قرر أن يمشي لمدة عامين في أميركا اللاتينية

الرجل والحمار في رحلة البحث عن معنى الحياة !

ترجمة محمد حامد ndash; إيلاف : يتجول جوناثان دونهام في الأرض، ويرافقه حماره الذي يدعيه غوداس. لقد توقفا لأخذ قسط من الراحة لأيام قليلة في كوليناس دي سان لورينزو وهو حي فقير في مدينة متواضعة تنتشر بها السهول التي ترعى فيها الماشية في الشمال الشرقي في فنزويلا، وفي صباح أحد أيام الآحاد، انطلقت صرخة من منزل مجاور للكوخ المهجور الذي كان ينام فيه دونهام على الأرض. لقد وصل بعض الأطفال الحفاة إلى حظيرة الكوخ وضربوا حماره غوداس ووقفوا يضحكون ويحملقون في دونهام البالغ من العمر 33 عاما، الذي يثير منظره المزري خيال الجميع، ويدفعهم لطرح العديد من التساؤلات .

سأله أحد الأطفال: هل أنت مصارع؟ أم مبشر ديني؟ أجاب دونهام: لا. إنني فقط شخص عادي. لقد كان دونهام في حقيقة الأمر شخص يبحث عن معنى الحياة. فقد بدأ سعيه منذ عامين في بورتلاند، إحدى الولايات الأميركية، حيث كان يعمل كمدرس احتياط في المدارس العامة. وفي أحد الأيام قرر أن يبدأ السير إلى الجنوب عبر الولايات المتحدة الغربية. ومن تكساس عبر الحدود إلى ولاية ميكسيكان الشمالية حيث توقف لفترة. وقال بأنه كان يأمل أن يستمر في السير لمدة عامين آخرين عبر باقي أميركا الجنوبية حتى يصل إلى باتاجونيا.

وفي مقابلة معه، استعاد دونهام ذكرياته. حيث قال بأن إحدى العائلات في مدينة تاموليباس سمحت له بأن يرعى أبقارها الحلوب حيث قضى معهم عدة أشهر و تعلم هناك اللغة الأسبانية ومهارة حلب الأبقار. وعندما غادرهم، أعطوه حمارا كي يساعده في حمل أمتعته وهي مجموعة من الكتب، وبعض الغذاء، وبعض الملابس القديمة. وقد أطلق دونهام على الحمار اسم هوزي وهو اسم غامض، و ينطق بصعوبة باللغة الأسبانية غوداس. والآن وبعد أربع سنوات، أصبح غوداس جزءا من احتفال صغير في بعض أماكن أمريكا اللاتينية. وقد كان الحمار ودونهام يثيران الفضول أينما ذهبا.

وقد قال مراسل صحيفة الهيرالدو في بلدة بارانكويلا، في كولومبيا، في شهر أكتوبر الماضي عندما منعه مسؤولي الصحة العامة من دخول البلد بسبب قوانين الحجر الصحي التي تحكم عملية استيراد الحمير: غوداس ليس حمارا عاديا. لقد ولد وتربى في مزرعة جميلة تحت إدارة جيدة.quot; كما أضاف مراسل الصحيفة في وصفه لدونهام قائلا: إن جون رجل متعلم ومتخصص في الكيمياء الحيويةquot; حيث حصل على شهادة من جامعة دينسون في الكيمياء الحيوية. لقد كان قانعا بالعيش في مجتمع مادي حيث النهم المستمر للحصول على الأموال من أجل الاستهلاك مثل الحصول على الكمبيوتر المحمول، وسيارة جديدة، وتليفزيون، وهاتف جوال، وآخر إصدار لمادونا أو شاكيرا.


إن الدوافع الحقيقية وراء أسفار دونهام ليست معروفة حتى بالنسبة له، وربما لن تكون أبدا، ولكن يمكن أن نسميها رحلة اكتشاف الذات والصبر. وفي هذه الأثناء، ذكرت الصحف التي كانت في طريقه أنه كان يسير من أجل السلام العالمي أو يسجل رقما قياسيا عالميا أو لنشر فضائل دينية وأخلاقية. وقد قال دونهام للمراسلين الذين قطعوا المسافات الطويلة لمقابلته هو وحماره: إن الصحفيون لا يعجزون عن أن يجدوا شيئا دائما يقولونه.

