كانت المرحلة الأولى من الانتخابات النيابية في مصر خجولة جدًا، ومكاتب الاقتراع كانت شبه خالية من ناخبين خفت حماستهم بعد تجارب لم تكن مشجعة بالنسبة إليهم، ولم يلمسوا أي تغيير حقيقي في السنوات الأخيرة بعد ثورتين. أما آخرون مناصرون للسيسي فلم يحبذوا إعاقة الرئيس مؤكدين أن بلادهم تحتاج القوي قبل الديمقراطية.


إيلاف - متابعة: ظلت المقاعد الخشبية المتهالكة خاوية في باحة مدرسة جمال عبد الناصر في الجيزة، التي تحولت إلى مركز اقتراع شبه خالٍ، مثل معظم أماكن الاقتراع في الانتخابات النيابية المصرية المحسومة نتيجتها سلفًا لمؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تكاد تكون هذه الانتخابات الماراثونية، التي تنظم على مدى شهر ونصف شهر، وتشمل مرحلتين، كل منهما من دورتين، خالية من أي ممثلين للمعارضة. ويتمتع السيسي، الذي أسكت كل الأصوات المعارضة منذ إطاحته قبل عامين الرئيس الإسلامي محمد مرسي، بشعبية كبيرة، تجعل بعض أنصاره ينظرون بعين الشك سلفًا إلى برلمان يخشون أن يكون عبئًا على الرئيس.

الشعب لا يريد
وقالت قاضية مسؤولة عن إدارة مكتب اقتراع إن "هذه أضعف مشاركة في أي عملية اقتراع منذ العام 2011". وأضافت إن نسبة المشاركة في اليوم الأول للانتخابات الأحد لم تتجاوز 15%، وهو ما أكده قاضيان في مكتبي اقتراع آخرين زارتهما فرانس برس.

وسائل الإعلام المصرية أسهبت منذ مساء الأحد في الحديث كذلك عن تدني نسبة المشاركة. وكتبت صحيفة الأخبار الحكومية الاثنين "حضور باهت في اليوم الأول للانتخابات"، بينما عنونت صحيفة "المصري اليوم" المستقلة "الشعب يتجاهل النواب".

ومع مقتل 1400 متظاهر من أنصار مرسي، وحبس أكثر من 15 ألفًا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين أو أنصارها ومع المحاكمات الجماعية، التي دانتها الامم المتحدة، استطاع نظام السيسي ان "يقضي" على المعارضة الإسلامية كما تعهد. وامتد القمع، ليشمل بعد ذلك الشباب الليبرالي واليساري، الذي كان رأس الحربة في ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، التي اسقطت حسني مبارك، اذ تم توقيف رموزه ومحاكمتهم.

قبل الديمقراطية
ورغم ذلك، فان غالبية المصريين ترى في السيسي الرجل القوي الوحيد، القادر على تحقيق الامن والاستقرار وانعاش الاقتصاد المتدهور، ويتبنى قطاع لا يستهان به من المصريين الفكرة القائلة إن بلادهم "لا تحتاج الديموقراطية، بل رجلا قويا"، وبالتالي تصبح الانتخابات بالنسبة إليهم بلا جدوى.

وقال رئيس نادي القضاة عبد الله فتحي مساء الاحد في تصريح لقناة فضائية خاصة إن الظاهرة اللافتة في هذه الانتخابات هي "ضعف المشاركة". وقال رمضان سعيد، وهو عامل متخصص في اصلاح السيارات في الحادية والاربعين من عمره، اثناء مروره امام مكتب اقتراع، "لن اشارك في الاقتراع، لا اريد ان تكون مشاركتي إعاقة للرئيس، فهو يسير على الطريق الصحيح، ولا أريد برلمانًا يكون ورقة ضغط عليه".

أضاف "كل مرشح يسعى الى تحقيق مجد شخصي، ولا احد يخوض الانتخابات من اجل النهوض بالبلد". وكان السيسي دعا السبت الناخبين الى "الاحتشاد بقوة والاصطفاف امام لجان الانتخابات"، ولكن إزاء ضعف الاقبال الاحد، قررت الحكومة منح العاملين فيها الاثنين عطلة نصف يوم، ليتمكنوا من المشاركة في الاقتراع.

ترمومتر شعبي
واعتبر المحلل السياسي عزمي خليفة أن "نسبة المشاركة مهمة جدًا للسلطة، فكلما ازدادت، كان معنى ذلك ان شرعية الرئيس كبيرة، وكلما قلت فهذا يعني ان شرعية الرئيس ضعيفة".

اما محمد، وهو صاحب شركة دعاية واعلان في الثالثة والثلاثين، فقال وهو يمر بغير اكتراث بجوار مركز اقتراع، "لا فائدة من المشاركة، النتائج معروفة سلفا"، مضيفًا "لم تعد هناك حماسة". يتذكر انه "في العام 2011& كانت هناك طوابير امام مراكز الاقتراع، والجميع كان يريد المشاركة"، مشيرًا الى انه صوّت آنذاك لمصلحة الاخوان المسلمين الذين فازوا بنحو نصف مقاعد مجلس الشعب.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لم تفت المصريين هذه المقارنة، فنشروا صورًا للناخبين، الذين انتظروا في العام 2011 بالساعات امام مكاتب الاقتراع تحت المطر. واوضح خليفة أن إحجام الناخبين عن المشاركة سببه "ان الناس لم يجدوا أي تغيير في السياسات. وعندما يشعرون بالتغيير الحقيقي سيعودون" الى مقار الانتخابات. واعتبر محمد بأسى ان "هذا البرلمان سيكون مثل برلمانات مبارك، كل ما سيفعله هو الموافقة على قرارات النظام القمعي".
&