل الـ35 مليون مواطن الذين يتقاضون اقل من دولارين في اليوم. ومع ذلك يخرج رجالات مبارك المنصبين في وسائل إعلام الدولة مهددين نصر الله بمنعه من تهديد امن وإستقرار وسيادة الدولة !
لن ندخل في متاهة مأساة الشعب المصري.. سنركز فقط على ما يهمنا من الموضوع. الحكاية الدرامية الجديدة التي أنتجها وأخرجها ووزعها النظام المصري.
نشر الفكر الشيعي، التخطيط للقيام بعمليات عدائية داخل البلاد، إعداد العبوات المفرقعة، مراقبة المدة والقرى الواقعة على الحدود المصرية الفلسطينية، رصد المنشآت السياحية في سيناء، وما رشح لاحقا حول إتهامات بالتخطيط لإغتيال شخصيات مصرية..إضافة الى عدد اخر من الاتهامات التي باتت معروفة للجميع.
ومع ذلك يبدو 50 شخصًا عددًا قليلاً جدًا لتنفيذ كل هذه المهام المتعددة والمتشعبة، خصوصًا أن عين الدولة ومخابراتها ساهرة على كل شيء لدرجة أنها خلال اضرابات 6 يوليو/تمّوز كانت تمنع شخصين من السير جنبا إلى جنب، فكيف تكونت مجموعة من 50 شخصًا، ولاحقًا عدد اكبر بما ان السلطات عادت واعتقلت المزيد.. وستستمر بالاعتقالات.
لا بل ويبدو إتهام نشر الفكر الشيعي مضحكا جدا، فهذا الفكر منتشر في هذه البقعة من الأرض حيث يقطن شعب سني الطائفة، شيعي الهوى، ومع ذلك بقي على طائفته لم يستبدلها باخرى شيعية.
وفي ظل تخبط الحكومة المصرية جراء تراجع quot;دورهاquot; الإقليمي الدولي والذي كان اخره استثناء أوباما مصر من زيارة مفاجئة أو منسقة خلال زيارته عدد من الدولة المحيطة بها، تخرج السلطات بين حين وآخر quot;بمفرقعاتquot; تكون هي الواجهة فيه، وشقيقاتها من دول التحالف نفسه في الظل.
تتهم السلطات المصرية حزب الله بالإرهاب واستهداف هيبة الدولة وأمنها واستقرارها في رد متأخر على ما قاله السيد نصر الله خلال غزة. تحاكم السلطة وتسجن كل من يدعم غزة على اراضيها، تهدد بكسر ارجل أهل غزة قبل الحرب وتتركهم يحترقون خلالها لأن quot;مزاج المقاومةquot; لا يروق لها.
لقد اختارت بالفعل الحكومة المصرية الجهة التي تميل اليها وتدافع عنها حد الموت، فليعفنا المسؤولون اذًا من اي مزايدة بالعروبة وبالحرص الشديد على غزة من خلال quot;المصالحاتquot; التي تقيمها بين الفصائل الفلسطينية.
فمن يحارب إسرائيل إرهابي وعليه من يدعم فكر هذا المحارب هو بإرهابي ايضًا.
وبما انني اكتب هذه الكلمات، وبما انني ادعم فكر هذا المحارب واي محارب اخر ضد اسرائيل فلنر كم انا بارهابية.
أعيش في دولة لا يختلف القمع فيها عن دولتكم يا فخامة الرئيس مبارك، أعمل يوميا كي اتمكن من العيش في دولة انهكتها حكومة بلادي كما بلادكم بالديون والفساد والهدر.
لم أخالف القانون يوما، وإن كنت قد فقدت ايماني به .أدفع الضرائب quot;المهولة quot; بشكل غير منطقي كاملة.أحاول ما بوسعي للمحافظة على البيئة.
لم أسرق يوما، ولم أتجبر على أحد.لم أكن سببا في مقتل أحد ولم أكن سببا في إفقار أحد.
لم ألكم من يخالفني الرأي على وجهه وبالطبع لم ارمِه في زنزانة يتعفّن فيها.
لم تُمدَّ يدي لمصافحة عدو قتل عائلتي وعائلات الالاف وسرق أرضي ومهر طفولتي بهدير طائراته الحربية ودوي صواريخ قذائف المدفعية ودماء اطفال ونساء وشيوخ لم يكن ذنبهم سوى انهم ارادوا ان تبقى أرضهم لهم ولوطنهم.
تعلمت معنى المقاومة باكرًا حين رأيت شبانًا يصنعون من لا شيء قوة أرعبت اسرائيل ولم أفقد الأمل بقضية فلسطين وبالطبع لم يكن لي أي دور في دفع أبناء هذه البلاد إلى التقاتل. تنهمر دموعي لدى رؤية طفل يبحث عن جثة والدته ووالده، أحزن حين أرى عربيًا يهان في بلاد quot;اصدقائكمquot; لمجرد أنه عربي.
أشعر بقوة لا يملكها أي جبار من جبابرة هذا العالم، قوة الايمان بالمقاومة ضد من اغتصب أرضنا ضد عدو لا يرى فينا سوى أهداف حية.أملك كرامة تدفعني الى الموت دفاعًا عن بلادي وعن ارضي..
أملك كرسيًا.. أجلس عليه يوميًا يحدد مكانتي في عملي وفي منزلي، ومع ذلك أنهض عنه بين حين واخر واجلس عليه شخصًا اخر.. ولا ألتف حوله لأمحيه عن وجه هذه الارض لمجرد ان ساورته فكرة الجلوس مكاني.
بالفعل.. تليق بي وبمن يشبهني صفة الارهاب.
وفي الخاتمة الموقتة، بما أن القضية مرجحة الى التصعيد اكثر فاكثر، تبقى الحكاية المصرية ورد حزب الله بين أيدي الشعوب العربية التي لها كاملة الحرية بتصديق من تشاء.
اما أنا، وبما أن حكاية ما قبل النوم التي أحاول ان ارويها لطفلي البالغ 4 سنوات والذي يقاطعني دائما خلال الدقيقة الاولى لاكمالها كما يريد تبدو أكثر اقناعًا من حكاية السلطات المصرية.. فإنني سابقى على قناعاتي..المقاومة التي حررت أرضي ومنحتني ومنحت العرب الكرامة والفخر بدمائها والتي حددت عدوها باسرائيل لن تخرج عن هذا الاطار.عدونا واحد منذ الأزل، أما ان كان عدو السلطات المصرية عرضة للتبدل بين حين وآخر فهذا شأن آخر..