وتستمر الاخبار والمعلومات والشائعات تحتل الواجهة وعقول الناس في الأردن، عن (كنز هرقل) ولا أحد يصدّق الرواية الرسمية عن حفريات جرت ليل الخميس الماضي في منطقة شمالية.


نصر المجالي: الإمبراطور البيزنطي هرقل وذهبه، سيطرا على الشارع الأردني، ونسي الجميع (داعش) وآثار حرب غزة، والتداعيات الخطيرة في الإقليم، وما يتبع ذلك من تحديات ومسؤوليات يتعيّن على الأردن مواجهة استحقاقاتها الخطيرة.

لا حديث إلا عن (ذهبات هرقل) وأين ذهبت قيمتها التي سارع كثيرون للتطوع لتقديرها بعشرة مليارات دولار، وحسب ما ورد في مقال للكاتب الأردني فهد الخيطان فإنه: "لو انطبقت السماء على الأرض، فلن تصدق الأغلبية الساحقة من المواطنين رواية الحكومة عن حفريات عجلون".

الحكاية بدأت عملياً ليل الخميس الماضي عندما أغلقت السلطات الأمنية طريقا دوليا شمالي المملكة لعدة ساعات وحولت مسار حركة السير، وزعم مواطنون في قرية بالقرب من مدينة عجلون الأثرية مشاهدتهم لآليات ضخمة للحفر وعددا كبيرا من قوات الدرك والأمن مع شاحنات تقول الأقاويل الشعبية انها نقلت كمية ضخمة من الذهب ارتباطا بما يتناقله حفارو الأرض عن أسطورة (كنز هرقل).

انهيارات

ورغم أن محافظ عجلون سارع إلى الإعلان عن ان العملية كلها كانت لمعالجة "انهيارات" في قطعة الأرض حرصا على سلامة المواطنين، إلاّ أن صاحب ومالك قطعة الأرض التي جرت فيها عملية الحفريات الدكتور مهند القضاة عرض في بيان عام نشره على الملأ ما قال انها قرائن وأدلة على عملية غير قانونية وغير نظامية للحفر في ملكيته الخاصة انتهت بنقل دفائن وكنوز.

الأستاذ الجامعي القضاة صرح بالفم الملآن أنه "لن يسكت" ولن يتنازل عن حقه المنصوص عليه قانونيا بحصة من الذهب المكتشف، ولم يكتف بذلك بل بلغ بالإثارة إلى ذروتها عندما لجأ فعلا للقضاء وسجل شكوى ضد رئيس الحكومة، في الوقت الذي يطالب فيه الأهالي بالشفافية وحصتهم على الأقل في الكنز الشهير.

نفي حكومي

من جانبها، نفت الحكومة الاردنية على لسان الناطق الرسمي وزير الدولة للإعلام محمد المومني "وهو ابن منطقة عجلون" ما تناقلته وسائل الإعلام و المواطنون، حول العثور على الاطنان من الذهب في منطقة ارحابا في محافظة عجلون قبل عدة ايام، الامر الذي اثار الجدل وحفيظة العديد من المواطنين الذين تساءلوا وتسبب باهتمام كبير من النشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي، عن حجم وكميات الذهب التي عثر عليها في تلك المنطقة وخصوصاً ان هذه الكنوز تعود لعظيم الروم الذي كان الرسول محمد بعث له برسالة يدعوه فيها إلى الإسلام.

صوت النواب

لم يتوقف الأمر عند شائعات الشارع، بل إن مجلس النواب دخل على الخط مقتحما "مغاور وكهوف الذهب الروماني" وأصدر بعض النواب بيانات، ولجنة النزاهة البرلمانية عقدت لقاء سريعا وطارئا مع وزير السياحة والعمل نضال قطامين، للتوثق من أقاويل عشرات الشهود حول العثور على "كنز عظيم من الذهب ونقله إلى جهة غامضة وبطريقة غير نظامية أو قانونية".

أعضاء البرلمان المهتمون بالموضوع، حسب تقرير لـ(القدس العربي) اللندنية، رفضوا الاستكانة لنفي الحكومة الرسمي قصة العثور على كنز عملاق واعتبار المسألة مجرد شائعات في المخيلة الشعبية، كما صرح الناطق الرسمي الدكتور محمد المومني.

ودعا عضو مجلس النواب خميس عطية لتشكيل لجنة للتحقيق، وزميله ممثل محافظة عجلون في المجلس علي بني عطا طالب علنا بحصة "المواطنين" التي ينص عليها قانون الحفائر والدفائن من الكنز المفترض، وسط حالة إنكار ونفي رسمية وحمى شائعات غير مسبوقة.

النائب بني عطا اتهم الحكومة بانها "مغيبة" عن الموضوع الذي شغل الرأي العام شمالي المملكة، وتحدث عن تصرفات مريبة للمسؤولين المحليين، وهوس الحديث عن كنز الإمبراطور هرقل المدفون في قرية قرب ناحية إرحابا شمالي الأردن أصبح قضية كبرى لا يمكن تجاهلها.

