مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بحلوها ومرها، انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة "الفاشنيستات"، ومن لا يعرف توصيف هذا المصطلح الدخيل على لغتنا العربية، هو يُطلق على فتيات الإعلانات والترويج على مواقع التواصل، والتي بدأت عفوية من قبل مجموعة من الفتيات، لاستعراض ما يملكن مما أعطاهن الله لتصوير أكلات وماركات معينة.

ومع التطور، تحولت العفوية إلى عملٍ مقصود من خلال تصوير أكلة معينة وماركة معينة، ومن ورائها معلنون ومؤسسات أصحاب مصالح يدعمون هذا المنتج أو الماركة بموجب عقد واتفاق، نتيجة ازدياد المتابعين لهؤلاء "الفاشنيستات" اللواتي اشتهرن، وأصبح لهن جماهير على السوشيال ميديا.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما مؤهلات تلك "الفاشنيستات"؟ وللإجابة على هذا السؤال المنطقي، من يمضي وقتاً ليس بقليل لرصد معايير تلك الشركات والمؤسسات لاختيار "الفاشنيستات"، يلاحظ أنَّ معيار الشكل والجمال يأتي في المقام الأول للاختيار، ثم القدرة على الاستعراض، وهنا تتخلى الأنثى عما ميزت به في مجتمعاتنا العربية عن المجتمعات الغربية.

أما ثالث هذه المعايير، فهي القدرة على الإقناع، حتى ولو كانت السلعة المعروضة تافهة، إلى جانب الجرأة التي تتفاوت من واحدة إلى أخرى، والتي تصل أحياناً إلى درجة الوقاحة إلى أبعد حد، من أجل جذب انتباه الجمهور، وهو الأمر الذي ترغب فيه الشركة أو المؤسسة المعلنة.

أما الوظيفة التي تقوم بها تلك "الفاشنيستات"، فهي مدح مبالغ فيه في السلع المراد عرضها من عطور وشنط وإكسسوارات وساعات وذهب وغيرها. وهنا تسقط الضحية، وهي الجماهير الغفيرة التي تنساق وراء هذه المغريات بكلمة واحدة وهي: "لازم تشتروه"، حينها تغيب العقول.

وهنا أريد أن ألفت انتباهك، عزيزي القارئ، إلى أن "الإعلان المادي الشيطاني" يستخدم المرأة أسوأ استخدام ممكن أن تراه. تتبع معي هذا التدريج المريب لاستغلال المرأة، فكانت البداية مع استخدام صورتها على الغلاف، ثم فتاة الفيديو كليب، إلى فتاة السوشيال ميديا. فآخر ما يفكر فيه هذا الإعلان هو الأخلاق والمبادئ والقيم، لأنَّ الهدف هو كيفية تحقيق مبالغ مادية وثراء فاحش، وفيه يكون جسد المرأة سلعة دون أي اعتبارات أخلاقية.

وبدون تجريح، لربما ان "الفاشنيستات" والإدمان وجهان لعملة واحدة، لأن كلاً منهما يحتاج إلى معالجة خاصة. ومن هنا، ينبغي التطرق إلى السلبيات التي تتركها "الفاشنيستات" في مجتمعاتنا العربية والخليجية على وجه الخصوص.

وأول هذه السلبيات هي المجاهرة بالمنكر. لا أقصد هنا أن الإنسان معصوم، ولكن المجاهرة بالخطأ هي المشكلة الحقيقية، لكونها بها جرأة على دين الله وتحدياً لقيم وأخلاق وأحكام شرع الله. وهم ينطبق عليهم قوله تعالى: "لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ".

ويجمع علماء النفس والاجتماع على أن من تدخل هذا المجال البغيض ستعاني حتماً من أمراض نفسية في المستقبل، حتى تصل إلى شخصية معقدة ويتفاوت ذلك من شخص إلى آخر. فهي تريد أن تصل إلى درجة الهوس بالكمال، حيث أصبح الاهتمام بالمظهر على حساب الجوهر والأخلاق.

أما انعكاسات تلك الظاهرة على المجتمع، فإنها تؤدي إلى تشويه قيمة "الحياء"، حيث تحول الستر إلى قطعة قماش شفاف. ومن المؤسف أن تجد غربيات عندما يدخلن الإسلام، يلتزمن بمتطلبات العفة، بينما يتمردن على تقاليد مجتمعاتهن الشرقية والخليجية والإسلامية.

إنَّ الحل في مواجهة هذه الظاهرة هو التفريق بين الشهرة كغاية والشهرة كوسيلة، بمعنى أن الناجحين والكادحين وأصحاب الأعمال الخيرية في المجتمع الذين يدعون إلى النجاح وفعل الخير، يجب تأييدهم ومساعدتهم. أما من يريدون الشهرة كغاية بهدف جمع الأموال على حساب قيم ومبادئ المجتمع، فهو أمر مرفوض.

وعلى سبيل المثال، بيل جيتس صاحب شركة مايكروسوفت، السبب وراء شهرته هو الإنجاز الذي قدمه، والطفرة الكبيرة في عالم الكمبيوتر. وستيفن هوكينج، ذلك الفيزيائي الكبير الذي كان يعاني من التصلب اللويحي، والذي أبدع في النظريات العلمية.

وعربياً، فقد أثّر ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز في كثير من الشباب، ليس في السعودية وحدها وإنما على مستوى العالم العربي والإسلامي، من خلال عمله الدؤوب وجهده المبذول في إحداث نقلة وطفرة كبيرة لصالح وطنه في بضع سنين وخلق رؤية طموحة ومستقبل واعد. فأصبح الملهم محمد بن سلمان، وأصبحت بعض شعوب دول عربية كلبنان مثلاً تتمنى أن يحكمها مثل الأمير محمد بن سلمان حامل لواء رؤية 2030.

وكذلك سليمان الراجحي، رجل الأعمال الخيري المعروف الذي لا يختلف اثنان على مساهمته في الاقتصاد السعودي، ولاعب كرة القدم المصري محمد صلاح، لاعب نادي ليفربول، الذي اشتهر وارتبط اسمه بالقيم الأخلاقية.