في كل مرة يبدو أن النظام الإيراني على وشك السقوط، تبرز على الساحة تحركات مشبوهة تهدف إلى إحياء "بدائل" وهمية للنظام، بدائل لا تمتلك قاعدة شعبية حقيقية داخل إيران. من أبرز هذه الأمثلة الترويج لرضا بهلوي، نجل شاه إيران السابق، كخيار بديل لمستقبل إيران.
مشهد سقوط النظام ورائحة التغيير
شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة سلسلة من الانتفاضات الشعبية في 2018 و2019 و2022، حيث عبّر الشعب الإيراني عن رفضه القاطع للنظام الحالي ومطالبته بإسقاطه. وقد زادت هذه الانتفاضات من ضعف النظام ودفعت حتى المسؤولين في الداخل للاعتراف بحالة الانفجار الاجتماعي المتوقعة.
في هذا السياق، صرح الملا عبادي زاده، خطيب الجمعة التابع لخامنئي في بندر عباس، في 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، أنَّ النظام لا يخشى الحرب الخارجية بقدر ما يخشاه من الانتفاضة الشعبية، قائلاً: "أكثر ما يخشاه هو الحرب النفسية التي تستهدف زعزعة استقرار البلاد". ولكن في الوقت نفسه، يدرك النظام جيدًا أن أي تحرك شعبي لا يمكن أن ينجح دون وجود بديل ذي قاعدة شعبية واسعة ومصداقية دولية.
في ظل هذا الوضع، تحاول بعض الأوساط الدولية والإقليمية الترويج لرضا بهلوي كبديل محتمل. ما يثير الشكوك هو أن النظام الإيراني، بشكل علني أو خفي، يدعم هذا البديل الوهمي. وهذا الدعم ليس من قبيل المصادفة، بل هو جزء من استراتيجية النظام لاحتواء التهديدات الحقيقية. فالبديل الذي لا يشكل تهديدًا حقيقيًا للنظام، يساهم في إبعاد الأنظار عن البديل الحقيقي والجاد، الذي يمثله "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" و"مجاهدي خلق".
إنَّ هذه الأوساط الدولية والإقليمية وشبكاتها الإعلامية، من خلال تطبيلها لهذا البديل الوهمي، سواء عن دراية أو جهل، تعمل في صالح بقاء النظام واستمرار نزيف الدماء داخل إيران وفي المنطقة. البديل الحقيقي، أي المقاومة الإيرانية، يملك قاعدة شعبية واسعة داخل البلاد، ويتألف من شبكة منظمة تضم وحدات المقاومة التي لعبت دورًا حاسمًا في الانتفاضات الأخيرة وأوصلت النظام إلى حافة السقوط. ولكن النظام يحاول دائمًا تهميش هذا البديل لصالح بدائل وهمية مثل رضا بهلوي، الذي قضى حياته خارج إيران بعيدًا عن معاناة الشعب الإيراني.
علاقة مشبوهة مع الحرس الثوري والاستخبارات
من المثير للدهشة أن رضا بهلوي لا يخفي علاقاته مع بعض عناصر الجيش والحرس الإرهابي. ففي مقابلات سابقة، صرح علنًا أنه على اتصال مع هذه الجهات، وزعم أن بعض عناصر الحرس والباسيج أبدوا استعدادهم لدعمه في حال حدوث تغيير. هذه التصريحات تكشف عن تحالف خفي بين بهلوي وبعض الأوساط داخل النظام، مما يفسر لماذا يحاول النظام الترويج له كبديل غير جاد، لأنه في نهاية المطاف لا يشكل تهديدًا حقيقيًا.
علاوة على ذلك، تتهم العديد من المصادر بهلوي بالتعاون مع وزارة المخابرات الإيرانية. ففي عام 2013، أسس منظمة باسم "المجلس الوطني الإيراني"، ولكن لاحقًا تبين أن بعض أعضائها كانوا على اتصال مباشر مع الاستخبارات الإيرانية. في هذا السياق، يذكر السجين السياسي هاشم خواستار، ممثل المعلمين، في رسالة من السجن كيف حاولت الاستخبارات الإيرانية استخدام رضا بهلوي كأداة للاتصال معه لإخماد الانتفاضة.
إرث الشاه والسياسات القمعية
من المهم أن نذكر هنا أن نظام الشاه، الذي أطاح به الشعب الإيراني في ثورة 1979، كان هو الآخر قمعيًا مثل النظام الحالي. جهاز ساواك الشاه كان سيئ السمعة بسبب تعذيبه الوحشي للمعارضين، وشاعت ممارساته القمعية في الداخل والخارج. هذا القمع لم يكن مقتصرًا على الإيرانيين فقط، بل كانت سياسة الشاه أيضًا محل انتقاد من قبل الدول العربية، حيث كان يسعى لفرض هيمنة إقليمية على المنطقة بأسرها.
العديد من الدول العربية كانت ترى في الشاه الإيراني قوة استبدادية ذات ميول توسعية وشوفينية، نظرًا لسعيه إلى لعب دور "شرطي المنطقة". ويبدو أن رضا بهلوي يسير على نفس نهج والده، حيث لم يندد أبدًا بسياسات القمع أو التوسع التي انتهجها الشاه، بل بالعكس، لا يزال يمجد إرث والده ويرغب في استعادة نفس المسار السياسي، مما يثير المخاوف من تكرار نفس الأخطاء القمعية والتوسعية.
محاولات الترويج لابن الشاه على الصعيد الدولي
على الساحة الدولية، يواصل رضا بهلوي وأنصاره تقديم أنفسهم كمعارضة "معتدلة" و"واقعية"، ولكن الواقع يثبت عكس ذلك. صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية كشفت في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 عن وثيقة سرية للنظام الإيراني، تشير إلى أن النظام يخطط لاستخدام رضا بهلوي كأداة لترويج مصالحه وتخفيف العقوبات الدولية ضد إيران.
وأخيرًا، إنَّ التحركات المشبوهة التي تظهر كلما اقترب النظام الإيراني من السقوط تهدف إلى إبقاء الأمور تحت سيطرة النظام عبر الترويج لبدائل وهمية. هذه البدائل، مثل رضا بهلوي الذي لا يمثل إلا نفسه، لا تمتلك شرعية أو قاعدة شعبية داخل إيران، وهي في الواقع أدوات يستخدمها النظام لإبعاد الخطر الحقيقي المتمثل في "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية". يعلم النظام جيدًا أن البديل الحقيقي الذي يخشاه هو المقاومة المنظمة ووحدات المقاومة التابعة لمجاهدي خلق الإيرانية، ولهذا السبب يسعى دائمًا إلى قمعها من جانب، وتشويه سمعتها من جانب آخر.
التعليقات