الشهيد الحيّة مي شدياق
إيمان إبراهيم من بيروت: في مثل هذا اليوم قبل عام ولدت من جديد، حاولوا اغتيال حلم لبنان مجدّداً لكنّهم فشلوا، ودفعت هي الثّمن غالياً. قبل سنة، أطلّت مي شدياق على الهواء مباشرةً، كانت تبدو كعادتها متألّقة، بثوب زهري اللون، ما كانت ذاكرتنا لتحفظ لونه لو أنّها لم تكن المرّة الأخيرة، أرادوها أن تكون كذلك، لكنّها كانت الأخيرة قبل الولادة الجديدة، حاورت ضيفها بكل جرأة، لم ترعبها الاغتيالات المتنقّلة بين المناطق اللبنانيّة قبل عام، كانت تعرف أنّها مهدّدة، لكنّ إيمانها بالله كان أكبر من مخاوفها.
غادرت الاستديو وتوجّهت إلى منزل أصدقائها في جونية، حيث تناولت معهم الغداء الأخير قبل الولادة الجديدة، لتنطلق مع الأصدفاء في مشوار قصير إلى مار شربل حيث اشترت بعض الأغراض التي أنقذت حياتها.
فما أن عادت إلى جونية واستقلّت سيّارتها، حتّى استدارت لترتّب الأغراض التي اشترتها، وأنقذت تلك الاستدارة حياتها. فقدت يدها وساقها اليسرى، لم تدرك تلك الحقيقة سوى متأخرة، بقيت في غيبوبة أياماً طويلة قبل أن تدرك فظاعة ما حصل لها.
قبل الحادث بثلاثة أشهر كنت قد أجريت معها مقابلة لجريدة quot;الرياضquot; السّعوديةّ، قالت لي حينها أنّ إدارة المؤسّسة اللبنانيّة للإرسال تلقّت تهديداً يطالها، قالت quot;تمكّنوا من القضاء على رئيس حكومة فما الذي سيمنعهم من قتل صحافيّة مثلي؟quot; فالمتّصلون قالوا حينها للمحطّة quot;سوف نشرب من دمهاquot;، ضحكت مي ,وأضافت بلامبالاة quot;بالنّهاية ما زلت موجودة ولم يتعرّض لي أحدquot;.
لم تكن تأخذ تلك التهديدات على محمل الجد، بدليل أنّها طلبت منّي حين انتهينا من إجراء المقابلة ألا أذكر تلك الجملة، كانت تستخف بمهدّديها، لم تأخذ احتياطاتها، بقيت تقود سيّارتها بنفسها، في الوقت الذي كان فيه معظم إعلاميي لبنان يتّخذون أقصى درجات الحيطة والحذر.
سنة كاملة مضت، تغلّبت فيها مي على آلامها، من يدري لعلّها لا تزال تعاني آلاماً نفسيّة أصعب، فالقضيّة التي حاربت لأجلها تحوّلت إلى سجالات عقيمة، ورموز السلطة التي اعتقدت حينها أنّها ستأفل إيذاناً بلبنان جديد عاد صوتها ليصدح في المنابر، كما كان في تلك الحقبة السّوداء، ويد الاغتيالات عادت لتحاول اغتيال واحد من خيرة ضبّاط لبنان ذنبه الوحيد أنّه يحقّق في قضية اغتيال الرّئيس الحريري، التي ما تزال لغزاً فقد يطول الوقت قبل أن تكشف الحقيقة، وقد لا تكشف.
ليلة أمس أطلّت مي مع الإعلامي طوني خليفة في برنامجه الجديد quot;هذا أناquot;، كانت كعادتها قويّة، لكنّ الدمعة كانت تترقرق في عينيها عشية الذكرى الأولى على المأساة، سألها طوني مما تخافين، قالت بعد صمت طويل quot;من الألمquot;.
فهي عانت من الألم ما لا يتحمّله أي إنسان، لكنّ المهم أنّها عادت، وأنّ الرّابح الأكبر كان حريّة الصّحافة، في بلد يتنفّس حريّة، ولو على إيقاع الاغتيالات.

[email protected]