وضعت نفسي في مكان أوباما وقلت أين يجب أن أتحدث للمسلمين؟

هل عند الفرعون بيبي الثاني؟ أم ضواري جمهوريات الخوف والبطالة؟ أم في أشباه دول تعيش وضع ما قبل الثورة الفرنسية؟ أو أشباح دول تنتسب إلى عصر المماليك الشراكسة أيام سعيد جقمق؟

والجواب هو من زاويتين صدق وكذب، أو بوابة السياسة وبوابة الحضارة؟

ولأن أوباما ينتسب إلى مملكة الديناصورات فلا بد من ولوج غابة السياسة!

مع ذلك فليس العالم العربي الوحيد في الغابة العالمية، الذي يعيش حالة الكارثة والكسوف الكلي، ففي العالم الإسلامي من الكوارث الكفاية، وهي في عمقها ليست كارثة سياسية، بل مرض ثقافي مزمن، وهي ليست مأساة ديناصورات الحكم، بل مأساة الشعوب التي تراجع حجمها إلى النانوجرام؟

ولأننا نعيش حالة السحر؛ فعلينا أن نسمع قصصا أقرب للخيال في العالم الإسلامي، سواء الشرق الأوسط أو آسيا الوسطى حيث ودع بورقيبة أو نيازوف؟

لقد كانت الجملة الأولى، في كتاب (روح ناما) طاغية تركمانستان (مراد نيازوف)، الذي نفق أن الوحي الإلهي أوحى له هذه الكلمات فكتب:

quot; أمتي العزيزة؛ هذا الكتاب الذي كتب بوحي، أنزل على قلبي، من عند الله خالق هذا الكون البديع، والقادر على كل شيءquot;.

ويسعفنا القرآن في فهم مثل هذه الظواهر الإمراضية فيقول:

ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب، أو قال أوحي إلي، ولم يوح إليه بشيء..

أو كما جاء في سورة هودquot; ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم، ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين. الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، وهم بالآخرة هم كافرون. أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض، وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب، ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون، أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون، لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون.

إنها مسئولية بثقل الجبال، ورهان وجودي خطير..

ولكن هذا لا يهم؛ والمهم ركوب رقاب العباد إلى يوم التناد..

ويبدو أن نيازوف، كان مؤمنا بأهمية كتابه هذا، فقرر إرساله على متن مكوك إلى الفضاء، بعد أن أدرجته وزارة التعليم في تركمانستان، ضمن مقررات الجامعات والمدارس العليا.

ولم تقتصر أعمال نيازوف على التعليم، فقد أعلن تغيير أسماء شهور السنة الميلادية، لتحمل اسمه مع اسم (أمه) الخاتون، زيادة في بر الوالدين؟!

فصار شهر (يناير) يحمل لقبه هو شخصيا، quot;تركمان باشيquot; أي زعيم التركمان، أما شهر إبريل فخصص للوالدة الناعسة؛ فأطلق عليه اسم quot;الأمquot;.

كما قرر تغيير أسماء أيام الأسبوع أيضا، ليصبح يوم الثلاثاء مثلا quot;اليوم الصغيرquot;، والسبت quot;اليوم الروحانيquot;.

وتحمل الكثير من المدارس والمستشفيات، والمدن والمطارات، وحتى النيازك في تركمانستان، اسم نيازوف، الذي تفنن في بناء قصور لإقامته، وتماثيل تجسده بمبالغ فلكية...

وفي جمهوريات الخوف والبطالة، ترتفع أصنام الرفيق القائد عند كل مدخل، ولو قرية مهملة تتداعى فيها البنية التحتية، ليس فيها شجرة واحدة!

فهذا ليس المهم! والمهم هو وضع نصب في كل زاوية تشيد بإنجازات الرفيق.

أذكر جيدا حين دخلت مركز صحي قميء قد زينت الجدران بـ 17 صورة ملونة كبيرة للرفيق الملهم، تلمع أكثر من زجاج المركز الإسعافي المنكوب.

وأذكر أنه في يوم أصيب صنم في منطقة بخدش ، فارتجت الفروع الأمنية كلها، وزلزلت الأرض زلزالها..

أما صاحبنا التركماني التقي المسلم (كذا!) وأثناء حياته، فقد رفض مجلس الشعب، عرضا قدمه نيازوف بالاستقالة من منصبه، في عام 2010 م، وناشده بأن يظل رئيساً للبلاد مدى الحياة، راكبا مستريحا على ظهور العباد..

