قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، في الحلقة الأخيرة من مقابلته مع "إيلاف"، إن القوى المدنية في مصر ليست متجذرة بالقدر الكافي في قلب الشارع السياسي، محذراً من أنّ مواجهة الارهاب أمنيًا فقط لن تكون مجدية.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: أكد الدكتور حسن نافعة أن الأحداث التي مرت بها مصر مؤخرًا أثبتت أنه توجد في مصر قوتان أساسيتان منظمتان، جماعة الإخوان المسلمين والجيش.

وحذر نافعة من إصرار القوات المسلحة المصرية على إدارة شؤون الدولة بنفسها أو من خلال أحزاب تستخدمها مثل "عرائس الماريونت"، في المرحلة القادمة، مؤكدًا خطورة هذا التوجه الذي يصب في صالح القوى المتطرفة.

وشدد على أن جماعة الإخوان تراهن على غضب الشارع بسبب الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والبطء في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير.

حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية في مقابلة مع إيلاف 1 ـ 2:
خلاص السيسي الشعبي بنأيه عن نظام مبارك

وقال: "وقوف الجيش كجزء من نظام مبارك يعيد القوى المتطرفة لصدارة المشهد السياسي".

وفي ما يلي نص الجزء الثاني من المقابلة

هل فقدت القوى الليبرالية أو المدنية التأثير السياسي بعد ثورة 30 يونيو؟

القوى المدنية، والتي تضم اطرافاً من أقصى اليمين لأقصى اليسار، غير موحدة ومنقسمة على نفسها، ولا يجمعها سوى شيء واحد فقط وهو الرغبة في قيام نظام ديموقراطي يقوم على المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع.

فهي قوى تؤمن بالتعددية وساهمت بقوة في ثورتي 25 يناير و30 يونيو، ولا تريد لنظام مبارك أن يعود، غير أنها لم تستطع استغلال الفرصة التي اتيحت امامها بعد 30 يونيو، بسبب غياب التنظيم والقيادة السياسية الموحدة، فضلاً عن أنها ليست متجذرة في قلب الشارع السياسي.

ربما تكون قادرة على تحريك الشارع السياسي في لحظات الأزمة فقط، لكنها في الظروف العادية تبدو متعالية ومنعزلة عن الجماهير. فقد ثبت أنها تستطيع في اللحظات المصيرية أن تتقدم ببرنامج أو برؤية أو بوجهة نظر يمكن للشعب أن يتفاعل معها، وهو ما حدث إبان جبهة الانقاذ الوطني التي تشكلت في مواجهة محمد مرسي وجماعة الاخوان المسلمين. غير أن انقسامها على نفسها جعل من السهل على اصحاب المصالح المرتبطة بنظام مبارك أن تسرق منها ثورة 30 يونيو مثلما سرقت جماعة الاخوان المسلمين ثورة 25 يناير.

أزمة الليبراليين

قادت القوى المدنية الثورة ضد مبارك، ثم ضد المجلس العسكري، فضد مرسي، إلا أن مواقفها لم ترقَ إلى مستوى التحديات، لماذا؟

هذه القوى لا تجمعها رؤية ايديولوجية واحدة رغم إيمانها بضرورة إقامة نظام ديمقراطي، ولم تستطع حتى الآن تشكيل قيادة سياسية موحدة.

هي تستطيع فقط أن تتوحد في وقت الأزمة لمواجهة نظام بعينه قد يشكل خطورة ما على أمن الوطن أو على تحقيق الاهداف التي تسعى إليها الثورة، ويمكن أن تتوحد معاً لاسقاط نظام قائم، لكن للأسف تفشل في كل مرة تختبر فيها قدراتها حول امكانية إقامة نظام بديل.

فقد لعبت القوى المدنية دوراً مهماً جدًا في اسقاط نظام مبارك بالتعاون مع جماعة الاخوان المسلمين وجماعات تيار الاسلام السياسي، ولعبت دوراً مهماً ايضا في اسقاط نظام الاخوان المسلمين، بعدما تبين لها أن الجماعة تريد الهيمنة على مقدرات الحياة السياسية وأن هناك خطراً يهدد الأمن القومي المصري، وتعاونت مع مجموعة المصالح المرتبطة بنظام مبارك، غير أنها لم تكن قادرة وحدها على حسم الصراع نهائيًا لصالحها.

