في رحلة فريدة من جدة الثمانينيات، فيلم سعودي يتناول هوية الفتاة المتمردة وعلاقتها المعقدة مع سائقها السوداني وسط عالم من التوقعات الاجتماعية والتقاليد. "سلمى وقمر" للمخرجة السعودية عهد كامل يقدم قصة صداقة تتحدى التقاليد في جدة الثمانينيات، لتروي تداخل المأساة والأمل.


إيلاف من لندن: ضمن قسم "روائع عربية" بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، ينطلق العرض العالمي الأول لفيلم "سلمى وقمر" للمخرجة السعودية عهد كامل. يستمر المهرجان من 5 إلى 14 كانون الأول (ديسمبر) في جدة، مسلطًا الضوء على الأعمال الأكثر تأثيرًا من العالم العربي، والتي تجمع بين العمق السردي والابتكار البصري.

حكاية من جدة
تدور أحداث "سلمى وقمر" في جدة في فترة الثمانينيات والتسعينيات، ليحكي قصة تتسم بالجرأة والحنين. في هذا العالم، تعيش سلمى، الفتاة السعودية المتمردة من عائلة غنية، والتي تواجه قيود والدتها الصارمة وحزنها العميق، بينما يحاول والدها المحب التوازن بين العائلة وإدمانه للعمل. في هذه البيئة المعقدة، تتشكل رابطة صداقة غير معتادة بينها وبين قمر، سائقها السوداني الشاب الذي غادر بلاده بحثًا عن فرص أفضل في جدة.
لكن هذه العلاقة تتعرض لاختبارات صعبة عندما تبدأ سلمى، التي عاشت في ظل تحكم عائلتها، في استعادة السيطرة على حياتها واتخاذ قرارات جريئة. يروي الفيلم رحلة انتقالها من التبعية إلى الاستقلال، مع استكشاف العلاقة التي تجمعها مع قمر، وكيف ساعدها على قيادة حياتها، ليس فقط بالمعنى الحرفي، ولكن بالمعنى الأعمق للتحرر من القيود الاجتماعية.

عهد كامل: نافذة على المجتمع
تصف المخرجة عهد كامل مشروعها بأنه أكثر من مجرد قصة شخصية، فهو يمثل مشهدًا مدهشًا من واقع سعودي لم يتم تناوله كثيرًا. تقول عهد: "بدأ الفيلم كقصة من وحي حياتي، لكنه أصبح الآن أكثر أهمية في زمن يحتاج فيه العالم بشدة إلى صور أكثر تنوعًا وترابطًا لتمثيل العالم العربي. الفيلم يفتح نافذة على عائلة سعودية ميسورة الحال في أواخر القرن العشرين، حيث يصبح الخدم جزءًا من نسيج العائلة، ويكشف عن التحديات التي تواجه الفتاة وهي تتحول من طفلة خاضعة إلى امرأة تتحكم في مصيرها".
وتضيف عهد أن قصة سلمى ليست مجرد استكشاف للتحولات الثقافية، بل إنها أيضًا تأمل في مستقبل جديد تتداخل فيه العلاقات التقليدية بأحلام الشباب وأفكارهم حول الحرية. تشير إلى أن الفيلم يمثل محاولة لسرد جزء من ماضي المملكة بطريقة صادقة وجريئة، مسلطة الضوء على تعقيدات العلاقات الأسرية والطبقية.

الفيلم من بطولة رولا دخيل الله في دور سلمى، ومصطفى شحاتة الذي جذب الانتباه بأدائه في فيلم "ستموت في العشرين"، إضافة إلى مشاركة رنا علم الدين وقصي خضر. ويجمع فريق العمل أسماء بارزة مثل المخرج السوداني أمجد أبو العلاء، المشهور بأعماله الرائدة "ستموت في العشرين" و"وداعًا جوليا"، ليكون مشاركًا رئيسيًا في إنتاج الفيلم، مما يعكس عمق التعاون بين الثقافات السودانية والسعودية.

وقد حظي الفيلم بدعم كبير من ملتقى القاهرة السينمائي، حيث نال جوائز مثل "New Black" و"The Cell"، إلى جانب صندوق البحر الأحمر وصندوق جلوبال سكرين في المملكة المتحدة. ستتولى MAD Distribution توزيع الفيلم في العالم العربي، فيما تدير MAD World مبيعاته العالمية، مما يتيح للفيلم الوصول إلى جمهور عالمي واسع.

المخرجة عهد كامل: من وجدة إلى العالمية
نشأت عهد حسن كامل في جدة قبل أن تنتقل إلى نيويورك عام 1998، حيث درست في كلية بارسونز وتخصصت في الرسوم المتحركة والاتصالات، ثم حصلت على شهادة في الإخراج من أكاديمية نيويورك للسينما. عملت عهد تحت إشراف ويليام إسبر في مجال التمثيل، وبرزت عالميًا من خلال أدوارها في فيلم "وجدة" المرشح لجائزة البافتا، ومسلسل "Collateral" على BBC2 ونتفليكس. أحدث أعمالها تشمل فيلم الإثارة "All the Old Knives" على أمازون.

إرث فني غني
أبدعت عهد في فيلميها القصيرين "القندرجي" (2009) و"حرمة" (2012)، وهو أول فيلم سعودي ينافس في مهرجان برلين السينمائي. نالت تقديرًا دوليًا عندما اختيرت كقائدة عالمية شابة في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2019، ما يثبت مكانتها كمبدعة سعودية تسعى لتقديم قصص غير مألوفة، تجمع بين النضج الفني والرسائل الاجتماعية العميقة.