كما حصل مع ملك سبأ في أرض السيل العرم، وشيخ الحشاشين في جبال الشام، أو الفرعون بيبي الثاني عند هرم منقرع، أو تشاد ومنجمينا وبلاد النوبة وكازاخستان.

وهو أمر يتطور الآن نحو الأسوأ في العالم العربي، في رحلة غرق التيتانيك؛ فينقلب الزمن، وتتحول الجمهوريات إلى ملكيات مملوكية بملكيات لعائلات إقطاعية مسلحة حتى الأسنان...

فأي بؤس مقيم هذا، وليل بهيم بين بهائم ترتع؟

وحين قررت المحكمة سجن المعارض السياسي (بوريس مرادوف) 25 عاماً بتهمة التخطيط لاغتيال نيازوف، إلا أن مجلس الشعب رحمه فخفف الحكم إلى السجن مدى الحياة؟!

وعُرض مرادوف المسكين على شاشة التلفزيون، ذليلا مهانا ضئيلا منكمشا، وهو يعترف بالتخطيط للانقلاب، ويناشد المحكمة الرأفة بحاله، وعدم الحكم عليه بالإعدام، وهو مسرور لقرار مجلس القرود بالسجن مدى الحياة..

أما في مصر فيكتب (هيربرت هوفر) أن مبارك بدأ الفترة الخامسة لحكمه وعمره 78 عاماً؟؟

وهذا يعني أنه سيخرج من الفترة الحالية وعمره 84 سنة.

هذا إن خرج بغير رصاصة وخنجر، أو حكم عليه بالقصور العقلي، من جنرالات يتلمظون لتفاحة السلطة، كما كان يفعل يوما ضباط المماليك البرجية قبل الفتك ببعضهم .

ولكن هذا لا قيمة له؛ لأن صديقنا محصن ضد مرض الزهايمر والبارانويا وباركنسون وضمور الدماغ والعته والبله والشلل وحبس البول بسرطان البروستات..

وقبل أن يزور روسيا في أكتوبر 2006م قال في تصريح له لأحدى الصحف الروسية laquo;دعوا بوتين يبقى رئيسا لروسياraquo;. إن روسيا بحاجة لبوتين.

وبوتين تزحزح قليلا أم هو فزاد رسوخا!

وما لم يقله مبارك هو laquo;أن مصر أيضا بحاجة لمباركraquo;..

وهو ما ظهر واضحا في خطابه المجلجل أمام مجلس القرود :

quot; إنني سأستمر معكم، لنعبر الى المستقبل، متحملا المسؤولية، ما دام لدي قلب ينبض، ونفس يتردد ؟!!quot;

وحينما أشار إلى إلغاء قوانين الطواريء، نوه بتطبيق قانون ألعن منه (ضد الإرهاب) وهو يعني استبدال السل بالإيدز ..

وحين تكلم عن مشاركة أكثر من مرشح، اشترط لأي متقدم للانتخابات ترشيحه من قبل خمسة بالمائة من البرلمانيين؟!

وهو يذكر بقصة مسمار جحا، لأنه لا أحد يملك هذه النسبة، بمن فيهم الإخوان المسلمين، الذين يأكلون الفلق والحبوس كل يوم، وعندهم 20% من مقاعد البرلمان على اعتبار أن حركتهم غير شرعية.

ولو كانت شرعية لما تبدل الأمر كثيرا...

وعندما حاول طلاب إحدى الجامعات، إقامة اتحاد طلابي مستقل، وجدوا أنفسهم في مواجهة البلطجية ضربا بالبلطات والخيزرانات..

وهو ما حصل في دمشق أمام القصر العدلي، حين اعتصم نشطاء سياسيون، فكانت النتيجة هجوم مظاهرة (وطنية) مضادة، لم تزد عن مافيات المخابرات المنظمة، فنزلوا في الناس ضربا بالسوق والأعناق، فلم يكن أمامهم إلا أن يولوا الأدبار!!..

وهذا الوضع تعاني منه المكافحة السلامية أيونج سو كاي مع عسكر بورما. وما زال العديد من الجيوب الستالينية في العالم، حظ الشعب العربي منها كأسا دهاقا.

مما يقول أن التربة الثقافية تحتاج إلى تسميد وتقليب وسقاية وإعادة نثر البذور فيها..