ففي الحالتين، كان الجيش هو من حسم الصراع وهو الذي& تولى إدارة الدولة عقب كل مرحلة، ولكن بأدوات واساليب مختلفة في كل مرة.

معنى ذلك أن التيار الإسلامي مازال مؤثرًا سياسياً، رغم الضربات الأمنية والسياسية؟

ثبت لنا بعد كل تلك الأحداث السياسية أنه لا يوجد على الساحة سوى قوتين حقيقيتين من الناحية التنظيمية البحتة يمكن الاعتماد عليهما، هما جماعة الاخوان المسلمين، وهي القوة الأكثر تنظيماً وقدرة على التعبئة والحشد، ولديها أعضاء فاعلون يعملون وفق منهج السمع والطاعة. وتستطيع الجماعة أن تشكل قوة مؤثرة على الساحة بحكم أعدادها المؤيدة وانضباطها التنظيمي.

أما القوة الثانية فهي الجيش، وهو قوة يفترض انها ليست سياسية، لكن يصعب في دولة كمصر أن تتحول القوات المسلحة إلى مجرد متفرج عندما يحتدم الصراع على السلطة، خصوصاً وأن هناك اشكالية تتعلق بالمصالح الاقتصادية للمؤسسة العسكرية، وما إذا كانت هذه المصالح تخلق دافعًا لديها للتدخل في الحياة السياسية أم لا؟ وأعتقد انه لم يعد بوسع المؤسسة العسكرية أن تمارس السياسة بنفس الطريقة القديمة التي كانت تمارسها قبل ثورة يناير، فالحياة السياسية في مصر اختلفت الآن تمامًا.

ويمكن للقوات المسلحة أن تقدم خدمة جليلة لمصر إذا قادت بنفسها عملية تحول ديموقراطي حقيقي، وهو ما لن يتحقق إلا إذا توافرت لديها رؤية سياسية مرتبطة بتحول ديموقراطي حقيقي يستبعد القوة التي تحمل السلاح والقوة التي تحرض على الكراهية، وتسمح لبقية الفصائل بالانخراط في الحياة السياسية، بما في ذلك الفصائل الاسلامية المعتدلة. فإذا تبنت القوات المسلحة هذا التوجه وتوافرت لدى القيادة الحالية تلك الرؤية، فستصل بمصر إلى بر الامان.

أما اذا أصرت القوات المسلحة على أن تحكم بنفسها مباشرة أو أن تحكم من خلال أوامر ادارية فقط، أو تحاول استخدام الأحزاب المدنية كعرائس سياسية "ماريونت"، فإنها ستدخل البلاد في مأزق كبير، وسوف يصب هذا في صالح القوى المتطرفة.

ونظن أن جماعة الاخوان المسلمين والقوى المتحالفة معها تراهن على أن نطاق الغضب الشعبي سيزيد بالتدريج بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وعدم قدرة النظام الحالي على تحقيق أهداف ثورة يناير.

الخيار الثالث؟

ما الذي تستطيع القوة الثالثة تقديمه في حالة التعثر الديمقراطي؟

يتعين على القوى القادرة على تشكيل "تيار ثالث" لا ينتمي لا إلى جماعة الإخوان المسلمين ولا إلى شبكة المصالح المرتبطة بنظام مبارك، ولا تريد في الوقت ذاته حكم المؤسسة العسكرية، أن تتوحد وتتجمع يداً واحدة، فإذا حصلت على تأييد الجيش لإقامة مشروع ديمقراطي سيكون هذا هو الضمان الحقيقي لنجاحها، لكن اذا لم تحصل على التأييد من القوات المسلحة ووقف الجيش كجزء من النظام القديم "نظام مبارك"، فسيصب ذلك في المحصلة النهائية لصالح قوى التطرف الديني وسيعيدها من جديد لتصدر المشهد.

