لا تزال مصر تئن تحت وطأة الفقر ونقص في الحاجات الملحة. وقد فشلت جميع جهود الدولة في إغاثة الفقراء، وتأمين حاجاتهم، وفاقم من المشكلة الفساد وعمليات الاحتيال، لدرجة أن الوقود والسكر المدعومين من الدولة صارا يباعان في السوق السوداء ولا يصلا إلى المحتاجين. وفي هذا المقال أود أن أعرض مقترحا قد يسهم في تخفيف هذه الأزمات، وهو رفع الدعم نهائيا عن جميع السلع والمواد الاستهلاكية وخصخصة جميع قطاعات الإنتاج لشركات وطنية مصرية. ومن ثم إعطاء المستحقين دعما نقديا لضمان وصول الدعم لهم. 

لا يخفى على أحد أن الدعم الشامل يرهق كاهل الدولة، ويعرض السلع للسرقة والاحتكار، خاصة وأن مصر تعاني أشد المعاناة من الفساد الشديد والهوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء. فما معنى تخفيض سعر السلع الاستهلاكية لجميع المواطنين؟ ليس من العدل أن يستفيد الأغنياء والفقراء من ذلك، وبعيدا عن الأخلاقيات، فإن الدولة لا تستطيع أن تشرف على جميع عمليات التوزيع وضبط المخالفين، كما أنها تخطئ الهدف إذا وزعت الدعم على الجميع. 

إذا باعت الدولة القطاعات الحيوية لأعلى سعر يعرض عليها، فإنها ستجمع أموال طائلة، وعليها أن تحسن استغلال هذه الأموال لتوزيع جزء منها كرواتب شهرية للفقراء، للمساعدة في تأمين الغذاء والعلاج والتعليم واستصلاح الأراضي وتوزيعها على السكان لإحيائها، وتمويل المشاريع الإنتاجية الجديدة. 

إن الأغنياء في مصر يملكون أكثر مما تمتلك الدولة وأكثر مما يمتلك فقراء مصر مجتمعين، فلماذا يستفيدون من الدعم وهم القادرون على شراء قصور ويخوت بل وجزر بأكملها. كما أن القطاع الخاص قادر على ضبط أمواله واستثماراته أكثر من الدولة، وهذا يخلق بيئة استثمارية جيدة، ويوفر مصدرا ثابتا للسيولة للحكومة يمكنها استغلاله في مشاريع جديدة. 

هذه ليست فكرة جديدة بل هي مطبقة في معظم الدول المتقدمة، إذ لا يجوز دعم السلع لجميع فئات الشعب، وبالطبع فهذا يتطلب نظاما إداريا شفافا وصارما وتطبيق المحاسبة والمسئولية بشكل صارم. ولدينا مثال جيد في دولة الإمارات التي ضبطت الإيرادات الحكومية بشكل دقيق من خلال تحويل الحكومات إلى حكومات الكترونية واستخدام أحدث الأنظمة التي تظهر الإيرادات بدقة ولا مجال للتلاعب بها من قبل أية دائرة أو موظفين من القطاع الحكومي، ويمكن لمصر أن تستعين بدولة الإمارات لمساعدتها على إدخال هذه الأنظمة لمنع حدوث تجاوزات. 

لقد جمعت مصر الكثير من الأموال على شكل مساعدات نقدية من الدول العربية، ولكنها لم تحسن استغلال تلك الأموال وغامرت في مشاريع كبرى لم تبدأ لغاية الآن باسترداد ولو جزء من رأس المال الذي استثمرته. ولا تزال الأزمة تتفاقم وهذا يعني بقاء مصر دون سياحة ودون مستثمرين وفي حالة ركود خانقة، ولا بد من التصرف السريع لمحاولة إنعاش الدولة.