بعد الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات من "حزب الله" الشيعي في القنيطرة، والتي قتل فيها جنرال من الحرس الثوري، رأى الخبير العسكري نزار عبد القادر لـ"المركزية" أن حجم رد حزب الله سيكون مدروسًا، كي لا يجرّه إلى حرب هو غير مؤهّل لها حاليًا، بسبب انهماكه في سوريا، وقد يطال أهدافًا إسرائيلية خارج إسرائيل.


بيروت: أعادت تطورات الأيام القليلة الماضية، سياسيًا وأمنيًا، تسليط الضوء على الخلل العضوي الرئيس الذي ينتاب جسم الدولة اللبنانية الوهن، ويعوق قيامها الفعلي وتطورها، ويتمثل في خروج بعض القوى الداخلية عن سلطة الشرعية وتفرده في قرارات مصيرية أهمها "الحرب والسلم"، وربطه التطورات اللبنانية بمسار الحوادث الإقليمية والدولية.

حبس أنفاس
ففيما لم يكد رئيس الحكومة تمام سلام يلملم تبعات مواقف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله المعادية للبحرين، حتى حبس الداخل الشعبي والرسمي أنفاسه مجددًا، في انتظار تبيان مكان وزمان وطبيعة رد "حزب الله" على العملية العسكرية التي استهدفت موكبًا له في القنيطرة في الجولان السوري أمس، مودية بـ6 من كوادره، و6 إيرانيين، حسب ما قال مصدر مقرب من الحزب لـ"فرانس برس" اليوم، من بينهم القائد في الحرس الثوري الإيراني العميد محمد علي الله دادي، مشيرًا إلى أنهم كانوا ضمن موكب من 3 سيارات عند استهدافهم... وسط قلق من استخدام الجنوب منصة وإقحام الساحة اللبنانية الغارقة بقاعًا وشمالًا في مواجهة مع الإرهاب، في حرب من نوع آخر شبيهة بتلك التي نشبت في تموز/يوليو 2006.

رد محدود
وفي وقت يدرس الحزب بتأنّ أسلوب الانتقام "الذي لا بد منه"، حسب مقربين منه، رأى الخبير العسكري نزار عبد القادر لـ"المركزية" أن حجم رد حزب الله سيكون مدروسًا كي لا يجرّه إلى حرب هو غير مؤهل لها حاليًا، بسبب انهماكه في سوريا، وقد يطال أهدافًا إسرائيلية خارج إسرائيل، كما يمكن أن يأتي انطلاقًا من الجولان السوري.

لكن الأمر مستبعد لأن النظام السوري لن ينزلق إلى مغامرة تهدد بسقوطه. أما الرد من الجنوب اللبناني، فممكن بحسب عبد القادر، عبر عملية محدودة جدًا في مزارع شبعا مثلًا، تتمثل في نصب كمين لدوريات إسرائيلية أو إطلاق صواريخ، لكن الرد لن يكون بحجم الرد المطلوب على عملية طاولت قياديين في الحزب والحرس الثوري الإيراني، وهو مؤجّل في انتظار ظروف أفضل، كما قد تأتي تطورات تجعل الرد في مرتبة النسيان".

"قرار جريء"
في الانتظار، أحيت حوادث القنيطرة أسئلة جديدة قديمة عن استمرار قتال حزب الله في سوريا، حيث رأت مصادر في 14 آذار أن ذريعة الدفاع عن المقامات الدينية في وجه "التكفيريين"، التي رفعها حزب الله، أحضرت هؤلاء إلى لبنان للانتقام، وكادت تشعل فتنة سنية – شيعية. كما إن قتال الحزب في سوريا، قد يورط لبنان اليوم في حرب مع إسرائيل، مطالبة الحزب بوقفة ضمير وبقرار جريء يقدم المصلحة الداخلية على أي مصالح أخرى، لكنها استطردت مذكرة بأن "انسحاب الحزب من سوريا وقرار إشعال الجبهة الجنوبية أو عدمه، ورقتان في يد طهران، ولا تعود الكلمة الفصل فيهما إلى نصرالله، ويجب أن نرى كيف ستتعاطى الجمهورية الإسلامية مع التصعيد الإسرائيلي الذي يدل على انزعاج من تقدم المفاوضات بين إيران والدول الست" التي جرت اليوم، وأعلن الاتحاد الأوروبي أنها كانت جدية ومفيدة، وانتهت باتفاق على الاجتماع في مطلع شباط/فبراير المقبل.