عندما ودع الأستاذ مظفر سلطان (رائد القصة القصيرة في سوريا) الجزائر سألوه ماذا تقول؟

أجاب أقول: مات أخياركم وبقي شراركم والسلام عليكم؟

ثم ودع لا يلوي على شيء، ولم يفكر قط في العودة لبلد المليون شهيد؟!!

ولم يكن ما ينتظره في حلب الشهباء أفضل..

فهو يفر من المطر إلى ما تحت المزراب؟؟

حتى ودع هذه الحياة غير مأسوف عليها، بعد أن ماتت النفوس قبل الموت، وتحول الوطن إلى سجن كبير، يضم مسكينا ويتيما وأسيرا، ومقبرة كبيرة يشرف عليها عتاة رجال المخابرات بالسوط والكهرباء.

مع هذا فبقدر جبروت الطاغية بقدر هشاشته الداخلية.

والمستكبِِر (بالكسر) هو الوجه الآخر للمستضَعف(بالفتح).

ومن مرض بالاستكبار حمل بذرة الاستضعاف في أعماقه. وكلا من المستكبر والمستضعف من فصيلة واحدة. ويوم القيامة يلعن بعضهم بعضا.

والصورة الملونة أصلها أسود. وجايكل وهايد شخصيتان متناقضتان اجتمعتا في رجل واحد. مثل وجهي القمر؛ فوجه مضيء يغلي بحرارة 150 فوق الصفر، ووجه مظلم بارد لا يصلح للحياة بدرجة حرارة 150 تحت الصفر.

والطاغية وحش مرعب، ولكنه في حقيقته أحقر صعلوك.

ومن احتقر الناس احتقر نفسه. ومن وظف المجرمين قلب المجتمع عاليها سافلها؛ فلم يظهر على السطح إلا كل عتل زنيم مناع للخير معتد أثيم.

وحين يسود السفلة والأوغاد والأنذال المجتمع ، ويعتلي ظهور العباد العيارون والحرافيش والزعر يخسف بالمجتمع في ليل التاريخ حتى حين، كما حدث مع بلدان البعث وديكتاتوريات الخوف؛ فكان لابد من مجيء النسر الأمريكي حيث الجثث تعبث بها الهوام.

والطاغية جنسياً ومن الناحية الطبية سادي ومازوخي في آن واحد؛ فيتمتع بالتعذيب!! سواء على نفسه أو بممارسته على الآخرين.

والمازوخي والسادي فصائل عجيبة من الكائنات، فلا يصل أحدهم الذروة إلا بالألم؟

ومن انحرف فقد توازنه فعاش على الانحراف حتى يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.

ونيرون أحرق روما، ولكن لم يكن عنده من الجرأة أن يقتل نفسه، حينما أحدق به الناس؛ فقتله خادمه بخنجر مرهف طويل، بقر به كرشه المدلى، مثل حامل في الشهر الثامن!

والطاغية ليس رجل مبدأ ليموت من أجل مبدئه، بل هو متعلق بالحياة أكثر من حرص الضفدع على حياة المستنقع. وهو ما يفسر لماذا سلم صدام نفسه.

وفي القرآن تعبير رائع عن الحرص على الحياة؛ ولتجدنهم أحرص الناس على حياة، يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله عليم بالظالمين.

وكلمة حياة في الآية جاءت بصيغة نكرة فتفيد أي حياة تافهة أو عظيمة رخيصة أو مبدعة .. المهم حياة ولو في بلاليع الجرذان وثقوب الفئران.

ومن يقتل أصهاره يدفع ببناته إلى الترمل وأحفاده إلى اليتم.

وحسب شهادة جمال المجيد فقد قتل صدام كل عائلته؛ فقتل والده، وثلاثا من إخوانه، وأخته، وفي النهاية أرسل من ذبح والدته ليلا من الوريد إلى الوريد على عادة الطغاة.

والسلطة تميل إلى الفساد. وقليل من السلطة تعني قليلا من الفساد. وسلطة مطلقة تعني عمى مطبقا وفسادا كاملاً، وظلاما دامساً، إذا أخرج يده لم يكد يراها.

ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

وحينما يخسر الإنسان نوره الملائكي يستبدله بظلمة الشياطين، ومن باع نفسه للقوة ارتهن للقوة؛ فظن نفسه إلهاً، لينقلب عبدا ذليلا مع انتزاع القوة من يديه. إنه ليؤوس كفور.