وكان دونهام يعتمد على عطف الغرباء عبر طريقه خلال المكسيك، وأمريكا الوسطى، وفنزويلا. إنه يبتعد دائما عن المدن الكبيرة مدركا أنه لا مكان فيها لحماره غوداس، وعندما يصل إلى أية قرية يبحث عن الكنيسة كمكان آمن لأخذ قسط من النوم. وكان غوداس هو معينه في رحلته كي يرى أناس آخرين كما قال هو. وهنا في بلدة تيناكو على سبيل المثال، كان دونهام وحماره يأخذان قسطا من الراحة في حديقة عامة حيث يبيع الحرفيون سلعهم. وقال ويليامز اكساجا، البالغ من العمر 38 عاما وهو واحد من الحرفيين: لقد تحدثت اليوم مع احد الغرباء وحماره. لقد اعتقدت أنها فرصة لحل بعض المشكلات داخل حكومتنا.quot;

لقد سمح اكساجا لدونهام بأن يقيم في كوخ خال مقام على أرض يملكها اكساجا حيث كان يأمل أن يبني مكانه بيتا في يوم ما. ويقع الكوخ في منتصف أفقر حي في أفقر مدينة في أفقر ولاية في فنزويلا وهي ولاية كوجيدس. وقد استغل دونهام الفرصة. وتعد بلدة تيانكو بعيدة عن بلدة لارامي التي تربى فيها دونهام كابن لأحد أساتذة الجامعة. و على الرغم من أنه درس الكيمياء الحيوية، إلا أنه قرأ لفلاسفة مثل هيجل وسارتر. وكان من وقت لآخر يجد مقهى انترنت كي يرسل بريدا الكترونيا يخبر فيه عائلته وأصدقائه عن رحلته.

وكان دونهام الذي كان يخطط للالتحاق بكلية الطب قبل أن يبدأ رحلته، يتحدث قليلا من اللغة العربية، حيث كان في المملكة العربية السعودية حيث كان يركب الجمال، كما كان يتحدث قليلا لغة توك بيسين لأنه قضى فترة من طفولته في غينيا الجديدة . وكان دونهام يقرأ الإنجيل وكتابات الفيلسوف الإنجليزي بلانتاجو الفيلسوف الإنجليزي الأميركي المتدين في جامعة نوتردام. كما يحمل دونهام معه جهاز تشغيل اسطوانات صوتية يستخدمه في استماع محاضرات الأساتذة المعروفين. كما قال بأنه تخلى عن الكثير من الكتب التي قرأها أثناء العامين الماضيين. حيث قال: ربما يستخدم الناس الكتب التي تخلصت منها في إشعال النار.

وقد قابل في رحلته الكثير من المتاعب والصعوبات. فبينما كان يتجه سائرا في الولايات المتحدة، قال بأنه كان يتردد في إنفاق النقود حيث كان يأكل الأطعمة الملقاة مثل بعض قطع البيتزا أو شرائح الهامبورجر. وفي نيكاراجوا، أصيب دونهام الذي كان لا يملك تأمينا صحيا، بالحمى. كما أصيب هو وحماره ببعض الأمراض الطفيلية.

وقد سافر من بنما إلى فنزويلا بالسفينة كي يتجنب عبور خليج داريان الذي يفصل كولومبيا عن بنما. وعلى الرغم من الإحتياطات التي كان يأخذها، ولم يكن يحمل نقودا أو أشياء ذات قيمة غالية، فقد تعرض للسطو مرتين. وكانت أخطر هاتين المرتين هي التي حدثت له في الميناء خارج مدينة بورتو لا كروز، في فنزويلا، حيث كان ينتظر مع حماره في سفينة تجارية ينتظران دخول الدولة، حيث هاجم قراصنة مسلحون السفينة وسرقوا ممتلكات جميع من كان على ظهر السفينة.

كما تعرض دونهام على أحد الطرق الريفية في ولاية جواريكو في داخل فنزويلا لتحقيق طويل لمدة ثماني ساعات أجراه معه جنود الحرس الوطني كي يعرفوا هل هو جاسوس أم لا. وقد سمحوا له بالمغادرة بعد أن سألوه عن رأيه في الرئيس هوجو شافيز فقال: لا أعرف الكثير عنه كي أستطيع أن أعطي رأيا صائبا. وعلى الرغم من أن فنزويلا ربما تبدو في بعض الأوقات معادية لشخص أميركي يسير على قدميه، إلا أنه قال بأنه وجد فيها كرم لم يجده في أي مكان آخر سوى المكسيك حيث أعطته إحدى العائلات حماره غوداس.

كما منحه أحد الفنزويليين تليفونا محمولا دون ثمن، وأعطاه آخرون طعاما، وملابس وحذاء وهي هدايا قيمة لشخص يعيش على 2 دولار أميركي في اليوم. وقد تناول دونهام الإفطار المعروف في فنزويلا والذي يتكون من مشروب البيبسى مع خبز الذرة الذي يعد شيئا رئيسيا في وجبة الغذاء الفنزويلية، كما تناول غذاء أعدته له آدا بوزا ربة المنزل التي تبلغ حوالي 47 عاما من عمرها في بلدة كوليناس دي سان فرانسيسكو أثناء إقامته هناك. لقد كانت تلك السيدة تعيش في كوخ بالقرب من الكوخ الذي كان يقيم فيه. و قالت آدا بوزا : لقد جاء جوناثان إلى هنا منذ عدة أيام وقد شاركنا روحه الطيبة. سوف نفتقده كثيرا عندما يغادرنا.


خدمة نيويورك تايمز الإخبارية