وإذ دانت الخارجية الإيرانية بشدة الهجوم الاسرائيلي في القنيطرة، مؤكدة انه يظهر مرة أخرى أن المعركة في سوريا جزء من المواجهة مع الكيان الصهيوني، رأى وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف ان "استمرار حياة النظام الاسرائيلي يكمن في خلق الأزمات، وهو يعمل وفق هذا المنطق".

هدوء جنوبًا
واليوم، سيطر الهدوء التام على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، وسجّلت اعلى درجات الاستنفار في صفوف مختلف القوى العسكرية والأمنية العاملة في هذا القطاع. وسيّر الجيش اللبناني واليونيفيل دوريات على طول الحدود الجنوبية، فيما غابت المظاهر العسكرية والدوريات الاسرائيلية كليا خوفًا من أي عمل انتقامي.

واذ حرصت "اليونيفيل" على الطمأنة الى أن الوضع على الخط الأزرق هادئ وتحت السيطرة ولا إشارات إلى أي تصعيد"، افادت وسائل اعلام اسرائيلية عن نصب رادار "أورن" ضخم في شمال اسرائيل للمرة الاولى. كما استدعى الجيش الإسرائيلي رؤساء البلديات الحدودية مع لبنان لبحث الوضع الأمني، فيما يعيش الشارع الإسرائيلي حالة من الخوف والقلق تحسبًا لأي رد من جانب "حزب الله".

من جهته، شيّع حزب الله عند الثالثة من بعد الظهر، جهاد عماد مغنية في روضة الشهيدين، الذي ووري في الثرى الى جانب والده وسط حضور حزبي وشعبي كثيف، على أن يشيع الضحايا الآخرون الخمسة غدًا، في انتظار الانتهاء من فحوص الحمض النووي.

الحوار:
وسط هذه الاجواء، انشغل المراقبون في رصد تداعيات غارة القنيطرة على الحوار بين "المستقبل" وحزب الله"، والذي تعقد جلسته الرابعة الاثنين المقبل. الا أن الاجواء الاولية أوحت بأنه ماضٍ بغض النظر عن التطورات الاخيرة التي تندرج اصلاً في خانة الملفات، التي لن تطرح بين الطرفين، كالاستراتيجية الدفاعية وقتال الحزب في سوريا.

وفي هذا الاطار، جزم النائب أحمد فتفت عبر "المركزية" أن الحوار سيستمر، لأن موضوع سلاح "حزب الله" ومشاركته في الحرب في سوريا لن يُبحثا خلاله أصلاً"، لافتاً الى أن " قرارات الحرب والسلم لا يتشاور في شأنها الحزب مع احد، ما يعني اننا اصبحنا تحت وصاية ايرانية فعلية". في المقابل، رأى منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد لـ"المركزية" أن التطورات الاقليمية تجاوزت الحوارات المحلية أكانت من طبيعة اسلامية أو مسيحية"، مشيرًا الى أن القيادات السياسية مدعوة الى الخروج من محليتها السياسية الى موقع آخر يتمثل بحماية لبنان الذي يبدأ اولاً، باحترام القرار 1701 وتنفيذه".

اما على خط حوار "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية"، فأكد النائب إبراهيم كنعان أن الطرفين اقتربا من انهاء ورقة العمل في ظل مصارحة مشتركة على ملفات عدة، مشيرًا الى ان بعد الإنتهاء من هذه الورقة سيتم الإتفاق على موعد اللقاء بين النائب ميشال عون وسمير جعجع.


&