ويجب على هذه القوى أن تراجع الاخطاء السابقة التي ارتكبتها عبر كل مواقفها السياسية، وأن تسعى لتشكيل قيادة سياسية موحدة، فليس هناك ما يبرر وجود 96 حزبًا مدنيًا، وربما يحدث هذا بشكل أفضل بعد البرلمان القادم.

وأعتقد أن الانتخابات البرلمانية القادمة سوف تظهر بجلاء ما إذا كان بوسع النظام الحالي أن يرسخ أقدامه أم سيتجه نحو مأزق لا فكاك منه.

وفي جميع الأحوال فلن تدرك قوى التيار الثالث حقيقة ما ينبغي عليها أن تقوم به إلا بعد الانتخابات البرلمانية القادمة التي ستعكس بوضوح حجم التغيير الذي طرأ على الخريطة السياسية في مصر.

وفي كل الأحوال يجب عليها الدفع في اتجاه التأسيس لنظام، لا أريد أن أقول ديموقراطيًا، وإنما على الأقل الدفع في اتجاه عملية تحول ديموقراطية قادرة على تحقيق الاستقرار لمصر.

المصالحة المجتمعية

ألا تتطلب عملية التحول الديمقراطي مصالحة مجتمعية بعيدًا عن المصالحة مع القيادات الفاسدة من نظام مبارك أو المحرضة على العنف من نظام الإخوان؟

دعني أميز بين الجراح المجتمعية التي فتحت بعد ثورة 25 يناير وحتى تلك اللحظة، وهي جراح كثيرة جداً، وتمس آلاف الأسر المصرية.

ويمكن تضميدها فقط من خلال فكرة واحدة، ألا وهي تطبيق العدالة الانتقالية، فلابد أن يكون هناك قانون للعدالة الانتقالية، يترتب عليه تشكيل لجان تقصي حقائق واثبات الضرر الذي حدث والمسؤولين عنه.

فبدون إثبات الضرر من خلال جهة محايدة تمامًا، لن نستطيع اجراء المصالحات الضرورية، فكل المصالحات في العالم وما صاحبها من تحول ديموقراطي، لم تتم إلا بقانون العدالة الانتقالية، الذي تتشكل بموجبه لجان حقيقية ومستقلة، لمعرفة ما حقيقة ما حدث وحصر الأضرار التي وقعت إما على الأفراد أو على القوى السياسية المختلفة، أو الأضرار التي لحقت بالوطن نتيجة للفساد ونهب الثروات وكل ذلك يجب أن يوثق توثيقاً دقيقاً حتى تتم معالجة ما أسفر عنه من أحداث.

هل يعني كلامك هذا غياب الإرادة السياسية في إصدار قانون العدالة الإنتقالية، واجراء المصالحة؟

الإرادة السياسية بكل أسف ليست قائمة الآن، وأذكر في هذا السياق أن اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع، وفي سياق مكالمة تليفونية كنت أشدد فيها على ضرورة عدم الاقتصار على الوسائل الأمنية في مواجهة التحديات الراهنة، طلب مني إعداد ورقة عن تصوري للخروج من الأزمة الراهنة، وهو ما استجبت له على الفور.

فقد قمت بإعداد ورقة من 4 صفحات بتاريخ 17 أكتوبر 2013، أي بعد فض رابعة بشهر ونصف تقريباً، أي منذ أكثر من عام، وذكرت في الورقة أن التعامل الأمني لا يكفي للتعامل مع تيار الاسلام السياسي، ويجب أن تكون هناك رؤية سياسية واضحة، لإخراج البلاد من المأزق الراهن.