وهي مشكلة التوحيد، وهي القضية التي كافح من أجلها الأنبياء، لإخراج نموذج جديد من البشر، محرر من علاقات القوة، فلا يركع للقوة إذا فرضت عليه، ولا يحرص على امتلاكها حتى لو سعت إليه.

ومرض الزعامة من أخطر الأمراض.

وفي الحديث إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة.

والغرب حل أعظم معضلة سياسية هي مركزية السلطة؛ فسحبها من أيدي البشر، وحرر المجتمع من الوثنية السياسية.

وشيراك صديق صدام الحميم، ومن جاء بعده مثل ساركوزي، لا يمنعه في فرنسا أن يكون مثل صدام لولا الشعب الفرنسي.

والسلطة ألذ من كل اللذائذ مجتمعة، لأن فيها سر الإلوهية.

ومن ختم على رياض الترك في زنزانة إفرادية سبع عشرة سنة، كان يرسل الناس إلى الموت بكلمة، ويصرف الملايين بإشارة، فمن يقف أمام هذا الإغراء؟

والملكة فيكتوريا كانت تتمنى أن تحكم مثل الباديشاه العثماني، ومن حجزها كان البرلمان البريطاني بعد أن طار رأس الملك تشارلز عام 1649 م بحد السيف على يد كرومويل فلا داعي للتكرار.

وحين نحرج أمام تحولات العالم والسياسة والتاريخ؛ نقول إن هذه الأشياء موجودة في ديننا، وأن الشورى أساسية في الإسلام!!

ونحن لم نشم رائحة الشورى لحظة في تاريخنا.

والمشروطية التي نادى بها رجال الإصلاح في العراق، في مطلع القرن الفائت، لم تأت إلا من خلال الاحتكاك بالغرب.

ولم يكن عبد الرحمن الكواكبي ليكتب كتابه عن طبائع الاستبداد، لولا احتكاكه بفكر الثورة الفرنسي.

كما أنني لم أكن لأكتب رسالتي في الاستبداد لولا الصلة بالعصر، وتوديع ثقافة الفقهاء من العصر المملوكي، الذين قالوا بشرعية الغلبة والقهر، من ركل وركب العباد بقوة السيف الناصر لدين الله والقاهر للعباد.

والأنبياء جاؤوا لتحرير الإنسان من علاقات القوة، فلا يتحول الفرد إلى إله مع امتلاك القوة، وتافه مع فقدانها.

والتحليل النفسي يجعلنا نفهم لماذا ظهر صدام البطل في منظر البؤساء، كما يجعلنا نفهم سطحية أكثر العقول السياسية العربية التماعاً في المحطات الفضائية، حينما قالوا إن هذا ليس صدام أو أنه مخدر. والحقيقة أنه لم يكن مخدرا ولكنه طاغية أثيما، انكشف فيه جانب الحقيقة الثاني؛ فرأينا صدام بدون سلطة لأول مرة. وكنا نرى من قبل صدام في السلطة. فهو قاتل محترف ومسكين وضيع . جبار وتافه.

وهو اليوم عند ذي العزة والجلال فساءله عن الموءودة بأي ذنب قتلت؟

وعلم النفس يخدم كثيرا في فهم الناس وتصرفاتهم. ومن ارتبط بالعلم في فهم الظواهر كان له أفضل.

وأهل السياسية الذين يتصدرون الحديث في كل مجلس وقناة، بينهم وبين العلم سنة ضوئية.

يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.

جاء في كتاب (الدين في شرك الاستبداد) للرئيس الإٌيراني الأسبق الخاتمي؛ أن رئيس العيارين أبو ليث الصفار زحف إلى بغداد للاستيلاء على الخلافة، فحذروه من العهد!! فطلب من أحد الأشقياء أن يأتي بعهد الخلافة ليقرأه على الناس!

فما كان منه إلا أن أحضر سيفا ملفوفا بخرقة، فاستل أبو ليث السيف وصرخ في الحرافيش والزعر:

هذا عهد الخلافة، وبهذا السيف ملك الرقاب! ونحن إن شاء الله سنملك الخلافة والرقاب بهذا العهد!!

فهتف الجمهور المنتشي بالدم طويلا : بالروح نفديك يا أبو الجماجم!!