مقال الخيطان

وإلى ذلك، ومع غياب تحقيقات صحافية استقصائية عن حكاية الذهب، فإن الكاتب فهد الخيطان خرج بمقال نشرته صحيفة (الغد) يفند فيه الحكاية، حيث يقول: "حكايات الذهب والكنوز المدفونة في الأرض تضرب عميقا في العقل الأردني، وينسج المخيال الشعبي حولها روايات طالما قضى الكثيرون حياتهم في سبيلها، وسلبت عقول من أمضوا الليل والنهار يحفرون بحثا عن الذهب".

ويضيف: وما زاد الطين بلة تضارب التصريحات الرسمية حول حفريات منتصف الليل؛ مصادر الحكومة قالت إنها أعمال إنشائية لمعالجة انهيارات قرب طريق إربد-عجلون، ومحافظ عجلون قال إنها تعود للقوات المسلحة.

ويقول: وعندما حضر المواطنون والصحافيون، ومن بينهم زملاء في "الغد"، لم تظهر في الموقع علامات تشير إلى صحة الروايتين. وبالطبع، لا أدلة أيضا على أن الموقع شهد العثور على عشرات الصناديق الكبيرة المملوءة بالذهب الخالص والتماثيل.

وينوه الخيطان الى ان أحد المواطنين العابرين في الليل ادعى انه شاهد تلك الصناديق أنه شاهدها، وحلف أيمانا أنها بطول مترين، ومليئة بالذهب الخالص. لم يسأله أحد كيف عرف ما بداخلها، لكنه عاد موضحا "شافوها وصوروها"، ولم يقل لنا من الذي "شافها" أو صورها، وكل ذلك في الليل!

ويتابع الكاتب: لم يقف خيال الأردنيين عند هذا الحد، فقد ذهبوا أبعد من ذلك؛ إذ قدروا قيمة الذهب بنحو عشرة مليارات دينار فقط لا غير!

ويقول: وفي غضون ساعات قليلة، تصدرت أخبار العثور على كنوز في عجلون اهتمام المواطنين على نحو هستيري، وتوارت سواها من أخبار "داعش" وتقاعدات النواب، التي كانت حتى الأمس القريب محور اهتمام الجميع.

كما دخل النواب على الخط، واشتعلت التصريحات النارية؛ اجتماعات، ولجان تحقيق، وزيارات ميدانية. وتوالى صدور البيانات المنددة بسرقة ذهب الأردنيين.

أرقام قياسية

ويشير الى ان صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حفلت بتعليقات غزيرة، وسُجلت أرقام قياسية في هذا الشأن. كل صاحب حساب على "فيسبوك" تقريبا أدلى بدلوه، والقاسم المشترك بين كل التعليقات هو تصديق كل ما يقال عن الكنوز، وتكذيب رواية الحكومة، حتى قبل مطالعتها.

واستدعى البعض ذكريات قديمة عن دفائن كان يقال إن شخصيات نافذة تخصصت في الماضي بالتنقيب عنها والاستحواذ عليها، ما دفع ببعض "الفيسبوكيين" إلى الزعم بأن أحد هؤلاء كان موجودا في موقع الحفريات في عجلون!

هلوسات

ويقول الخيطان: لم تكن مثل المزاعم سوى هلوسات لا أساس لها من الصحة، تربت عليها أجيال، وتلبست بها عقول عاشت على ثقافة الشعوذة، بيد أن السجال المحتدم حتى الساعة حول الكنز الموعود يكشف عن أمور تستحق أن نتوقف عندها.

ـ أولها: الانهيار التام في صدقية الحكومات، وعدم الثقة بما تصرح به أو تدعيه. وثانيها، استخفاف الأجهزة الرسمية بحق الناس في معرفة الحقيقة، والتلكؤ في إعطاء المعلومات في الوقت المناسب.

ـ ثانيها: ماذا يضير الأجهزة المختصة لو أعلنت مسبقا للسكان المحليين عن نيتها إجراء حفريات في الموقع، وطلبت منهم الابتعاد عن الموقع؟ هي لم تكتف بعدم فعل ذلك، بل أقدمت على تنفيذ الأعمال في ساعة متأخرة من الليل، ما أضفى شكوكا على نواياها.

ـ وثالثها، أن ضيق الحال عند الناس وصل بهم إلى التعلق بأوهام الكنوز والذهب المدفون، أملا في الخلاص من واقعهم المعيشي الصعب. إذ تعكس تعليقات كثيرة مشاعر دفينة، وأحلاما عريضة تملأ قلوب الناس ويأملون تحقيقها حال ما يحصلون على حصتهم من الذهب الخالص.

ويخلص الخيطان إلى القول: لم يعد ثمة من يراهن على العمل والعلم والمنافسة لتحقيق الذات؛ لقد تحطمت آمال الناس، وليس من وسيلة لانتشالهم من قعر البئر سوى "لقية" في باطن الأرض تجعلهم من السلاطين في قصص ألف ليلة وليلة.