ولم اتحدث في تلك الورقة عن مصالحة مع جماعة الإخوان فقط، لكنني طرحت تشخيصًا للأزمة السياسية الراهنة وتصورًا لكيفية الخروج منها، من خلال تشكيل لجنة حكماء تبحث في إمكانية التوصل إلى قواعد مشتركة بين التيار الاسلامي المعتدل والتيار العلماني الراغب في تأسيس نظام ديموقراطي حقيقي. فإذا تبين أن هناك أرضية مشتركة تكفي لبناء نظام يمكن التعويل عليه، ننتقل بعد ذلك إلى مفاوضات تبحث في النواحي الإجرائية لإنهاء الأزمة، كموضوع المعتقلين وباقي القضايا والملفات، ثم يبدأ حوار مجتمعي مع كل القوى السياسية، للحصول على الدعم الشعبي لما يمكن التوصل اليه من اتفاق.

هل تلقيت ردود فعل على الورقة فعلاً أو قولاً، هل وجدت لها أي صدى؟

ظلت الورقة حبيسة أدراج اللواء محمد العصار لفترة طويلة دون أن يتخذ أي إجراء، وعندما قررت نشرها في أحد المواقع الالكترونية أثارت ردود فعل هائلة، وتبين من خلال الحوار الذي جرى حولها أن الانقسام يتعمق وأن حالة الاستقطاب&لا تزال على اشدها، وأن هناك أطرافًا رافضة تمامًا لفكرة المصالحة وهوجمت من الطرفين، فالرموز القريبة من الإخوان اتهموني بالعمالة للنظام، والرموز القريبة من النظام اتهموني بإنني أنتمي إلى الخلايا النائمة للإخوان.

لكني أحمد الله، أن هذا الكلام لا يضيرني اطلاقاً فأنا أثق أني لا أقول إلا ما يمليه عليّ ضميري، والكل يعلم أنني لم أنضم لأي حزب سياسي في حياتي.

وعندما طلبت مني جماعة الاخوان المسلمين الانضمام لحزب الحرية والعدالة كي يتسنى لها ترشيحي في الانتخابات البرلمانية السابقة رفضت رفضاً باتًا.

وكتبت مقالتين في جريدة المصري اليوم، تحت عنوان "مناورات اخوانجية". ومع ذلك فما زلت مقتنعًا كل الاقتناع بأنه لا حل إلا بقيام نظام سياسي قادر على استيعاب كل القوى السياسية التي لم تحمل السلاح، ولم تحرض على الفتنة الطائفية، ولا تحض على الكراهية.

أما بالنسبة لمواجهة الفساد، فإن ذلك يستلزم نظاماً سياسياً مستقرًا يطبق القانون على الجميع. ولن يستقر أي نظام سياسي من دون أن يشارك فيه الجميع دون هيمنة طرف على طرف آخر، ويسمح بتداول السلطة بطريقة سلمية، وبالتالي فإن القوى التي يجب عزلها هي القوى التي تحمل السلاح ضد الدولة وتحرض على التمييز والفتنة.

ملف الإرهاب

هل منحت الحرب على الإرهاب في سيناء مبرراً للنظام من أجل تجميد عملية التحول الديمقراطي؟

الإرهاب لا يمكن محاربته بالوسائل الأمنية وحدها، وإذا ارادت الدولة مواجهة الارهاب بشكل شامل، فعليها أن تواجهه أولاً من خلال صيغة تحقق الاستقرار السياسي، وتؤدي إلى تغيير الأوضاع التي أدت للثورة.

وما لم تكن هناك حرب حقيقية ضد الفساد والاستبداد وتجاوز كل المشكلات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن، فلن نستطيع القضاء على الإرهاب.

إن الإرهاب في واقع الأمر يتغذى على الفساد من ناحية، ويتغذى على الاستبداد، من ناحية أخرى.

فإذا جاء نظام سياسي يقول: "أنا أحارب الإرهاب وعلى الجميع أن يصمتوا"، فإنه يؤسس للاستبداد بدعوى محاربة الإرهاب، وهذه الصيغة ستؤدي الى مزيد من الإرهاب وإلى تطرف القوى السياسية، لأنه لا يسمح بمشاركة كل القوى السياسية، وسوف تلاحظ في الورقة التي كتبتها أن الهدف من تجمع القوى السياسية هو محاربة الارهاب، فالارهاب لا يحارب إلا بمشاركة كل القوى السياسية الديموقراطية الرافضة للفساد والاستبداد.